الإمام مالك بن أنس … والوصية المكذوبة !!
كتب : تداول رواد الفيس بوك الأيام الماضية منشورا يطعن فى أهل الريف ويدعو للهجرة منها ويتهم أهل القرى بأنهم حساد .
وللأسف تعامل البعض مع هذا المنشور وكأنه ثابت بالفعل عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله لا يقبل الشك وليس مجرد كلام منسوب لأحد الأئمة الأعلام يجب التأكد من نسبته .
ولخطورة الآثار المترتبة على هذا المنشور سنناقشه سندا ومتنا :
أولا : السند
– ما هو سند هذا الكلام طبقا لقواعد علماء الجرح والتعديل ؟!
– هذه الوصية منقولة بدون أى سند أى أنها طبقا لقواعد علماء الحديث رواية مقطوعة لقيطة وليست صحيحة .
– هذه الوصية المدعاة المفروض أنها موجهة للإمام الشافعى . فكان المنطقى – فى حال صحتها – أن ينقلها إلينا ويخبرنا بها الإمام الشافعى وتنشر فى أحد كتبه وهذا لم يحدث .. مما يكذب الرواية .
ثانيا : المتن
ما جاء فى الوصية المدعاة يسقطها ويجعلنا نتأكد أنها لا تخرج من عالم كبير مثل الإمام مالك إلى عالم كبير مثل الإمام الشافعى .
كيف ينصحه بهجر الريف بدون سند من القرآن والسنة ؟!
وكيف يقول إن الحسد ميراث عند أهل الأرياف ؟!
كيف يتهم الملايين من أهل الريف الطيبين بهذا الإتهام الخطير ؟!
وأين دليل الإمام مالك رحمه الله على مثل هذا الكلام ؟!
لا شئ !
الحسد موجود فى كل مكان فى المعمورة .. فى المدن والقرى والبادية … وليس فى القرى فقط .
ولم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالهجرة من أجل وجود حاسد .. بل أمرنا بالاستعاذة به سبحانه .
ولم يعلمنا القرآن أن نطعن فى الناس بالعموم ؟!
فهذا القرآن الكريم عندما تكلم عن اليهود – رغم أنهم كانوا فى حرب مع المسلمين الأوائل- قال ليسوا سواء منهم : ” ومن أهل الكتاب من إن تأمنه على قنطار يؤده إليك ” ٧٥ آل عمران .
فالتعميم بأن جميع أهل القرى سيئون مخالف لقواعد وأبجديات العدالة ومخالف لمنهج القرآن الكريم فى التعامل مع الناس .
فالقرى معروف عن غالبية ساكنيها الطيبة والتكاتف فى السراء والضراء والكرم .
فالقرى لها مزاياها … والمدن لها مزاياها .
– هل هذه دعوة خبيثة للوقيعة بين أهل القرى وأهل المدن ؟!
مثلما كان يتم قبل ذلك فى بدايات القرن العشرين من الإدعاء بأن أهل المدن هم سبب غضب الله علينا وأنهم فاسدين ( كذا بالتعميم ) !!
يقول مفكرنا الكبير خالد محمد خالد رحمه الله فى كتابه ” من هنا نبدأ ” وتحت عنوان ” الكهانة تتوسل بالمسجد والمنبر لتقويض المجتمع ” :
” وإنا لنستطيع أن نحمل هذه الكهانة وزر تأخر الشعب وجهله .. وذلك بما تبشر به من تعاليم فاسدة تزعم أنها من الدين .
بل نستطيع فى غير تهيب أن نتهمها بأنها تعمل على أن تنقسم الأمة على ذاتها وتصبح ذات موازين نفسية متباية متعارضة , وأقرب دليل على ما أقول تفكير القرية المصرية وإحساسها , ففى أربعة آلاف قرية تلتقى بالملايين من المواطنين الذين يعتقدون أن المدن المصرية وسكانها هى سبب كل بلاء ينزل بالبلاد وسبب كل آفة زراعية وغير زراعية , وأن سكان المدن ولا سيما القاهرة والاسكندرية قوم يستحقون طوفان نوح أو صيحة ثمود !!
وكثيرا ما تسمع هذه العبارات التقليدية : ” الله يقطع اللى فيها … ما عدا الصالحين ” يعنون القاهرة طبعا !!
كما تسمع ” لولا أهل البيت ما بقى فيها بيت ” .
حيث يقف – بعض – خطباء المساجد فى القرى يحدثون ضحاياهم عن سوء الحال وفساد النساء والرجال وعما فى المدن من سفور وفجور وكفور وضلال !!
وبهذه الطريقة يتكون فى القرية على مر الأيام إحساس عام لا يدين بالتسامح فضلا عن التفاعل مع المدينة ” .
وكأنهم يريدون أن يحدثوا فتنة بين أهل القرى والمدن , بعدما فشلوا فى إحداثها بين المسلمين والمسيحين !!
– هل هذه دعوة خبيثة للهجرة من الريف للمدن وهجر الزراعة ؟!
ماذا يحدث لو نفذ أهل القرى هذه الوصية المكذوبة ؟!
سيعم الخراب وسنصبح عالة على العالم فى الغذاء !!
– وما معنى أن الحسد ميراث عند أهل القرى ؟!
هل هذه دعوة خبيثة للوقيعة بين أهل القرى أنفسهم ؟!
تخيلوا لو تعامل أهل القرى بهذا المنطق – الكل حاسد – سيحدث مشاكل أسرية واجتماعية – لا حصر لها .
الغريب أن بعض مشاركى المنشور من أهل القرى يصدقون المنشور على الغير فقط , أما هم فليسوا حسادا !!
– وهناك مسألة هامة :
هناك بعض الأحاديث النبوية الصحيحة تذم بعض الأماكن مثل نجد :
” بلد الزلال والفتن ويخرج منها قرن الشيطان ” متفق عليه .
ورغم ذلك فإن العلماء يقولون :
” كون الرجل من بعض البلاد المذمومة , لا يستلزم أنه هو مذموم أيضا , إذا كان صالحا فى نفسه , والعكس بالعكس ”
فمناط المدح والذم هو العمل الصالح وليس مكان إقامة الشخص .
ولذلك فتعميم ذم أهل الريف والقرى – حتى لو صحت الوصية جدلا – ليس له سند من الفقه أو العقل .
أما بقية الوصية المدعاة فبها أشياء لا تصدر على عالم كبير مثل الإمام مالك رحمه الله مثل :
١- مطالبته للإمام الشافعى بأن يكون له ظهر من أصحاب الجاه لئلا تستخف به العامة :
هذا الكلام لا يصدر عن إمام ضخم كان يهرب من تولى السلطة ولا يوافق على تولى المناصب .
هذا الكلام مستحيل أن يصدر عن الإمام مالك رحمه الله فعلمه وخلقه وجهاده وسيرته يكذبون ذلك .
العالم الربانى يعرف جيدا أن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى
هذا ما يعرفه العامة فكيف ينسب هذا الكلام لإمام كبير مثل الإمام مالك رحمه الله ثم نصدق ذلك !!
تاريخ الإمامين مالك والشافعى يكذب ذلك … ما لكم كيف تحكمون ؟!
2- مطالبته للإمام الشافعى بعدم الدخول على ذى سلطان إلا وعنده من يعرفه !!
هذا الكلام غير منطقى .. الإمام مالك كان ذا هيبة ويعرفه الجميع وكذا الإمام الشافعى … فكيف يتوسلان بأحد من حاشية السلطان ؟!
لقد كان لهما – رحمهما الله – هيبة ومكانة عند الحكام , وهما أكبر من أن يتوسلا بأحد للدخول على الحكام !!
وعلى فرض أن الإمام مالك قال ذلك – وهذا غير صحيح – فهو يخالف النقل والعقل .
والإمام مالك عالم كبير وله مكانته الكبيرة ولكنه رحمه الله ليس معصوما .
وأخيرا ..
هذا منشور خبيث ومكذوب على الإمام مالك والإمام الشافعى .
هدفه أن يكره أهل الريف قراهم ويتركونها خرابا !!
هدفه الوقيعة بين أهل القرى وبعضهم البعض !!
هدفه الوقيعة بين أهل المدن وأهل القرى !!
هدفه الطعن فى علمائنا الأعلام والتقول عليهم بغير حق !!