الحلاج…

البعض يرى أن ” الحلاج” شهيد التصوف والعشق الإلهى؛ بينما البعض الآخر يرونه كافر مستحقًا للنهاية المأساوية التى حدثت له..

تظل قصته مثار جدل واسع وخلاف، ما بين تعاطف واستهجان تتناول سيرته العديد من التيارات.
استوحى من قصته العديد من الشعراء والأدباء والمستشرقين أعمالهم مثل: مسرحية مأساة الحلاج للشاعر “صلاح عبد الصبور” وكتاب آلام الحلاج لمستشرق فرنسى..

هو “الحسين بن منصور الحلاج” شاعر ومتصوف، ولد بواسط بالعراق ونشأ بها إلا أن بعض الأقاويل أشارت أنه فارسى الأصل ولكنها ضعيفة، كما أن بعض الأقاويل قالت بأنه كان ينتمى لأسرة كانت تعتتق الديانة الزرادشتية ولكنها ضعيفة أيضًا، يرجع سبب تسميته بالحلاج إلى مهنة والده وهى حلج القطن، حفظ القرآن الكريم وهو صغير وتعلق بالصوفية وتتلمذ على يد “الجنيد” ولبس الخرقة مثل الصوفية، لم يلبث أن بدأ ينشب الخلاف بينه وبين أعلام الصوفية فى عصره؛ فقد كانوا يبيتون أمرهم على كتم مشاعرهم ووجدهم وأفكارهم وأسرارهم وكانوا يؤثرون العزلة عن الناس، أما هو فقد تملكته نشوة التعبير فجهر بأفكاره وإحساساته فى الأسواق ولعامة الناس وافتتن به الكثير من الناس إلى درجة أن البعض منهم رفعه عن أن يكون إنسانًا عاديًا. فقد اتجه إلى الهند وتعلم فيها السحر وأمور كثيرة من الحيل وبعد ذلك اتجه إلى مكة واعتكف بها وأظهر تجلد وتقشف وزهد إلى درجة أنه كان يأكل قدر قليل للغاية .

تميز عن الصوفية بأنه كان لا يجامل ولا يخشى فى الحق لومة لائم وكان لا يفضل العزلة .

تنبأ له “الجنيد” بالصلب فقال له ذات مرة (متى ستفسد الخشبة) والخشبة تعنى تلك التى يتم الصلب عليها ..
فى جُنح الليل خرج ” الحلاج” يصيح بين الناس قائلاً ( أيها الناس اقتلونى تؤجروا وأكتب عند الله شهيدًا)

كان الحلاج فى تجواله ولقائه الناس ينتقد الأوضاع السائدة فى عصره فأوغر ذلك عليه الصدور فدُبرت له المكيدة وحوكم بتهمة الزندقة وقُتل شر قتلة، ومن أقواله التى أخذها عليه البعض كدليل على كفره وزندقته( أنا الحق) ،( الله في السماء وأنا على الأرض) ، ( يمكننى أن أتكلم بمثل هذا القرآن)و غيرها من العبارات التى تحمل معنى الكفر ولكن أحد علماء الدين فسر ذلك بأن المتصوف فى مرحلة معينة يحدث له الطمث أى يكون العبد معذور فيما يجرى على لسانه وجوارحه من مخالفة للشريعة، وقد قال عنه عبد القادر الجيلانى عثُر الحلاج ولم يكن فى زمانه من يأخذ بيده ولو أدركته لأخذت بيده ، وقال عنه الإمام أبو الحسن الشاذلى أكره من يكفر الحلاج، وقال عنه الطبرى سمعت أبا يعقوب الأقطع يقول زوجت ابنتى من الحسين بن منصور الحلاج لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده. فلقد كانت مقولاته الغير مفهومة للناس سببًا فى نهايته المآساوية إلا أن البعض يُرجع السبب فى هذاالحكم عليه إلى السياسة وموقفه إزاء الدولة العباسية .

وعلى النقيض من تلك المقولات التى تحمل معنى الكفر نجد أشعار فى حب الذات الإلهية وصلت إلينا عن الحلاج رائعة وبديعة منها:-

قصيدة: والله ما طلعت شمس ولا غربت وهى الأشهر له.
والله ما طلعتٌْ شمس ولا غربتْ إلَّا وحبُّك مقرونٌ بأنفاسِي ولا جلستُ إلى قوم أحدِّثُهم إلَّا وأنتَ حديثي بينَ جلَّاسي ولا ذكرتكَ محزونًا ولا فرحًا إلَّا وأنت بقلبي بينَ وسواسي ولا هممتُ بشربِ الماءِ من عطشٍ إلا رأيتُ خيالًا منكِ في الكاسِ
ولو قدرت علي الإتيان جئتكم.

سعيًا على الوجهِ أو مشيًا على الراسِ ويا فتى الحيِّ إن غنيَّت لي طربًا فغنِّني واسفًا من قلبك القاسي ما لي وللناس كم يلحونَني سفهًا ديني لنفسي ودينُ الناسِ للناسِ

بالنهاية مكث الحلاج بضع سنوات داخل السجن وكانت نهايته شنيعة فلقد قُطعت يديه ورجليه ولم يصدر عنه تضجر ولا توسل أو إستغاثة وقد قيل أنه واجه كل هذا برضا وصمود، وقبيل موته قال مخاطبًا الله :

نحن بشواهدك نلوذ وبسنا عزتك نضئ.
لتبدى لنا ما شئت من شأنك وأنت الذى فى السماء عرشك .
وأنت الذى فى السماء إله وفى الأرض إله.

تجلى كما تشاء مثل تجليك فى صورتك على أحسن صورة.
والصورة هى الروح الذى أفردته بالبيان والقدرة.
وهؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلى تعصبًا لدينك وتقربًا إليك فاغفر لهم.

فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي ما فعلوا بى ما فعلوا.
وإنك لو سترت عنى ما سترت عنهم ما لقيت ما لقيت .
فلك التقدير فى ما تفعل ولك التقدير فى ما تريد.
ثم قطعوا رأسه وحرقوا جثته ونثروا رمادها فى نهر الفرات.

بواسطة
صفاء عبد الصبور - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق