الزعيم مكرم عبيد .. والمواطنة المصرية (2-4)

وهو الخطيب ذائع الصيت :
الذى كانت خطبه تخاطب العقول والقلوب وتلهب مشاعر الجماهير وترج السرادقات والقاعات .
يشهد له بذلك المفكر الكبير خالد محمد خالد قائلا : ” كان أحد أساتذتى الكبار الذين تعلمت منهم وانتفعت بهم فى تكوينى كخطيب وكاتب وفى تنمية وتعلية وشفافية احساسى بجمال الكلمة وموسيقاها وروعة الإلقاء وسحر الآداء .. كان مكرم عبيد أمير البيان وفنان الكلمة منطوقة ومسطورة منذرة وبشيرة وديعة ومثيرة من أجل ذلك كان دوره فى إذكاء الوطنية مميزا وفريدا ” 1)

بل وصف خطبه : ” بمزامير داود وأنه المايسترو العظيم ” ٢)
ويصفه محرر الأهرام عام 1925م قائلا : ” الأستاذ مكرم عبيد خطيب لا كالخطباء , إذا تكلم فبجنانه قبل لسانه , كانت له أمس وقفة أطربت الأسماع وأرقصت القلوب , فلما أقبل إلى منبر الخطابة تعالى الهتاف من كل جانب من جوانب السرادق ” ٣)

وهو المفكر الناقد :
الذى يمتلك مشروعا إصلاحيا متكاملا في بناء الدولة .
فهو يدرك أهيمة المال فى بناء الدول , وأن الاقتصاد هو عصب الدولة الحديثة فيقول :
” يخطئ الناس إذا اعتقدوا أن الاقتصاد هو مجرد علم المال وما يلحق به من أوضاع كلا .
فإن الاقتصاد علم أصلى من علوم الاجتماع , وأن له آدابا كما أن له حسابا .
ورجل الاقتصاد على خلاف رجل المال هو الذى يحقق الإصلاح قبل أن يحقق الأرباح
بل إن القاعدة الأولى والأخيرة لكل علم من علوم الاجتماع هو النفع قبل الانتفاع ٤)

ويحذر مفكرنا الكبير جموع المصريين من فشل الثورة وموتها موضحا أن الخطر ينحصر فى :
1-الخطر النفسانى وهو خطر مزدوج يتمثل فى :
أولا : قتل الثورة فى نفوسنا
ثانيا : إحلال المصلحة محل التضحية .
ففى ذلك قتل للثورة في نفوس الناس
2-الخطر السياسى وهو خطر الإنقسام .
وكان لمفكرنا الكبير رحمه الله نظرات ثاقبة :
ففى دفاعه عن النقراشى وأحمد ماهر يفرق بين الوطنية والقتل
قائلا :

إنهم وطنيون ومخلصون فى وطنيتهم , لأن الوطنية وهى القضية القصوى لا تتفق مع القتل وهى الرذيلة السفلى , ولأنه من المحال أن يكون الشر سبيلا إلى الخير كما أنه لم يقل أحد أن الخير طريق إلى الشر , ولأنه ما من حق مهما سما يتعارض مع الحق الأسمى وهو حق الحياة , فإذا استنكرت الوطنية المصرية جرائم القتل , فليس ذلك لأنها ضارة بنا أو بغيرنا فحسب , بل لأنها شر فى ذاتها وما نحن إلا طلاب خير , ولأنها اعتداء على حياة الغير وحريتهم وكل ما نطلبه هو أن نعيش تحت الشمس أحرارا .

ولأنها ظلم بين وما نحن إلا طلاب عدل وحرام ألف حرام أن نضيف إلى مظالم الغير ظلما من أنفسنا لأنه إذا صح أن الظلم فى يد القوى قوة فهو فى يد الضعيف ضعف وسخافة .
وفى موقف آخر يؤكد أن تحرير مصر من الاستعمار يعتبر بداية للجهاد وليس نهاية قائلا :
أيها الشباب .. لا تحسبوا أيها الشباب الكريم أن أبواب الجهاد قد أوصدت دون العاملين .. كلا
فلقد جاهدتم للاستقلال فعليكم الآن أن تجاهدوا بالاستقلال ، فالاستقلال بداية لا نهاية .
فهو السبيل إلى التعمير والبناء فارفعوا إذن أبصاركم إلى السماء , وشقوا إلى المجد طريقا فى الجوزاء تلك سنة الطبيعة سنة النشوء والارتقاء ٥)

ويتحدث عن مشاكل الاقتصاد بلسان الخبير قائلا :
والواقع أن الأخطاء الاقتصادية أشد من غيرها خطرا ؛ لأنها أبقى من غيرها أثرا .
فهى ترتب للأفراد والجماعات حقوقا مكتسبة إذا ما عولجت علاجا مبتسرا فى غير رفق كان ضرر التعجل فى الغائها أعظم من ضرر التريث فى إبقائها )

وبعد ثورة 23 يوليو ١٩٥٢م :
دافع مكرم عبيد رحمه الله عنها وأشاد بها لأنها من وجهة نظره :
” ثورة شعبية , ثورة عملية منتجة , ثورة نظامية لا افتعال فيها ولا ارتجال , ثورة بيضاء فلم تهرق نقطة دم واحدة فى سبيل الوصول إلى هدفها الخطير , قيامها بمعالجة التفاوت بين الطبقات ” .
وقدم مشروعا متكاملا للإصلاح مطالبا :
– بإلغاء القوانين الرجعية التى تمس حرية الفرد وحرية الاجتماع وحرية الرأي ٦)

– بتطبيق قانون من أين لك هذا ؟ على الوزراء والموظفين ملفتا النظر أن ذلك كان من ضمن برنامج حزب الكتلة الوفدية ” المادة 4 من برنامج حزب الكتلة الوفدية ” ٧)

– إلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف وإلغاء المصروفات السرية التى لا رقابة عليها لممثلي الأمة ٨)
– ودعا للامركزية فى المدن والقرى وبإنشاء مجلس للقرية على نمط المجالس المحلية والبلدية ٩)

-وإنشاء وحدات علاجية متنقلة لعلاج الفقراء فى قراهم ١٠)
-وإنشاء قسم خاص للدعاية للدولة المصرية فى الداخل والخارج ” هيئة استعلامات لاحقا ”
-وطالب باستقلال القضاء وأن يتولى تنظيمه مجلس ينتخب من رجاله ولا يجوز تعديل قوانينه إلا بموافقه هذا المجلس .
-وطالب بتعميم الجمعيات التعاونية فى القرى لمحاربة الغلاء وإسعاف الفلاح

-وطالب بإتمام مشروع كهربة خزان أسوان ودراسة المشروعات الأخرى
– وطالب بالحفاظ على وحدة مصر والسودان وأن ذلك :
ضرورة وطنية وسياسية واقتصادية
مؤكدا أهمية ذلك قائلا :

فما وحدة الوادى إلا الوحدة التى تتمثل فينا نحن أبناء الوادى , بحيث نوحد الوطن ويتوحد فينا الوطن . وبحيث لا نكتفى بأن يجرى النيل ماء سخيا فى أراضينا بل يجرى دما نقيا في عروق بنينا١١)

-وكان له السبق فى التحذير من تخطيط قوى الاستعمار لتقسيم السودان إلى شمال وجنوب قبل أكثر من نصف قرن ١٢)
وهو داعية الحرية المدافع عن الجسور عن الديمقراطية والدستور:

فقد ناضل مكرم عبيد رحمه الله كثيرا ضد الديكتاتورية والاستبداد وطالب بدولة الدستور والقانون .
فقد سافر مكرم عبيد إلى لندن فى ١٩٢٩م وكتب فى الصحف البريطانية ضد حكومة محمد محمود باشا ” المؤيدة من الاستعمار الإنجليزى ” فقامت بحل البرلمان وعطل الدستور وأهدر الحريات وأيد الإنجليز ” حتى أطلق على عهده حكومة القبضة الحديدية ” .

وألقى مكرم عبيد خطابا شاملا فى المؤتمر السنوى للجمعيات المصرية فى أوروبا يوم ٢٧-١٢-١٩٢٩م منددا بما يتم من حل للبرلمان وتعطيل للدستور وفرض الأحكام العرفية .
ومن عشقه وتقديره للحرية وصفها بأنها خبز الحياة الذى لا حياة بدونه قائلا :

” إن الحرية وهى خبز الحياة يجب أن تحصلوا عليها بجدكم واجتهادكم وعرق جبينكم كما تحصلون على خبزكم اليومى سواء بسواء .

فإذا أنتم لم تكسبوها بعرق جبينكم فإنكم تضطرون إلى استجدائها وحينئذ لا تحصلون إلا على ما يحصل عليه الشحاذون أى الفتات ١٣)
ودافع عن حق الأمة المصرية فى الدستور قائلا :
ليس الدستور منحة تسترد بل هو حق مقدس من حقوق الأمة والقول بغير هذا إنما هو لغو باطل ١٤)
وأردف قائلا : بما أن الأمة مصدر السلطات فلا يمكن أن يقال إن الدستور الذى هو عنوان سيادة الأمة إنما هو منحة ١٥)
ويرى أن ثورة ١٩١٩م كانت متشبعة الميادين مختلفة النواحى والاتجاهات ” سياسية , اقتصادية , اجتماعية , أخلاقية , ثقافية , فنية ” وأنها كانت ثورة اجتماعية فى أوسع معانى الاجتماع , وقد كان لهذه الثورة أثر فى الشرق لا يقل إن لم يزد على الثورة الفرنسية والنهضة الإيطالية معا فى الغرب ١٦)
-الإرادة إرادة الأمة والسيادة سيادة الامة والسلطات مصدرها الأمة ١٧)

 

الهوامش :
١-انظر كتاب ” مكرم عبيد .. كلمات ومواقف ” منى مكرم عبيد ص ٢٤
٢-المرجع السابق ٢٦
٣-جريدة الأهرام المصرية بتاريخ ٢٥-٧-١٩٢٤م
4- أنظر كتاب ” مكرم عبيد .. كلمات ومواقف ” منى مكرم عبيد ص ٢٧٥
٥-المرجع السابق ٢٥٠
٦-المرجع السابق ٣٧٧
٧-المرجع السابق ٣٩٥
٨- المرجع السابق ٤١٤
٩- المرجع السابق ٤٢٦
١٠- المرجع السابق ٤٢٧
١١- المرجع السابق ٤٢٠
١٢- المرجع السابق ٤٠٣
١٣- المرجع السابق ١٨١
١٤- المرجع السابق ١٩٩
١٥- المرجع السابق ١٩٩
١٦- المرجع السابق ٢٣٦
١٧- المرجع السابق ٤٤٨

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق