الانسان العربي

شتان بين اليوم والأمس والفوارق كبيرة والمفارقات عظيمة . ولا مجال للمفاضلة فكل قديم محبوب ونحمل له الحنين ونقول عنه جميل. أما اليوم فبالرغم من الايجابيات الا أن الاخطار تحدق بنا من كل حدب وصوب وكعادتنا نحن الضعفاء في البنية والهزيلين في البنيان ولولا نفحة القوة في القلوب لكنا مرادف الوهن وفي حالة هزيان.

الانسان اليوم معاناته تفوق قدراته على الحلول وعلى التقدم أو حتى الرجوع. ولكن يبقى التعويل على قيمة المرء وعلى ايمانه وتقبله ومبادرته للتصحيح وعلى كافة الأصعدة… ومررت على أحداث تجري في أوطاننا العربية رأيت في لبنان أصدقاء يقتلون شابا” كان معهم ورفيقهم ويحاولون بتر أطرافه بالمنشار فقضى ولم يجدوا الجثة الا بعد أيام وفي الأردن التفنن في تعذيب امرأة واغتصابها وفي مصر قتلوها سحلا” وداست دواليب سيارتهم فوق جسدها وهي الشابة النضرة المعتدة بذاتها والراجعة عصرا” إلى بيتها بعد وظيفتها وفي كل مكان من عالمنا العربي جرائم تجعلنا في غابة مع وحوش بأشكال آدمية .

ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب هو أمر رباني فكيف نرحم القاتل ولا نرحم القتيل ونمنع عن المجرمين الأحكام القاسية وندعي بحقوق الانسان ومنظمات العدل الدولية وغيرها.. التراخي والاستهتار في التعامل مع هذه الظاهرة يجعل من مجتمعاتنا فاشية بأسلوب همجي وبطرائق جاهلية.

يا أيها المربون ويا أيها الحكماء ورجالات التربية ومشايخ الدين وكل من يدعي الحكمة والعفة والتقى سحقا” لتعاليمكم ولمكانتكم ولعظاتكم هي في الحقيقة بعثرت شبابنا بدل أن تجمعهم وجعلتهم يكفرون بالدين وبالأخلاق وبالتربية ويضربون عرض الحائط بكل ما هو مستقيم وصالح وينحون اعوجاجا” وعن تصور وتصميم .. لا تقع المسؤولية عليهم فقط علينا جميعا” أن ننشىء غرف عمليات وأن نعلن الطوارئ الاجتماعية لقد بلغ التفلت حدا” نخشى معه الاندحار والانهيار وهبوط مستوياتنا الحياتية إلى ما دون الحيوان…. حيث نجد أن الحيوانات ترأف ببعضها ولا تتصرف كما يتصرف البعض منا من المتعاطين للمخدرات إلى المرضى النفسيين والى المستهترين والمستهزيئن ومن حزب الشياطين.

أيها الدولة اللا جيدة ارهاق المعلم وجعله رجلا” آليا” يسعى إلى لقمة عيشه بصعوبة فيتغاضى عن كثير من بتلات الأدب والأخلاق ولا يزرع في عقول الناشئة الا الجفاف والجماد والصراخ والقدوة السيئة وكذلك الأم تراها ترهق تحت نير الظلم وتتغافل عن أهم ما تستطيعه لردع الأبناء عن الرذائل وعن الشواذات وعن فعل الفواحش الظاهرة والباطنة. عذرا” ولكنها حقيقة عيشنا فالانسان العربي غارق بهمومه وبصعوباته اليومية وسقط عنه اهتمامه بالأولاد والعناية بهم وتصويب مقودهم إلى ما يجب أن يكون اتجهاهم للخير ولانسانية.

حرموا الضحك وحرموا الفرح وحرموا ما تريده النفس حتى وجدنا شبابنا يبيع أغلى ما عنده لأجل عاهرة أو نزوة أو للملذات والشهوات التي نهينا عنها مع التفريق بين الحلال والحرام وها نحن اليوم فقدنا معالم التمييز بين ما هو حسن وما هو سىء وهذا الخيط الفاصل قطعناه جهلا “وتعنتا” وواستفرادا” فالشورى ضربنا بها الحائط في ثقافتنا الاجتماعية والإرشاد رميناه للقدامى منا والهداية اعتبرناها تدخلا” بحرياتنا الشخصية وخنقنا الروح في كل شيء وصرنا قاب قوسين أو أدنى من الحجارة لا نشعر ولا نحس ولا ننفعل ولا نبكي ولا نضحك كل أمورنا من وراء قلوبنا نقوم بها ويسيرنا الجهل وحب الذات والاستعلاء على أكارمنا وممارسة قلة التهذيب والحياء مع أهلنا وكل من حولنا نهزأ من العجوز ونضحك على الطفل ونتحرش بالصبايا وكل ما فينا أغنية وتمثيلية وألعاب تحصر أدمغتنا بالربح والخسارة للوقت وللتفاهة وللسذاجة.

لا تلومن امرىء ان سقط في لجج الرذائل ولكن اللوم على من جعله يصبح مشروع انسان وهمي قيمته لا تعدو قيمة ورقة صفراء لا نفع فيها ولا تأثير ولا خير ولا من يفرحون ولا من يحزنون. الشباب هم معادلة ارتقاء الأمم فكيف نرتقي وشبابنا ينهار ويجهل حتى مصيره ومكائد ما يفعل ونتائج ما يقوم به من شناعة وقباحة وحيل تصل إلى درجة الاجرام بحق الإنسانية … لم يكتفوا بالقتل تطورت ميولهم الوحشية إلى التنكيل بالجثث…

هؤلاء يلزمهم مصحات عديدة في البيوت والشوارع والمدارس والجامعات والمقاهي والمطاعم ودور السينما والمسارح يلزمنا انتفاضة تجعل كل ما يبعدنا عن العقل ممنوعا” لا بل غير موجود وكل ما ينسينا أننا خلقنا من تراب معدوم وكل ما يعظم فينا الشهوة ضعيفا” مع الحفاظ على تعادل كفتي الميزان بين المقبول والممنوع…

هدى الله شبابنا عماد أمتنا ونجانا من شرور أنفسنا ومن ذنوب اقترفها غيرنا ونحن على السواء. الانسان العربي منزه عن الخطأ هكذا هو وهكذا يجب أن يكون فحذار من قد بنيان البيان واللغة والأرض التي نحن فوقها.

بواسطة
لطيفة خالد - لبنان
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق