الأبيض والأوسط

البداية بين الأبيض والأوسط.

مُنْذُ أَنْ فتحت أمريكا عيونها على الشرق الأوسط والوطن العربي بالتحديد وذلك بداية من عام 1780 حينما قرَّرت مجموعة من المستشرقين اِسْتِكشاف ما يسمى بالشرق الأوسط وكان على رأسهم المستشرق جون ليديارد John Ledyard حيث كان شابًا يافعًا مدفوعًا بأفكار دينية وسياسية محافظة. كان ل جون ليديارد هدفان، الهدف الأول هو خدمه مصالح أمريكا من خلال إيجاد موطئ قدم لها في منطقه الشرق الأوسط والهدف الثاني شخصي حيث كان يسعى إلى بناء مجد شخصي له؛ ومن حينها ولم تغلقها قط؛ حيث حاربت أمريكا في التاريخ الحديث في قلب الشرق الأوسط أكثر حتى مما فعل ساكنيه ودافعت عن دول فيه وحاربت أخرى تحت مسميات وأسباب مختلفة؛ وفرضت العقوبات على دول في المنطقة؛ ومنها ربطت أمريكا الشرق الأوسط واِسْتِقراره بقرارات تخرج مباشرةً من اِجْتِماعات البيت الأبيض؛ فهدف أمريكا هو أن لا تسيطر أيَّ دولة على النفط العربي الذي ساهمت الشركات الأمريكيِّة في إخراجه للعالم بالرغم من تراجع أهميته في الوقت الراهن بالنسبة لها، وأيضًا دعمها الغير المشروط لحماية وديمومة إسرائيل.

ماذا قدَّم العرب لأمريكا؟

لأمريكا مكانة وسطوة خاصة في تاريخ العلاقات الخارجيِّة العربية فلأمريكا واحدة من أقدم العلاقات الممتدة مع العرب؛ ولا توجد دولة عربية لم تقدم الولاء والدعم لأمريكا في مرحلة ما من تاريخها سواء في حالة السلم أو الحرب واحد؛ فقد وقفت معظم الدول العربية في صف أمريكا في حربها الباردة ضِدَّ ما كان يسمى حينها الاِتحاد السوفيتي ومنهم من غادر منها مقاتلون لقتال الاِتحاد السوفيتي في أفغانستان واِسْتِنزافه هناك لصالح أمريكا. كما دفعت الدول العربية على مرِّ التاريخ بلايين الدولارات في صفقات لشراء السلاح الأمريكي؛ كما قدمت بعض الدول أراضيها كقواعد عسكريِّة للجيش الأمريكي؛ والأهم بينهم هو حينما وافقت أوبك على قبول الدولار كعملة وحيدة لشراء النفط وبالتالي نجحت أمريكا بربط الدولار بالنفط بدل الذهب. وما زال العرب يقدمون المزيد ورغمًا عن ذلك لم يترك ترامب مناسبة للحديث إِلَّا ليعلن فيها أَنَّ لا شيء بلا ثمن، فماذا بعد؟

الفارق بين ترامب وبايدن

في الحقيقة إِنَّ الفرق بين ترامب وبايدن شاسع للغاية بل بالأصح كلاهما معاكس تمامًا  والنقيض للآخر فأحدهما يجسد اليمين والآخر اليسار؛ ترامب يمكن التعامل معه بسهولة بالرغم من قرارته القوية والسريعة المفاجئة الَّتي قد تبدو للبعض عشوائيِّة غير منتظمة وغريبة تحرِّكها مشاعره الغريزية وعلاقاته بالقادة، ويتحرك في الغالب منفردًا متمسكًا بشعار أمريكا أولًا؛ لكن بمجرد ما أَنْ يمكنك النظر وفهم العقليِّة والخلفيِّة الَّتي توجهه يمكنك حينها بكُلِّ بساطة التعامل معه أو حتى توقع حركته القادمة فهو تتملَّكه عقليِّة التاجر الذي يقيس كُلَّ شيء من باب الربح والخسارة واِتْمَام الصفقات الَّتي تبدو في منظوره ناجحة. وذلك معاكس تمامًا لبايدن الذي ينتمي بشكل كبير إلى المدرسة الأمريكيِّة الكلاسيكيِّة والَّتي هي نفسها ما كان يمارسها أوباما في فترة حكمه من السياسة والقائمة على القرارات المدروسة بعناية والمساهمة في المؤسسات الدولية المقامة بعد الحرب العالمية الثانية وتجميع الحلفاء حول الولايات المتحدة الأمريكيِّة والرَّدُّ المشترك بالتنسيق معهم.

القادم الجديد وتأثيره على الأوسط

جميع العالم ينظر بقلقٍ وترقب للجالس الجديد على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض والذي يأتي ملاصق معه كرسي عرش إمبراطوريِّة العالم. كلاهما مختلف وفوز أحدهما قد يغير سياسة البيت الأبيض 180 درجة؛ جميع استطلاعات الرأي تنحاز إلى صفِ بايدن على أَنَّه القادم الجديد إلى المكتب البيضاوي، وفي حالة فوز بايدن فسوف يوقف تمامًا الدعم الأمريكي لحرب اليمن فقد أدى سقوط ضحايا مدنين فيها إلى تنامي في داخل حزبه دور الرافض للمشاركة فيها؛ وأيضًا قد تكون سياساته أكثر ميلًا ناحية إيران على حساب المملكة العربية السعودية معاكس لرغبة المملكة وإسرائيل في نبذ إيران مما قد يدفعه للعودة للاِتِفاقات الَّتي خرج منها ترامب أو حتى ولو بصيغة جديدة مقاربة لها. وأمَّا إن نجح ترامب في تكرار ما فعله في اِنْتِخابات 2016 بفوزه بنتائج المجمع الانتخابي الأمريكي بالرغم من خسارته في الاستطلاعات وفي صناديق أصوات الناخبين فسوف يستمر في دعمه اللامحدود للمملكة وإسرائيل ومقاطعته وضغطه الشديد على صناع القرار في إيران. أمَّا من ناحية القضيِّة الفلسطينيِّة فكلاهما يدعم إسرائيل ويقف في صفها لكن يرى بايدن أن لا سلام مع الفلسطينيين بلا حل قيام الدولتين أمَّا ترامب فحله يكمن في صفقة القرن المعروفة للجميع. وإن كان هناك شيء مشترك بينهما في سياستهما ناحية الشرق الأوسط فهي أَنَّ كلاهما يريدان وضع نهاية للتورط الأمريكي في حروب الشرق الأوسط الَّتي لا نهاية لها.

الحرب الباردة الجديدة

سوف يستمر ترامب في تغريده المنفرد لمواجهة التنين الصيني ليضغط عليه في حرب باردة قد بدأت في شكل حرب تجارية؛ ذلك التنين الزاحف من الشرق والذي لا يرى مكان ينسحب منه الأمريكان سواء في اتفاقيات دولية أو على الأرض الفعليِّة إِلَّا وقدَّم نفسه كبديل فيه وذلك كان ظاهرًا للعيان وبشِّدَّة في أزمة فيروس كوفيد-19 الحالية والِّتي عصفت بالعالم حيث نهضت الصين بسرعة وبدأت في مساعدة الدول الأخرى حينما انغلقت الدول الصناعيِّة الأخرى على نفسها؛ كما أن يُخْتَار وجود القاعدة الصينيِّة الأولى خارج حدودها لتكون في جيبوتي يعطي رسالة واضحة أَنَّها تنوي ملأ الفراغ في الشرق الأوسط في حالة مغادرة الأمريكان منه. يحاول ترامب دفع الصين لاتفاق أحادي مع أمريكا وكذلك سوف يعقد المزيد والمزيد من الصفقات الأخرى مع جميع دول العالم لكن هذه المرَّة سوف يكون أكثر عدوانيِّة وشراسة لنيل ما يريده فلا فترة رئاسية ثالثة تنتظره ويحسب لها الحسابات مهما حاول عكس ذلك. بينما سوف يعود بايدن إلى الحلفاء الدوليين لتكوِّين جبهة موحدة مواجهة للصين وهم نفسهم الذين تجاهلهم ترامب في الفترة السابقة. لذا إن كان يمكن اختصار وبسطر واحد ما سوف يحدث في حالة فوز أحدهما فببساطة “بايدن سوف يشعل الشرق الأوسط، وترامب سوف يشعل بقية العالم”.

بواسطة
محمد الفاتح - السودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق