الزعيم علال الفاسى .. والنقد الذاتى (2-5)

وفى كتابه ” النقد الذاتى ” والذى كتبه فى 1949م :
والذى يعتبر أهم كتبه على الإطلاق ؛ حيث تضمن معظم آرائه ومخططاته الاصلاحية . ” 1)
يصفه الأستاذ عبد الكريم غلاب : ” إن كتاب النقد الذاتى يعتبر أكبر عمل قام به فرد أو جماعة فى البلاد التى تفكر فى المشاكل الأساسية الحية … إنه أعظم كتاب فى العربية منذ مئات السنين ” 2)
ويقول الأستاذ محمد السلوى أبو عزام : ” لقد كان بحثه فى هذا الكتاب لمختلف القضايا المصيرية سواء منها التى لها مساس بالسياسة العامة أو ارتباط بالسلوك العائلى والرباط الجماعى , بحثا مبنيا على الدراسة العميقة والنظرة الشمولية فى التفكير الأصيل السليم , فجاء بحق مثالا للفكر المغربى الخلاق المبدع , المتحرر من الجمود والتقليد , البعيد عن الاجترار وإعادة الأفكار ” 3)
وسنقوم باستعراض أهم ما جاء بهذا الكتاب المحورى فى والذى يشغل ” الدستور ” الفكرى للزعيم علال الفاسى .
أولا ) مسائل الفكر :
1-الأنانية
يرى أن طغيان ” الأنا ” هو الذى يجعل منا أفرادا لا يشعرون إلا بمنافعهم الشخصية غير مبالين بما يصيب غيرهم فى سبيل تحقيق أغراضهم الذاتية , كل ما يقودهم فى الحياة هو ” أنا ” وفقط وفى سبيل ذلك يبتزون أموال الغير والاستعباد لأشخاص الغير ويستعلون على كل الطبقات الإنسانية محتقرين للبشر .
طغيان ” الأنا ” هذا هو مصدر كل النقائص الاجتماعية التى نحس بها فى وسطنا ونلمسها فى بلاد أخرى غير بلادنا .
هو الذى يحمل الحاكم لظلم رعيته والاستبداد , ويمنع العالم من تأدية واجب النصيحة والإرشاد حرصا على جاه كاذب يستهويه أو منصب زائف يغويه , وهو الذى يمنع الغنى من التفكير فيما يصلح أحوال إخوانه البائسين , ويحمل المحامى والطبيب والمهندس على خيانة الأمانة حتى يتمكنوا من تحقيق رغبتهم فى الغنى
وهذا الطغيان الأنانى هو مصدر كل هذه الحروب الاستعمارية وآثارها فى الأراضى المنكوبة بالاستعمار الأجنبى .
2-التفكير اجتماعيا
ويقصد به ” التفكير بالغير والعناية بأحواله والعمل على إصلاحها خلافا للأنانية البغيضة التى تعنى حب الإنسان لنفسه وعدم الاهتمام بشؤون غيره .
وينتقد المهتمين بملذاتهم معرضين كل الإعراض عن التفكير بآلاف الجائعين والجائعات الذين لا يستطيعون أن يسدوا رمقهم حتى بمثل عشر العشر مما يستطيعون .
متى يأتى اليوم الذى نأخذ فيه أنفسنا على التفكير بغيرنا ؟ ومتى نصبح قادرين على الإحساس بالألم الذى يحز فى كبد من سوانا ؟ متى نمسك عن احتقار عرق العامل الذى يكدح لنستريح والفلاح الذى يجوع لنطعم والصانع الذى يستيقظ لننام ؟ متى ندرك جيدا أن الله الذى خلق الإنسان يوم ولادته عاريا وخلق الدنيا يوم بروزها كاسية , ومازال يخرجنا من بطون أمهاتنا متساوين فى العرى لكى نتساوى فى الاستفادة من كساء الأرض .
ثم يقول : ” لنثر على أنفسنا وعلى أوضاعنا ولنلب نداء القلب التى لم تحط به الأوزار والعقل الذى لم تعمه الأطماع ولتكن منا الكتلة التى تحرر المجتمع من رق الفقر وبؤس المرض وكابوس التعطل حتى نصنع للمغرب المستقل شعبا متآخيا فى النفس متساويا فى الحال متضامنا فى الاستقلال ” .
3- التفكير شموليا
ويقصد به ” التفكير الذى يعانق كل الموضوعات التى تتوقف عليها نهضة الأمة والذى يستحضر فى الوقت نفسه كل الأجزاء التى تتكون منها البلاد والعناصر التى تتركب منها الأمة نفسها ”
ويدعو لنظرة شاملة على كل ما تتوقف عليه البلاد من ثقافة وتهذيب وعمران .. والوسائل التى يجب أن تتخذ من أجل تحقيقها , لأن الجسم الممزق لا يمكن أن يحتفظ بحياته سليما , هكذا يجب أن ننظر للحقيقة ونحس بها ؛ وإهمال قطعة من الوطن يودى ببقية الأجزاء مثل الجسد تماما .
وألا يكون اهتمامنا يخص طبقة دون طبقة .
4-إحاطة التفكير
يدعو لأن يحيط تفكيرنا بكل العناصر الروحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقومية , لأن نهضة الأمة يجب أن تكون مشتملة على كل مقوماتها , وإهمال أبسط تلك المقومات ؛ يكون فى النهضة نقصا يظهر أثره فى كل مظاهرها .
ويلزمنا إن عاجلا وإن آجلا بإعادة النظر فى شأن نهضتنا .
ويضرب مثالا بأنه فى بعض الدول العربية :
نجد النظام الديمقراطى قائما بصفة رسمية ولكن نظام العشائر المسلحة مستمر والطاعة العمياء لرؤسائها موجود ونظام الإقطاع قائم بل إن رؤساء العشائر يهددون البرلمان إذا وقف حجر عثرة فى سبيل إرضاء شهواتهم
وانتقد الثورة الفرنسية التى لم تهتم بالجانب الاجتماعى لأن القائمين بها لم يهتموا إلا بالقضاء على الأرستقراطية الحاكمة وسلطة رجال الدين , وإحلال أنفسهم محلها .
وأن بعض الطوائف اليهودية نهضت اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا ولكنها أهملت التجديد فى فهم الديانة اليهودية والتطور فى إدارك أسرارها ؛ مما أدى بالصهاينة لاعتبار أنفسهم شعب الله المختار والإيمان بحتمية إعادة ملك سليمان وتحطيم كل ما ليس يهودى .
ويؤكد حاجتنا لقادة اجتماعيين واقتصاديين وروحيين إلى جانب القادة السياسيين .
ويدعو لأن يستحضر المفكر كل أجزاء الموضوع الذى يتناوله بالنظر , لأنه إذا لم يحط بكل جوانبه فإنه لا يتسنى له أن يعرضه للناس إلا مبتورا مشوها ؛ أو لا يعرض إلا جهة منه لا يدرى هو موقعها من بقية الجهات الأخرى .
وأن يجب على المفكرين عدم النظر للقضايا كنظرة رجل الشارع الذى لا يلقى إلا نظرة عاجلة يختطفها من محيطه الخاص .
5-إرتجال الفكر
يؤكد أن أخطر الأدواء التى يشتكى منها العرب اليوم والتى كان لها نصيب كبير فى فشل كثير من شئونهم , أنهم لا يعدون للأمر عدته ولا يحتاطون له قبل حينه ولكنهم يظلون فى تغافل وفى تردد ثم يرتجلون الأفكار على ضوء الحاضر السريع وترتجلون بعدها العمل على حسب ما تقتضيه الظروف .
ويضرب مثلا بذلك قضية فلسطين : الصهيونيون يخططون وتنفذون البرامج .. فى حين أن العرب يخطبون فقط وفى لحظة التقسيم اندفعوا يرتجلون ما فى استطاعتهم من عمل !!
وأن هذا الداء ” الفكر المرتجل …… العمل المرتجل ” أودى بكثير من مشاريعنا .
تلك هى مصيبتنا الاجتماعية الكبرى : ضعف فى الشعور ونقص فى الوعى القومى يدفعان بنا للتكاسل عن النظر فى شؤوننا والتدبر فى مصالحنا حتى إذا هاجت نفوسنا أمام الأمر الواقع اندفعنا اندفاع المشدوه ولم نأت من إرتجالنا إلا بما يأتيه الحائر الولهان
يجب علينا تقليب القضية الواحدة على جميع وجوها وتدبرها فى كل نواحيها وعرض الأمر وضده وإعداد لكل منهما عدته ؟
ثم يقول : ” لنعمل على تغيير عاداتنا ولنأخذ أنفسنا تدريجيا بالتفكير فى الحوادث قبل حدوثها , وفى المشاكل قبل عروضها , ولنتخل عن عادة الارتجال التى تهددنا بالعقم والتبلد , لأن الراحة الحقيقية واللذة الكاملة ليستا إلا فى النشاط المتواصل والسعى المتوالى والعمل المنظم الذى يخضع لتفكير سابق وتدبير محكم وتنسيق مقدور وقضاء موقوت … ثم يدعو للثورة على عادة الإرتجال الذميمة ” .
6-التفكير بالواجب
يدعو لأن يكون ” الواجب ” هو شغل الفكر الشاغل , الذى يملك على صاحبه كل المنافذ , ويرى أنه عندما تهتم الشعوب بالواجبات الوطنية اهتمامهم بالطعام والشراب .. عندئذ يمكنهم أن يهبوا للدفاع عن الحق وأداء ما عليهم نحوه .
ويرى أن من أهم عيوب العقل العربى : فقدان التفكير بالواجب واعتبار الواجب المقدس ” شئ ثانوى ” , عدم الاعتداد بقيمة الوقت فى أعمالهم , الاعتذار بشغل الوقت وضياع الذهن إلا لو كان العمل ظاهرا للناس , إيثار الراحة على الواجب .
ثم يقول : ” إن التفكير بالواجب هو المنهج الوحيد لتكوين الشخصية المستقلة التى تعيش للمجموع وتحيى لخدمة الأمة ” .
7- أرستقراطية الفكر
يؤكد أن الفكر الصحيح الذى تحتاجه الأمة ويمكنه أنه ينقذها من مصائبها ليس هو تفكير الشارع الذى يبنى على أصول عادية نتلقاها كل يوم من مختلف الأوساط والهيئات التى لا ندريها ولكنه فكر الطبقة المتنورة التى تستطيع أن تقلب الأشياء على وجوهها وتنفذ إلى أعماقها .
وينعى سيطرة منطق الشارع علينا فى كل اتجاهاتنا .
ويؤكد أن الفكر الرفيع هو الذى يستطيع التحرر من القيود التى تحيط به من جميع جهاته , ويسمو فى آفاق النظر العالى ليشرف على كل الأشياء من المحل الأرفع كما يعبر ابن سينا , ثم ينفذ ببصيرته الخارقة إلى بواطن الأشياء فيستجليها ثم يقارنها بالظواهر ويستغرق فى نظرته الشاملة مجموع ذلك كله ؛ ليستغرق الفكرة التى يبديها للناس غضة يانعة غير مهتم بالذين لا يلقون لها بالا أو بالذين يعتبرونها خارقة للمألوف أو خارجة عن حدود المعقول .
وأن المفكرين هم رسل الفكر للناس ؛ يمهدون لهم سبيل النظر ويبعثون فى نفوسهم روح الطموح ويستسهلون فى سبيل ذلك كله الصعب والذلول وهم الجديرون بالفكر وإن أدعى الناس مشاركتهم فيه ؛ لأن لكل أحد الحق فى أن ينظر ويفكر ويبدى ما شاء من الآراء والنظريات ؛ ولكن النتيجة فى النهاية دائما هى فوز هؤلاء الممتازين الذين يحكم لهم الفكر نفسه باستحقاقهم وحدهم له .
ثم يوضح أن هؤلاء المفكرين لا يصلون لهذا الفوز إلا بعد عناء شديد ودهر مديد يقضونه فى قلة فهم الجمهور لهم وعدم اعتنائه بشؤونهم ومقاومة من يخيم عليهم جو الشارع .
وأن أخطر ما يواجه هؤلاء المفكرين : هو منطق الشارع الذى يتغلغل فى الدين يمتزجه بالخرافة ويملؤه بالطفيليات .. فيصبح الفكر الرفيع كفرا وإلحادا وإن يكن إلا صميم الدين , ويتغلغل أيضا فى الاقتصاد والإصلاح والتجديد والأدب والفن ؛ لأن طفيليات الحياة تدخل فى كل الحدائق التى يغرسها الإنسان وليس إلا البستانيون المهرة الذين يستطيعون التوقى منها وحماية غروسهم من آفاتها وأن منطق الشارع مهما تغلب قليلا فإن الفكر الرفيع فى النهاية هو الذى يفوز.
ثم يوضح كيفية تكوين النخبة المفكرة كالتالى : ” التحرر تدريجيا من منطق الشارع , الترفع قليلا عن التأثر بواقعية الحياة , خرق السدود التى بنتها أمام عقولنا أجيال غطى عليها الظلام أمدا طويلا , توجيه الشباب المثقف لنربى فى نفسه عادة النظر والبحث وقاعدة الدراسة العميقة والتفكير السليم ” .
ثم يقول : ” يجب أن يتكون بيننا التفكير الرفيع الذى ليس بالمرتجل ولا العامى ” .
8-تعميم الفكر
يستشهد بقول فولتير : ” إذا أردت إنهاض شعب فعلمه كيف يفكر ”
ويرى أن تعميم الفكر بين سائر الطبقات يؤدى إلى ” بروز النوابغ الأفذاذ الذين يعبرون عن رغبات الشعب وتوجيهه الوجهة الصحيحة , ويرجع إليه مقدرة الأمة على اختيار حكامها وممثليها وجرأتها على توجيههم بدورها الوجهة الصحيحة التى تنشدها ” .
وأن الجحيم النازى كان بسبب محاربة هذا المبدأ حيث يقول هتلر :” يجب أن تنسى الشعوب عادة التفكير ويتركوا للزعماء ورجال الحكم أن يفكروا لهم وإن خير وسيلة لذلك هى فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات ” مما أدى نحو مصير بائس ونهاية مؤلمة .
وأن أول ما يجب عمله لصالح أمتنا هو الأخذ بيد أفرادها حتى يتعلموا التفكير .
لأن الأمة التى تعتاد التفكير هى التى تستطيع أن تفرق بين الدعوات الصالحة وغيرها .. وهى التى تستحق أن تفرض على حكامها وقادتها الاستقامة فى القول والعدل فى الحكم والإخلاص فى الرأى والإتقان فى العمل والتنفيذ , ومن وسطها يتخرج الأفذاذ من النبغاء الذين يصبحون فى واقع الأمر المظهر الصادق لقومهم والترجمة الصحيحة لرأيهم .
ثم يقول : ” إن تعميم التفكير فى الأمة هو سبيل نهوضها وتحريرها ” .
9- حرية التفكير
وتعنى حرية إعراب الإنسان عما يخطر بباله من رأى ؛ لأن تقييد ذلك يعد خنقا للأفكار .
ويرى أن الإسلام جعل النظر شرطا فى المعرفة التى هى أول واجب على المكلف ومعنى ذلك أنه لم يجعل فى الأرض ولا فى السماء منطقة محرمة على الفكر أن يدخلها بكل حرية وإخلاص .
ثم يقول : ” يجب أن نسمح لغيرنا بإبداء آرائهم حرة طليقة ولو كانت ضدنا لأنه لا ضرر فى أن يصرح الكل بما يعتقد ؛ لأن العصمة لا تتأتى لغير الأنبياء , إنه لا يكفى أن نطالب الحكومة بالحريات العامة بل يجب أن نعطيها نحن قبل ذلك لأنفسنا .. يجب أن نشجع الكتاب والمفكرين فى بلادنا أكثر مما ننتقدهم ويجب أن نخلق الجو الذى يسمح للكل بإبداء رأيه ” .
10-التحرر الفكرى
يرى أن حرية التفكير حق عقلى لا يجوز أن يحد .. لأن ذلك خطر علي الحرية وحتي لا يتدخل أحد فى وضع القيود أمامه وذلك من شأنه أن يمنع من تعميم التفكير .
يؤكد أن الأفكار يمكن مقاومتها بالأفكار والقول يدفعه القول .
وأن كل الأفكار المبتكرة تظهر غريبة لأول وهلة والوسط الذى يمنع المفكرين من أن يظهروا بآرائهم يظل دائم الجمود غير قابل للتطور ولا للإرتقاء .
مؤكدا أن الإسلام دين العقل كما أنه دين القلب ولذلك فقد قضى من أول وهلة على كل أنواع السيطرة الكهنوتية ؛ كما أن علماءه اعتبروا حماية الفكر من الأسس التى أجمعت عليها الملل والنحل .
وأن الذين ينصبون أنفسهم للإصلاح يجب أن يستعدوا لقبول كل ما صادفهم من أكدار , إن تضحية السمعة يجب أن تكون فى مقدمة ما تتطلبه من تضحيات .
ثم يقول : ” لنثق بالعقل ولكن لنرفع مستواه ولنعلم الشعب كيف يفكر ولتكن حرية التفكير جزءا من عقيدتنا التى لا تقبل الدفع وليكن فى حوار الفكر منهجنا الذى لا يبلى , إن ذلك خير وسيلة لتحرير مجتمعنا من ضروب الاستعباد الذى أودى به وخير وقاية لنخبتنا من كل دعوة لا تحترم العقل ولا تدين بالتحرير , إن دواء الحرية صعب ولكنه وحده الدواء الصحيح ” .
11- الفكر العام :
يرى أن فى مقدمة المظاهر الديمقراطيه العمل الجدي لتنوير الرأي العام وتقويم ما أعوج من جوانبه ومقاومة كل ما يمنعه من التطور والأخذ بوسائل التقدم , وأن العادات والتقاليد تؤدى إلي الرأي العام الجامد .
وأن الإهتمام بالرأي العام من أوجب الواجبات ومراعاته فى أثناء الدرس والتقرير آكد وأوجب .
وأن من أسباب التنوير للرأي العام وإخراجة من حيز الجمود إلي حيز الحركة والتقدم : ” الصحافه الحرة , الإعلام , النشر , الخطابة , المذياع , التعليم الإجباري ” .
وأنه ليس هنالك نظام كامل بكل معاني الكلمة مادام ليس هنالك بشر منزهون عن الغرض والعبث والاندفاعية ولكن الأسلوب الديموقراطي خير وسيلة ممكنة للتعبير عن الفكر العام واستنكاه رغبات الشعب الحقيقية .
ومن الواجب أن نتجه لرفع مستوي العقل والإعلاء من شأنه لأنه وحدة الذى يحمينا من أخطاءنا ويعقلنا عن شهواتنا .
ويرى أن البرلمان خير وسيلة لإنقاذ الرأى العام من أنواع الاستعباد السياسي والإقتصادي والروحي .
وأنه لا ديموقراطية إلا بفكر عام متحرك حقيقي ولا مسؤلية بغير حرية ولا حرية بغير تفكير .
ثم يحذر من مضللات الرأى العام : ” الإعلام الموجه , الخرافات الموروثة , الأفكار الهدامة , الإغراءات الخطابية , الإعلانات مدفوعة الأجر ”
ثم يقول : ” علينا أن نتحرر من كل سيطرة غير سيطرة الفكر المؤمن بالحرية حتى نستطيع أن نحرر الفكر العام من خرافات الماضى ومضللات العصر الحديث “.
12-توجيه الفكر العام :
يرى أن الواجب يقضى بعدم ترك الفكر العام يتغذى بما تسمح له به المصادفات من قديم وحديث ولا بما يريد غيرنا أن يغذيه به من العقائد الهدامة والأفكار المفسدة , ولذلك يجب علينا أن نقوم بمهمتنا فى توجيه الفكر العام توجيها يستمد عناصره من رغبات الشعب الحقيقية التى نستخرجها نحن من معرفتنا بقرارة نفسه وأعماق ضميره .
منتقدا المفكرين الذين ينزوون فى الأبراج العاجية فى عالم مجرد بعيد عن المجتمع وأحاسيسه , فلا يخرجون إلا ومعهم دنيا ” ابن طفيل ” أو جنة ” روسو ” وذلك هو السر فى عدم نجاح كثير من الأفكار وعديد من المذاهب .. إنهم يبنون عالما وهميا من فراديس السماء ؛ بينما هم يعيشون فى دنيا السمع والبصر وأحاسيس الإنسانية وما فيها من تركيب أمشاج .
ويدعو لأن نأخذ من القديم أحسنه ومن الحاضر أفضله .
وأن نحافظ على طابع واحد أمتازت به حضارتنا العربية والإسلامية وهو طابع إنسانى لا تتحقق آدمية الإنسان بدونه : إنه طابع الفكر الحر وعدم قبول أى شئ بغير بحث وتجربة ونظر , تلك هى نقطة البداية فى بعثنا الجديد .
وأن ننزع عنا عقدة النقص التى تمنعنا من الوقوف أمام أمثالنا موقف الند للند حتى فى عالم التفكير.
ويدعو لضرورة التفريق بين الوسيلة والغاية .
ويرى أن غاية الشيوعية والفاشية الحقيقية هى ” سلب حرية الفكر لكل من العامل والممول ” , وأن الرأسمالية الغربية ملعونة فى نظامها وفى صوفيتها التى هى عبادة المال وجعله الحكم فى كل الشئون .
ولذلك يجب أن نعد لشعبنا أسباب المعرفة الحقيقية لنكبته ومصادرها ووسائل العمل لإنقاذ نفسه منها .
مؤكدا أن الحرية وحدها هى السلوى الصادقة لكل نكبة والغذاء اللذيذ لكل بلوى , فيجب أن نشبع روح الشعب بالتطلع لهذه الغادة الجميلة , والعمل على نيل وصالها .. ويصبح له من عالمها مثل سليم ينير له السبل ويفتح أمامه الآفاق .
ثم يقول : ” إن المغرب الحر الذى يتمتع به مغاربة أحرار لهو الغاية الأولى التى يجب أن يعمل لها الجمهور ” .
13- تداعى الأفكار
يؤكد أن العقد المتنوعة تتداعى فيما بينها ويجر البعض منها الآخر وكذلك الأفكار الصغيرة حسنة أو قبيحة تجر الأفكار الكبيرة بجاذبية باطنة لا ينتبه لها الفرد ولا يحس بها المجموع .
منتقدا الفكر المعاصر الذى يهتم بالمظاهر ولا يبحث عن أصول الداء ليجتثها من أساسها لأن ” عدم المبالاة بناحية صغيرة يؤدى إلى إهمال النواحى الكبيرة فيفسدها ” .
فالطمع يتحول إلى عبادة للمادة فى مختلف أشكالها والبخل يؤدى إلى الجبن والتأخر .
وفى الرأسمالية مثلا : إهمال القيمة فى السلوك وفى البواعث يؤدى إلى احتقار كل القيم الإنسانية فى سبيل الربح المادى العاجل .
ثم يقول : ” إن الذين يتسامحون فى الصفات أو الأخلاق أو النظريات السيئة لا يلبثون أن يتأثروا بها ولو أنكروها , وطفيليات المذاهب والسلوكيات هى كطفيليات الأمراض والأوبئة إما أن تحارب وإما أن تلحق حتى الأطباء أنفسهم , والذين يدعون للإتفاق أو التسامح مع ذوى الأفكار الضارة للأمة – ولا أعنى بالتسامح حرية الإعراب عن الأفكار فهذا حق مضمون للجميع – ما مثلهم إلا كمثل الطبيب الذى ينصح المصاب بالسرطان بعدم مقاومة جرثومة الداء بداعى الإشفاق عليها ككائن حى يستحق الرحمة ويستوجب أن يترك له حظه من الحياة وأسبابها التى فى مقدمتها نخر جسم ذلك المريض , إنه ليكفى أن يقتنع الإنسان بقبول أبسط أسباب الفساد الخلقى أو الاجتماعى لكى يكون خطا الخطوة الأولى فى سبيل ضياعه الكلى , بل يجره إلى التعود على قبول ما يضاهيها وعدم استنكاره وهكذا دواليك .. وهذه آفة من آفات الحياة الاجتماعية فى العصر الحديث .
14-الفكر بين العصرية والمعاصرة :
يرى أن الفكر الصحيح يقضى بالأخذ بما يناسب حاجة العصر ولو كان من منتجات الماضى , وإهمال كل ما يضر بالمجتمع ولو كان معاصرا .
ثم يفرق بين ما هو عصرى وما هو معاصر , فليس كل ما هو معاصر جيدا وليس كل ما هو قديم سيئا .
فمثلا ما طبقه عمر بن الخطاب من مساواته بين الطبقات وتطبيقه لمبادئ الحرية الفردية والاجتماعية .. هو عصرى وجيد ولو كان قديما .
وفى نفس الوقت فإن النازية معاصرة ولكنها انبعثت من صميم العنصرية وتفرق بين البشر وتعبد طائفة منهم لأخرى عن شعور واعتقاد , وكذلك الفاشية معاصرة ولكنها جعلت من أسبانيا ضحية الأنانية وجعلت الجيش لخدمة فرد وقتل أمة .
والرأسمالية الغربية معاصرة ولكنها استغلال محرم واستعباد ذميم للشعوب .
فكل ما يحرم على الإنسان النظر والفكر أو يمنعه من الثورة على ما لا يطمئن إليه فهو جمود وليس من العصرية فى شئ ولو كان مستمدا من آراء الفلاسفة والزعماء المعاصرين .
مؤكدا أن المنهج العصرى الصحيح هو الذى يفتح أمامنا آفاق التقدم بجميع أنواعه الفكرى والاجتماعى والاقتصادى والروحى .
وأن الفكر والنظر هما المصباح الذى يجب أن يكون معنا فى سيرنا وتوجيهنا , فيجب أن نمضى قدما مستنيرين بعقولنا التى لم تقيدها أسباب القلق المعاصرة لندرس كل ما فى الغرب مقتبسين ما هو صالح لانبعاثنا ونافع للعصر الذى نعيش فيه, وليس من شأنه أن يقف حجر عثرة فى سبيل تقدمنا الدائب المستمر ”
ثم يقول : ” إن حياة بغير حرية لهى الموت المحض , وإن وجودا من غير فكر حر لهو العدم , وإن مدنية لا تقوم على التحرر والتبصر لهى الوحشية الأولى ولو كانت فى أحدث طراز ” .
15- اختيار الأفكار
حدد الخصائص التى تميز صحيح الآراء من سقيمها :
1-أول شروط الفكر الصحيح أن يكون مساعدا على بقاء هذه الأمة ومتابعة سيرها إلى الأمام , وكل فكرة تعمل على حل رابطتها وتمزيق وحدتها والقضاء على كيانها كأمة مغربية لها مقوماتها الخاصة ومميزاتها عن غيرها .. هى فكرة لا يمكن ولا يجوز أن تجد لها محلا من قبولنا واعتبارنا .
2-الاستجابة لحاجات الأمة ورغباتها الحقيقية .
3-التقدمية : كل فكرة لا تعمل على توجيه هذه الأمة صوب التطور والتقدم إلى الأمام هى فكرة عقيمة يجب رفضها ومحاربتها , لأن حياة الشعب لا تتم إلا بمواصلة السير إلى الأمام والمتابعة نحو المثل العليا .
4-الشمول : أن تكون الفكرة مراعية ما يصلح كل جوانب الحياة فى البلاد ويساعدها على التقدم , تعالج كل أمراضنا وليس جانبا من أمراضنا فقط .
ثم يقول : ” إن الحرية لا تتحقق إلا إذا عرف الشعب حقيقة نفسه وأدرك مراميها ثم اختار من بين التجارب الإنسانية ما يساعده على الاحتفاظ بنجاح تجربته هو ككائن حى مستقل وليس صورة مكررة لغيره ” .

الهوامش :
1-أنظر ” علال الفاسى وأثره فى الفكر الإسلامى المعاصر ” محمد عبد السلام بلسعل منشورات جامعة يبها 1986م ص 47
2- أنظر ” ملامح من شخصية علال الفاسى ” عبد الكريم غلاب ص 176 , 177
3- أنظر ” أسرار وحقائق عن علال الفاسى ” محمد السلوى أبو عزام ص 67 , 68

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق