الإخوان.. وبراءة اختراع الانقلابات العسكرية ( 1 -2 )
المتابع للخطاب المعلن لجماعة الإخوان من خلال أدبياتهم وبياناتهم الرسمية والمحتوى الإعلامى للفضائيات التابعة لهم ، يجدهم يصبون جام غضبهم على” الانقلابات العسكرية ” ويرون أنها السبب الرئيسى لتأخر أمتنا .
ويؤكدون أنهم يؤمنون بالديمقراطية طريقا واحدا للوصول للحكم .
حتى أنهم فى 28-1-2021م دشنوا ” مؤسسة مرسى للديمقراطية ” وجاء فى بيانها التأسيسى أنها :
” مؤسسة دولية رائدة فى مجال الحريات والديمقراطية والحكم الرشيد .. داعمة لحقوق الإنسان وقضايا التحرر والاستقلال ومجابهة الاستبداد والانقلابات العسكرية ” .
وعلى مدار ساعتين تحدث المؤسسون فى مؤتمرهم الدولى على شبكة الانترنت قائلين :
أنهم ضد الانقلابات العسكرية فى الدول العربية وأنهم سيناضلون ضدها ؛ لأنه لا مجال لإصلاح الأمة العربية ونهضتها إلا بنشر الديمقراطية والحريات , وأن رسالة المؤسسة هى دعم التحول الديمقراطى بالشرق الأوسط ومقاومة الانقلابات العسكرية .
لذلك سيندهش الكثيرون من عنوان المقال وسيعتبرونه افتراء على الجماعة .
وسبب هذا أنهم ينخدعون بالخطاب المعلن للجماعة .. ولا يعرفون أن للجماعة خطابين :
١-خطاب زمن الاستضعاف : وهى خارج الحكم وهدفه التسويق للجماعة خصوصا عند أمريكا والغرب وهذا الخطاب غير حقيقى.
٢- خطاب زمن التمكين : وهى فى سدة الحكم وهو الذى يمثل الوجه الحقيقى للجماعة .
إن جماعة الإخوان بشهادة التاريخ تمتلك بالفعل براءة اختراع الانقلابات العسكرية الدموية – وليست السلمية – بالوطن العربى .
وتعالوا معا نثبت ذلك بوقائع التاريخ :
فى ١٧ فبراير ١٩٤٨م باليمن الشقيق تم اغتيال الإمام يحيى بن حميد الدين حاكم اليمن حينذاك والبالغ من العمر ٧٩ عاما , واغتيال حفيده ورئيس وزرائه ” القاضى العمرى “وسائقه ومرافقه الخاص .
علاوة على قتل اثنين من أولاده” الحسين والمحسن ” عند مقاومتهما اقتحام قوات الانقلاب لقصر الحكم وتم تركهما بدون دفن ثمانية أيام كاملة . 1)
وتم إعلان نجاح الانقلاب وسيطرته على الحكم باليمن .
أتعرفون من خطط للانقلاب ونفذ مؤامرة الاغتيال البشعة هذه ؟!
إنها جماعة الإخوان بأوامر وتخطيط ومباركة مرشدها ” حسن البنا ” نفسه !!
والأدهى أن جريدة الإخوان حينذاك نشرت خبر الاغتيال البشع كالتالى :
” موت الإمام يحيى حاكم اليمن بسكتة قلبية ” بل وقامت بتقديم العزاء فى الإمام !!2)
وكأنهم ينفذون المثل القائل : يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته !!
وبعد ذلك تبين أن قائد الإنقلاب الدموى ضد حاكم اليمن والمنفذ لخطة ” حسن البنا ” هو ” عبد الله بن الوزير 1885-1948م ” .
فمن هو هذا الشخص الذى قاد الانقلاب الدموى على حاكم اليمن تنفيذا لخطة الإخوان للاستيلاء على الحكم ؟!
هو القائد العام للجيش ومحافظ الحديدة والعضو البارز فى الديوان الحاكم ونائب الإمام يحيى فى التوقيع على المعاهدات الدولية !!
وتم اختيار اليمن لتكون مسرحا لهذا الانقلاب بعد دراسة مستفيضة لأحوال اليمن السياسية والاجتماعية والثقافية وموقعها الجغرافى وذلك بواسطة مرشد الإخوان حسن البنا شخصيا لتكون النواة الأولى لدولة الإخوان الكبرى التى سينطلقون من خلالها لحكم الدول العربية والعالم الإسلامى .
وتم إعداد الخطة ” لتنفيذ الإنقلاب ” بالمركز العام للإخوان بالقاهرة , بمساعدة الشباب اليمنى الذى تم استقطابهم وتجنيدهم كأعضاء بجماعة الإخوان أثناء دراستهم بالقاهرة فى 1937م .3)
وبعد نجاح الانقلاب واغتيال الإمام يحيى واستيلاءهم على الحكم :
قام “إخوان اليمن ” بإرسال تفويض تام وعام ل ” حسن البنا ” للتحدث باسم الإنقلاب :
فى كل شأن من الشئون المرتبطة به أمام جامعة الدول العربية وأمام جميع الجهات كزعيم مطلق التصرف !! 4)
وقاموا أيضا بتحويل مبلغ مائة ألف جنيه أسترلينى على دفعتين لجماعة الإخوان على بنك باركليز فى عدن !! 5)
المضحك المبكى أنه بعد فشل الانقلاب وبعد ثبوت ضلوع جماعة الإخوان فيه بمعرفة وتخطيط ومباركة مرشدهم العام .
اضطر حسن البنا للاعتراف بموضوع مبلغ ال 100 ألف جنيه استرلينى مبررا ذلك بأنه تم إرسال المبلغ له بالفعل لشراء أسلحة لأحرار ” يقصد إخوان ” اليمن !! 6)
وكأن حسن البنا ” تاجر سلاح وزعيم مافيا ” وليس “مرشدا دينيا” !!
وقام عبد الله ابن الوزير ” الحاكم الجديد وزعيم الانقلاب ” بإرسال دعوة لحسن البنا للحضور لليمن على وجه السرعة لإدارة أمور الانقلاب على أرض الواقع !! 7)
ولكن السلطات المصرية حينذاك قامت بمنعه من السفر عندما قرأت مخططه الخطير .
فقام حسن البنا بتكليف ثلاثة من قادة الإخوان : ” عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة ، أمين إسماعيل سكرتير تحرير جريدة الإخوان ، عبد الرحمن نصر مدير وكالة الأنباء العربية ” بالتوجه لليمن بطائرة خاصة ومعهم مكبرات صوت ومنشورات لدعم الإنقلاب .
وكانت خطة الإخوان اغتيال ولى العهد ” سيف الإسلام أحمد ” أيضا ولكنه تمكن من الهرب .
وحكم الإخوان اليمن لمدة ٢٦ يوما بالتمام والكمال بعد نجاح الانقلاب فى 17-2-1948م
لأن القبائل اليمنية لم ترض بما حدث من اغتيال الإمام يحيى الرجل المريض الطاعن فى السن بخسة ونذالة بعيدا عن المروءة العربية والإنسانية فقاموا بمساندة ولى العهد سيف الإسلام أحمد وقضوا على الانقلاب وتم محاكمة قادة الانقلاب القتلة !!
أنكون مغالين بعدما حدث باليمن السعيد فى 17-2- 1948م بواسطة جماعة الإخوان أن نعطيهم بجدارة ” براءة إختراع الانقلابات العسكرية ” فى المنطقة العربية ؟!
أيصح بعد ذلك أن يتكلم أحد الإخوان مدعيا أنه ضد الانقلابات العسكرية .. كما جاء بمؤتمرهم الأخير ؟!
إن ما حدث باليمن فى ١٩٤٨ م يعد وثيقة تاريخية كاشفة وفاضحة لمنهج الإخوان المؤامراتى الإنقلابى الدموى .
والذى يثير الأسى أن حسن البنا كان يقوم بإرسال مراسلات تفوح بالود والتقدير والتبجيل لحاكم اليمن الإمام يحيى وولى عهده !!
بل قام بتسمية ولده الوحيد باسم ” أحمد سيف الإسلام ” على اسم ولى عهد اليمن آنذاك .
وقام حاكم اليمن بإهدائه عمامة كان حسن البنا يحتفظ بها ويرتديها فى المناسبات الهامة .
كل ذلك وهو يخطط – فى دهاء منقطع النظير – مع أتباعه إخوان اليمن للانقلاب ضد الإمام يحيى واغتياله بدم بارد ؟!
وهذا ليس غريبا لمن يعرف فكر الإخوان الذى يظهر غير ما يبطن .
الهوامش :
1-أنظر” اليمن الإنسان والحضارة ” للمؤرخ اليمنى عبد الله الشماحى ط 3 سنة 1985م منشورات المدينة ببيروت لبنان ص 225 .. وكذلك ” من قتل حسن البنا ” محسن محمد الطبعة الثانية 1987م دار الشروق بالقاهرة ص 239
2-أنظر” النقط فوق الحروف ” للإخوانى أحمد عادل كمال ط2 سنة 1989م الزهراء للإعلام العربى ص 204
3-أنظر ” حركة المعارضة اليمنية من 1904 حتى 1948م ” أحمد قايد الصائدى وهى عبارة عن رسالة دكتوراه مقدمه لجامعة بون , نقلا عن ” من قتل حسن البنا ” لمحسن محمد ص 229
4- أنظر ” بيان عن موقف الإخوان المسلمين من قضية اليمن ” الصادر عن جماعة الإخوان فى إبريل 1948م والمنشور فى ” من وثائق الإخوان المسلمين المجهولة ” ج 7 جمال البنا دار الفكر الإسلامى 2011م ص 14 , ونشر التفويض بجريدة الإخوان فى 22-2-1948م
5- أنظر” النقط فوق الحروف ” للإخوانى أحمد عادل كمال ص 209
6- أنظر ” المقتطف من تاريخ اليمن ” بقلم عبد الله الجرافى طبعة القاهرة 1951م ص 259
7- برقية من وزير خارجية الانقلاب حسين الكبسى لحسن البنا جاء فيها : ” يرغب جلالة الإمام – يقصد عبد الله الوزير – فى وصولكم شخصيا ونرجو ذلك بإلحاح ” .