التشهير ظاهر مرضية غير أخلاقية…
التشهير مرض خطير وداء مستطير أصبح بعض الأشخاص يعانون من عقدة الدونية «الشخصية السيكوباثية»، والتي تجعل الفرد يحقد ويشعر بالنقص، والضغينة والغل بالقلب، فيقوم بتفريغ المشاعر التي في داخله بهدف تشويه سمعة الناس فيتعدى شره كل الحدود وينتشر شرره ليهلك الحرث والنسل و انهيار القيم المهمة في المجتمع.
كثرت المهازل التي يتداولها «حَرَابِيُّ الانترنت» عن أفراد من المجتمع، بغرض التشهير بهم وهز صورتهم أمام الآخرين!
أصبح كل من لديه حقد أو ثأر على أحد المسؤولين، أو أحد من ذوي قربي، من الجنسين، وجبه دسمة لدسائس وأكاذيب يعجنها أحدهم بماء الكذب والبهتان، ويخبزها بأفران المنتديات على الملأ، ثم يوزعها زاعماً أن صنيعه هذا من باب النصيحة والتحذير والغيرة العامة على الوطن!
هناك فرق شاسع بين النصيحة والتحذير من وجود مخالفات في قطاع ما أو أخطاء والإشارة اليها بشكل عام وبين التشهير بالناس ، فأساس التشهير يكمن في أنه عقوبة لاتصدر إلا من خلال حكم قضائي ولاينحصر أثرها في من تم التشهير به فقط بل يتعدى ذلك ليشمل في بعض الأحيان أسرته وأقاربه وأي طرف آخر له صلة به .
البعض إما لضعفه أو لعدم قدرته في السيطرة على غضبه أو رغبة في الشهرة والظهور يلجأ لاستخدام سلاح التشهير وهو سلاح قاتل قد يؤذي من يحمله .
مؤخراً أصبح البعض – ومن حيث يعلم أو لايعلم – يقوم بالتشهير بالآخرين في وسائل التواصل الاجتماعية وذلك من خلال ذكر أسماء الأشخاص وانتقادهم أو ذكر سلبياتهم أوالاستهزاء بهم والسخرية منهم وذلك بسبب خلاف في الآراء أو الأفكار وخصوصاً وأن ساحات وسائل التواصل الاجتماعية لم تعد ساحات تبادل للآراء أو تقديم الأفكار أو مناقشة لبعض المواضيع العامة بل أصبح بعضها وللأسف أشبه مايكون بساحات حرب تصفى من خلالها الحسابات ويتم من خلالها توجيه النقد اللاذع للتشفي وتحاك بواسطتها العديد من المؤامرات المختلفة لدعم أو معارضة بعض المسؤولين أو القضايا الهامة.
هذا السباق المحموم لتشهير بالناس والنيل من سمعتهم بكل وقاحة مثير للاشمئزاز والشفقة، ليس لأنه يكشف عيوب وأعراض الناس، بل لأنه يكشف أيضاً مدى الثقافة الضحلة والعاهة المستديمة لأولئك المشهرين، ولأنه أيضاً ينحرف كلياً بالغاية الحضارية للسوشيال ميديا الداعية لحرية الرأي والتعبير بشتى مناحي الحياة؛ الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
المشهر يكتفي بالحديث لتشويه شخصية الآخرين دون غرض أو هدف، أو قد يكون مشغلا من قبل الغير، لأنه يعاني عدم اكتمال الشخصية، فهو يمارس إسقاط ما بداخله على الآخر بطريقة لا شعورية. أيضا يعاني المشهر عدم القدرة على اتخاذ القرار، وخواء فكريا وضعفا معرفيا شاسعا، ويستغل انفعالات الناس وعواطفهم لتجييشهم ضد شخص أو مؤسسة.
أن المتاجرة بأعراض الناس سواء في الواقع أو على مواقع التواصل، لا تقل جرما عن تجارة المخدرات.
فالله عز وجل جعل ذات المسلم كذات أخيه، فأي إساءة تصدر عن البعض إلى الآخرين تكون مردودة على من أساء لها حيث يقول تعالي : {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].
وقد حرم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التشهير بالناس من وجهين: … قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟. قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته”
إلى متى هذا الجهل والتخلف الذي يعيشه بعض الأفراد في المجتمع؟ من اللازم على الإنسان أن يرتقي بأخلاقه وفكره وأيضًا ينمي شخصيته، ويتطور مع تقدم الزمان والتكنولوجيا والإنترنت، ولكن المعضلة الكبرى أن البعض يحب الجهل والتخلف.
هناك ضرورة لإيجاد واستحداث مواد تربوية في المدارس مثلا«التربية الاجتماعية» حيث يتم عن طريقها إيصال الرسائل الهادفة للتلاميذ، لاسيما في ظل القصور الواضح في أدوار الأسرة التربوية والاجتماعية داخل المجتمع الذي قد يكون له دور في انتشار مثل هذه الظواهر السلبية في مجتمعنا الموريتاني.
التعاطف مع المشهر سببه أن الجمهور يعاني ضغطا وصعوبات عدم إشباع الكثير من الحاجيات، التي تؤمن العيش وليس الحياة، بصفتها إبداعا وابتكارا وخلقا ومعرفة وحضارة. عندما لا نؤمن للناس احتياجات العيش، ونقلهم من خانة الفرد البيولوجي إلى خانة الشخص السوسيوثقافي، هنا يكون الجمهور متعاطفا مع من يأتيه بوشاية أو يشهر بشخص، فيتفاعل معه لأنه يعيش فراغا.
وينضاف إلى ذلك، غياب التأطير الإعلامي، لأن الإعلام صار يأتي بالخزعبلات ولا يهتم بتثقيف الإنسان وتربيته ونشأته. والأمر نفسه بالنسبة للمدارس والجمعيات والأحزاب السياسية إذ صارت لا تقوم بواجباتها، بل منها ما يوظف المشهر لمحاربة الخصوم. لهذا نقول إن الحزب أو الجمعية والنقابة لم تصل إلى ما نص عليه الدستور، أي تأطير المواطنين وتمثيلهم، لأنها ليست لها مشاريع مجتمعية، والفراغ التي تعانيه الأحزاب والجمعيات والإعلام والإدارات يفتح المجال لهذه الطفيليات لكي تعيش وتتغول وتصبح مساهمة في توجيه الناس.