الرَّحمة…
قال تعالى:”وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا “. الاسراء 24
وقال :” مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ “. البقرة 105
وقال:” فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ “. الجاثية 30
وقال:” وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ “. الاعراف 156
وقال:” إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ “. المؤمنون 109
الرَّحْمة: الرِّقَّةُ والتَّعَطُّفُ، والمرْحَمَةُ مثله، وقد رَحِمْتُهُ وتَرَحَّمْتُ عليه. وتَراحَمَ القومُ: رَحِمَ بعضهم بعضاً.
والرَّحْمَةُ: المغفرة؛ وقوله تعالى في وصف القرآن: “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”. يوسف 111
أَي فَصَّلْناه هادياً وذا رَحْمَةٍ.
وقوله تعالى:” وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “. التوبة 61 ؛ أَي هو رَحْمةٌ ؛ لأَنه كان سبب إِيمانهم، رَحِمَهُ رُحْماً ورُحُماً ورَحْمةً ورَحَمَةً؛ حكى الأَخيرة سيبويه، ومَرحَمَةً.
وقال الله عز وجل:” ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ “. البلد 17؛ أَي أَوصى بعضُهم بعضاً بِرَحْمَة الضعيف والتَّعَطُّف عليه. وتَرَحَّمْتُ عليه أَي قلت رَحْمَةُ الله عليه. وقوله تعالى: ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ “. الأعراف 56 ؛ فإِنما ذَكَّرَ على النَّسَبِ وكأَنه اكتفى بذكر الرَّحْمَةِ عن الهاء، وقيل: إِنما ذلك لأَنه تأْنيث غير حقيقي، والاسم الرُّحْمى .
تُعدّ الرّحمة خُلقًا رفيعًا يتّصف به أصحاب القلوب اللطيفة التي ترقّ لآلام الخَلق، وتتجاوز عن أخطائهم، وتُحسن إليهم، وتعني الرّأفة ولين الجانب والعطف، وقد قيل إنّ الرحمة رقّةٌ في النفس، تبعث على سَوْق الخير لمن تتعدّى إليه، وهي عكس القسوة والغِلظة، كما أنّ من أسماء الله الحسنى الرّحمن الرّحيم، وبهما نفتتح كلَّ سورةٍ نتلوها في القرآن الكريم بقولنا: بسم الله الرحمن الرحيم، وفي ذلك دلالةٌ واضحةٌ على تعامل الإسلام بالرّحمة، وتقديمه على غيره من الصّفات في الأولويّة. حثّ الدّين الإسلاميُّ على الرّحمة العامّة وأوصى بها، وأمر أتباعه بالتخلّق بهذه الصّفة، فقد جاءت رسالة الإسلام السّمحة نموذجًا مُتميزًا للرحمة، وما كانت بعثة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم – في قومه إلا رحمةً لهم وللعالَمين أجمعين، قال تعالى: (وَمَا أَرسلناكَ إلّا رحمةً للعالَمين) الأنبياء:١٠٧ ، فكان أرحم النّاس بالنّاس، وأوسعهم صدرًا وعاطفةً، من طبعِه السّهولة، واللين، والرّفق، والرأفة بكل من حوله من المسلمين وغيرهم.
مظاهر الرحمة في الإسلام.
رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان وخَلقه: وتتجلّى صور هذه الرحمة:
1- هداية الانسان عن طريق إرسال الكتب والرسالات والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، و تدبير أمورهم وشؤون حياتهم، وسَوْق الخير له أينما كان.
2- الرّحمة بالوالدَين: فالأم والأب أحقّ الناس برحمة أبنائهم، وبِرّهم بهم، وعاطفتهم ولين جانبهم لهم؛ لأنّهم أصحاب الفضل في وجوده بعد الله عزّ وجلّ، قال تعالى: (وَاخْفِض لهما جناحَ الذُّلِّ من الرَّحمةِ و قُل رَّب ارحمهُما كما ربَّياني صغيرًا) الإسراء:٢٤.
3- الرّحمة بذوي القُربى: من خلال صلة الرّحم؛ فالرّحم مُشتقّةٌ في مبناها من الرّحمة، وعلى المسلم أن يُعين أقرباءَه على نوائب الدّهر، ويؤدّي حقوقهم، ويقوّي أواصر المحبة والمودة بينهم.
4- الرحمة باليتامى: بكفالة معيشتهم، وإعانتهم، والرّأفة بحالهم، والعطف عليهم، وتقديم كلّ صور المُساعدة والإحسان والبرّ لهم، وهذا سبيلٌ لجعل القلب ليّنًا رحيمًا ودودًا.
5- الرحمة بالمرضى: فهم أصحاب عجزٍ ألَمَّ بهم، ابتلاهم الله سبحانه وتعالى به، فلا تجوز القسوة في حقهم، أو التّخلي عن خدمتهم، وترك رعاية أحوالهم، بل هم في هذه الحال أحوجُ ما يكونون لمن يرأف بحالهم، ويعطف عليهم، ويرحمهم.
6- الرحمة بالضعفاء: بالإحسان إليهم، وكذلك مُعاملة الخَدَم بالرّفق واللين، والتّجاوز عن هفواتهم، فلا يَجوز استضعافهم وتكليفهم بأعمالٍ فوق قُدرتِهم لا يُطيقون القيام بها، بل التّعامل معهم بأقصى درجات الرّحمة والبر.
7- الرحمة بالحيوان: تشمل الرحمة الحيوانات أيضاً؛ فهم من مخلوقات الله، ولا يجوز استضعافهم أو تعذيبهم، وقد رُوي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلتِ امرأةٌ النارَ في هرَّة رَبطتها؛ فلم تُطعمها، ولم تَدَعْها تأكل من خَشاش الأرض)[صحيح البخاري.
شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة في قلبه فقال له- صلى الله عليه وسلم -:” إذا أردت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم أطعم المسكين.” هذا أحد الحلول لإذابة جليد القسوة المتجمدة على القلب فما أحوج اليتيم إلى من يشفق عليه ويرحمه، وما أحوج من قسى قلبه إلى الشعور باليتيم وبحاجته إلى المحبة والعطف التي فقدها، كما أن إطعام المسكين والإحسان إليه دليل على رقة القلب وشفا فيته، وهو حلٌ لمن يشكو قسوة قلبه.
والله عز وجل أرحم الراحمين ورحمته سبحانه وتعالى سبقت غضبه وهي قريبه من عباده المؤمنين ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم -سَبي ، فإذا امرأة من السبي قد تَحلـُبُ ثديها تسقي، إِذ وجدت صبيًا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- : أترون هذه طارحة ولدها في النار. قلنا : لا ! وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال : لله أرحم بعباده من هذه بولدها. متفق عليه.
فرحمته واسعة، ولكن يجب أن نجتهد في طاعته سبحانه وتعالى والخوف منه ولا نستمر في الذنوب والأثام متكلين على سعة رحمته من غير عمل فتجد الإنسان منغمس في الشهوات والمعاصي ، وإذا كلمته قال لك : يا أخي الله غفور رحيم ؛ أو : يا أخي الله رحمته واسعة؛ وغيرها من العبارات؛ فنقول : نعم الله غفور رحيم ولا ننسى أنه شديد العقاب ولا ننسى قوله تعالى” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ” الاعراف156
لمن ستكتب هذه الرحمة للعصاة المتخاذلين ؟! ! لمن ستكتب . فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ.
لفظ (الرحمة) في القرآن
لفظ (الرحمة) مفهوم إسلامي أصيل، ورد ذكره في القرآن الكريم في نحو ثمانية وستين ومائتي (268) موضع، وقد ورد في أكثر مواضعه بصيغة الاسم، نحو قوله سبحانه:” فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”. البقرة 37
وورد في أربعة عشر موضعاً بصيغة الفعل، نحو قوله سبحانه:” قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ “. الاعراف 149
ولفظ (رحم) يدل على الرقة والعطف والرأفة. يقال: رحمه يرحمه، إذا رقَّ له، وتعطف عليه. والرُّحم والمرحمة والرحمة بمعنى واحد. والرَّحِم: علاقة القرابة. وسميت رحم الأنثى رحماً من هذا؛ لأن منها ما يكون ما يرحم ويرق له من ولد.
ولفظ (الرحمة) في القرآن ورد على عدة معان:
الرحمة التي هي (صفة) الله جلا وعلا، تثبت له على ما يليق بجلاله وعظمته، من ذلك قوله عز وجل: ” ورحمتي وسعت كل شيء ” الأعراف:156، وقوله سبحانه: ” وربك الغني ذو الرحمة” الأنعام133. و(الرحمة) كـ (صفة) لله سبحانه هي الأكثر وروداً في القرآن الكريم.
-الرحمة بمعنى (الجنة)، من ذلك قوله تعالى: “أولئك يرجون رحمة الله”.البقرة:218؛أي: يطمعون أن يرحمهم الله، فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم.
– الرحمة بمعنى (النبوة)، من ذلك قوله سبحانه: “والله يختص برحمته من يشاء” البقرة105، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يختص برحمته: أي: بنبوته، خصَّ بها محمداً صلى الله عليه وسلم. وهذا على المشهور في تفسير (الرحمة) في هذه الآية. ومن هذا القبيل قوله تعالى:” وآتاني رحمة من عنده” هود:28؛ أي: نبوة ورسالة.
– الرحمة بمعنى (القرآن)، من ذلك قوله تعالى: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” يونس58. فـ (الرحمة) في هذه الآية القرآن. وهذا مروي عن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة.
– الرحمة بمعنى (المطر)، من ذلك قوله تعالى: “وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته” الأعراف:57، قال الطبري: و(الرحمة) التي ذكرها جل ثناؤها في هذا الموضع: المطر. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: “فانظر إلى آثار رحمة الله”. الروم:50
– الرحمة بمعنى (النعمة والرزق)، من ذلك قوله سبحانه: “أو أرادني برحمة” الزمر38 ، قال الشوكاني: الرحمة: النعمة والرزق. ومن هذا القبيل قوله عز من قائل: ” قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي”. الإسراء:100، قال البيضاوي: أي: خزائن رزقه، وسائر نعمه. ومنه قوله عز وجل: :” ما يفتح الله للناس من رحمة”.فاطر:2
– الرحمة بمعنى (النصر)، من ذلك قوله تعالى: “قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا “الأحزاب17، قال القرطبي:؛ أي: خيراً ونصراً وعافية.
– الرحمة بمعنى (المغفرة والعفو)، من ذلك قوله تعالى: ” وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ “. الأنعام:54 ؛ أي: أنه سبحانه يقبل من عباده الإنابة والتوبة. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) (الزمر؛ أي: لا تيأسوا من مغفرته وعفوه.
– الرحمة بمعنى (العطف والمودة)، من ذلك قوله سبحانه: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ” الفتح (29)
قال البغوي: متعاطفون متوادون بعضهم لبعض، كالولد مع الوالد. ونحو هذا قوله عز وجل: ” وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ” . الحديد:27 ؛أي: مودة فكان يواد بعضهم بعضاً.
– الرحمة بمعنى (العصمة)، من ذلك قوله تعالى: “وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ “. يوسف:53، قال ابن كثير: أي: إلا من عصمه الله تعالى.
– الرحمة بمعنى (الثواب)، من ذلك قوله سبحانه: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ “. الأعراف:56، قال سعيد بن جبير: الرحمة ها هنا الثواب.
– الرحمة بمعنى (إجابة الدعاء)، من ذلك قوله سبحانه: ” ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا”. (4) مريم. قال الشوكاني: يعني إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد.
وعلى الجملة، فإن لفظ (الرحمة) من الألفاظ العامة والشاملة، التي يدخل في معناها كل خير ونفع يعود إلى الإنسان في دنياه وآخرته؛ ومن هنا فلا غرابة أن نجد في كتب التفسير من يفسر لفظ (الرحمة) في موضع بمعنى من معانيه، ويفسره آخر بمعنى آخر، ويحكم ذلك كله في النهاية سياق الكلام وعِلْم المفسِّر.