الاستغفار (يدفع ينفع يرفع يشفع)

ينادي الله سبحانه وتعالى عباده ويحثهم على سؤاله وطلب المغفرة لذنوبهم كما جاء في الحديث القدسي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:” يَا ابْنَ آدَمَ, إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي, غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي, يَا ابْنَ آدَمَ, لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ, ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي, غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي, يَا ابْنَ آدَمَ, إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا, ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا, لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً”.(1)
قال تعالى:” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” (2)
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة” (3)

وكثيرًا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان ، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلب والجوارح ، وحكم الاستغفار كحكم الدعاء ، إن شاء الله أجابه وغفر لصاحبه وخصوصاً إذا خرج من قلب منكسر بالذنوب ، أو صادف ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات ، وأفضل الاستغفار أن يبدأ بالثناء على ربه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل ربه بعد ذلك المغفرة ، حَدَّثَنِي شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:” سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ” (4)

إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثُر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم مِن بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضَّرع، وأمدَّكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللَّها بالأنهار الجارية بينها ، وفي هذا دلالة على عظم فوائد الاستغفار وكثرة خيراته وتعدد ثمراته.
هذه ثمرات دنيوية فما بالك بثمرات الآخرة من أجر عظيم ورحمة ومغفرة وعتق من النار ،وسلامة من العذاب وأمور لا يحصيها الاّ ربّ القدرة والعزّة .
والاستغفار من موجبات الرحمة ،ومن مبعدات العذاب ،قال تعالى:” قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” (5)

(1) رواه الترمذي وقال حسن صحيح (2) الأنفال، آية 33 (3) صحيح البخاري
(4) صحيح البخاري (5) سورة النمل،آية 46

والاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، يلجؤون إليه في كل وقت وحين، في السَّرَّاء والضرَّاء، به يتضرَّعون وبه يتقربون.
وعن الحسن البصري قال: ” أكثروا من الاستغفار في بيوتكم ، وعلى موائدكم ، وفي طرقكم ، وفي أسواقكم ، وفي مجالسكم ، أينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة. (1)

أنواع الاستغفار:
إن المتأمل فى السنة النبوية المطهرة يجد أن للاستغفار صيغاً كثيرة منها:
أن يبدأ العبد بالثناء على ربه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل الله المغفرة، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي ، وأنا عبدك ، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، وأبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء لك بذنوبي ، فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت” (2)

نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه من كل ذنب يصرف عنا رحمتك أو يحل بنا نقمتك أو يحرمنا كرامتك أو يزيل عنا نعمتك ، ومن كل ذنب يورث الأسقام والضنا ويوجب النقم والبلاء ويكون يوم القيامة حسرةً وندامة .ومن كل ذنب تبنا اليك منه ونقضنا فيه العهد فيما بيننا وبينك جراءة منا عليك لمعرفتنا بعفوك .ومن كل ذنب يزيل النعم ويحل النقم ويهتك الحرام ويورث الندم ويطيل السقم ويعجل الألم ومن كل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات ويحل النقمات ويغضبك يارب السموات ومن كل ذنب يميت القلب ويجلب الكرب ويشغل الفكر ويرضي الشيطانَ وَيسخِطُ الرحمن ومن كل ذنب يعقبُ اليأسَ من رحمتك والقنوط من مغفرتك والحرمان من سعة ما عندك ومن كل ذنب يوجب سواد الوجه يوم تبيض الوجوه وتسوّد الوجوه.

نستغفر الله من كل ذنب يدعو إلى الكفر ويطيل الفكر ويورث الفقر ويجلب العسر ويصد عن الخير ويهتك الستر ويمنع اليسر ومن كل ذنب يُدنـي الآجال ويقطع الآمال ويشين الأعمال ومن كل ذنب يدنِّس منا ما طهرته ويكشف عنا ما سترته أو يقبِّح منا ما زيَّنته ومن كل ذنب لاينال به عهدك ولا يُؤمن معه من غضبك ولا تنزل معه رحمتك ولا تدوم معه نعمتك.

(1) ابن ابي الدنيا، كتاب التوبة ،حديث رقم 158 (2) صحيح سنن الترمذي،حديث رقم 3577

بواسطة
خضر موسى محمد حمود - الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق