السلام بصيغة القوة: استراتيجية علييف تنقل أذربيجان إلى عهد التأثير الدولي

فؤاد حسين زاده – رئيس الاتحاد العام للصحفيين لدعم أنشطة الشتات
تشكّل لحظة توقيع إعلان السلام في واشنطن بين أذربيجان وأرمينيا، في 8 أغسطس 2025، نقطة انعطاف جذرية في خارطة جنوب القوقاز السياسية. الحدث الذي تم برعاية مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يعكس حجم التحول الذي طرأ على هذا الملف، الذي كان لعقود واحدًا من أكثر النزاعات استعصاءً على الحل.
الاتفاق الذي جمع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، يُعد تتويجًا لتحولات إقليمية ودولية متراكمة. أبرز ما تضمنته الوثيقة هو اعتراف متبادل بالسيادة على أساس حدود 1991، ما يمنح الاتفاق شرعية قانونية قوية. كما تضمن الاتفاق فتح ممرات إقليمية، منها ربط أذربيجان بإقليم نخجوان، مقابل استفادة أرمينيا من بنى تحتية عابرة للحدود.
هذه البنود، رغم أهميتها، تعكس فقط الجزء الظاهر من معادلة أوسع. فالتحليل السياسي العميق يكشف أن ما تحقق هو تتويج لإستراتيجية بعيدة المدى قادها علييف، بدأت بالحسم العسكري عام 2020، وامتدت إلى بناء توافقات دبلوماسية عززت من مكانة أذربيجان إقليميًا ودوليًا.
فالرئيس علييف لم يسعَ فقط لاستعادة الأراضي، بل لإعادة تشكيل موقع بلاده في الإقليم. نجح في ترجمة النصر العسكري إلى معادلة جديدة للسلام، تستند إلى مبدأ احترام السيادة المتبادلة والمصالح المشتركة. وهو بذلك انتقل من موقع المحارب إلى دور مهندس الاستقرار.
دوليًا، يعكس توقيع الاتفاق في واشنطن وبوساطة ترامب، مستوى جديدًا من تفاعل الولايات المتحدة مع قضايا جنوب القوقاز. وهو ما يعكس أن إدارة ترامب ترى في علييف شريكًا يمكن الاعتماد عليه في خلق توازن جديد في المنطقة.
هذا الاتفاق لا يمثل نهاية لنزاع فقط، بل بداية لمرحلة بناء شراكات إقليمية. ومن المتوقع أن تبدأ أذربيجان بإعادة إعمار المناطق المحررة، واستثمار موقعها الجغرافي في مشاريع نقل وطاقة تعزز دورها كممر بين آسيا وأوروبا.
لأرمينيا، يشكل الاتفاق فرصة لتجاوز عزلتها والانخراط في بيئة تنموية واقتصادية تعيد إليها بعض ما فقدته سياسيًا. الشرط الأساسي هنا هو الالتزام بالاتفاق كمسار استراتيجي، لا مجرد تسوية مؤقتة.
علييف، في النهاية، أثبت أنه ليس فقط قائدًا عسكريًا ناجحًا، بل زعيم دولة يملك رؤية استراتيجية. عبر هذا الاتفاق، وضع أذربيجان في موقع المتحكم الفعلي في مستقبل جنوب القوقاز، وفتح صفحة جديدة عنوانها: الأمن بالشرعية، والتنمية بالتكامل.




