المعطلون عن العمل في تونس.. بين بيع الوهم وتحديات الواقع

لا تزال معظلة البطالة أحد أبرز العوامل المحددة لمدى صمود أي حكومة تونسية في مواجهة التحديات ..فمنذ أكثر من عشر سنوات كانت مشكلة البطالة هي أحد أهم العوامل التي تضع منظومة الحكم على المحك وتزعزع إستقرارها ..وعجزت كل الحكومات المتعاقبة على حلحلة ملف البطالة.. بل بقرارات سياسية وإملاءات صناديق النهب العالمية تم تغييب هذا الملف عن برامج كل الحكومات لتؤبد بذلك البطالة في تونس..

ومنذ عامين تقريبا عملت السلطة وأساسا حركة النهضة على خوض غمار من نوع جديد ..غمار تقسيم المعطلين وتشتيتهم مستعملة بذلك كل الأساليب الرامية بإيهام المعطلين أنها المنقذ وأن الأمل في الإنتداب قريبا مستندا بذلك إلى ضرورة سن قانون يضمن تشغيل المعطلين الذين فاقت بطالتهم العشر سنوات ، وكل من تجاوز من العمر الخمس وثلاثين عام مد حتى إن لم يبلغ بعد العشر سنوات بطالة ، وتشغيل فرد من كل عائلة جميع أفرادها معطلين وهو ما يعرف في تونس بقانون 38/20..

إن هذه المبادرة سلاح متعدد الأبعاد كلها في صالحها وضد المعطلين بالأساس ..لعل أبرزها تقسيم المعطلين عن العمل وإحداث شرخا داخلهم وهي تعتبر خطوة إستباقية لقطع الطريق أمام بركان قد ينفجر ضدها في أي لحظة ، ومحاولة لضرب المنظمة الأم للمعطلين ( إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ) وإستغلال المعطلين عن العمل في محطات إنتخابية قادمة بإعتبارهم قوة إنتخابية هامة إذا تم حسن إستغلالها ( تطمينهم بأنها إذا وصلت السلطة ستفعّل القانون )..ومن ناحية أخرى يستعملونه كقنبلة موقوتة وفخ خطير لكل حكومة تحاول الخروج عن طاعتها..

ومنذ عامين إنطلق المعطلون عن العمل في خوض سلسلة من التحركات المركزية والجهوية من فرض هذا القانون …
كما كان إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل أحد الأطراف المتدخلة في الموضوع حيث قدم مبادرة لمجلس نواب الشعب من أجل حلحلة ملف التشغيل سنة 2020 ..ونظم تحركا وطنيا يوم 10 جوان 2020 أمام البرلمان من أجل الضغط عليه حين كان ينوي تأجيل عرض مشروع القانون على الجلسة العامة وطالب بالتسريع في المصادقة عليه في ذلك اليوم التاريخي الذي شهد تدخلات عنيفة وإعتداءات وهرسلة من قبل قوات الأمن على مناضلي إتحاد المعطلبن والمساندين للقضية …وشهد ذلك التحرك حملة واسعة للمعطلين من الداخل البلاد وخارجه (جمعية المعطلين بالمغرب مثالا ).
وفي يوم تاريخي إعتبره المعطلون يوم القطع مع البطالة والمعاناة صادق البرلمان على القانون وختمه الرئيس قيس سعيد و نشره بالرائد الرسمي ليصبح القانون بذلك واقعا..

وقد تمت المصادقة على القانون في وضع سياسي في تونس متعفن وإزدادت وثيرة الخلاف بين مختلف أقطاب السلطة ..البرلمان والحكومة من جهة ورئيس الدولة من جهة أخرى..

فقد صادقت حركة النهضة وحلفاءها على القانون منتظرة بذلك عدم ختمه من الرئيس لتضعه وجها لوجه مع المعطلين…وختم الرئيس القانون لكي لا يحصل في الفخ وهي عبارة ” على تشكيبة “من الرئيس ضد البرلمان..
لتأتي بعد ذلك الإجراءات الإستثنائية يوم 25 جويلية وتجميد عمل البرلمان ويقرر بعدها الرئيس التخلي عن قانون 38/20. وإعتبره قانون وهمي صاغه المجرمون بائعوا الوهم للمعطلين.. وكانت الصدمة للمعطلين في تونس وخرجوا للشوارع وإقتحموا مقرات الولايات مطالبين بالتراجع عن قرار الرئيس..

إن رئيس الدولة الذي إعتبر القانون وهميا وهو الذي ختمه ..ألا يعتبر شريكا في بيع الوهم ؟ ألم يكن بذلك متورطا في العبث بأحلام آلاف المعطلين؟

إن مختلف أطراف منظومة الحكم شريكة في جريمة بيع الوهم… وشركاء في تأبيد البطالة والعبث بمستقبل المعطلين..

ويبقى المعطلون في تونس اليوم أمام خيارين إثنين إما الرضوخ لقرارات الوهم التي تصدر من حين لآخر وآخرها الشركات الأهلية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد ويقبلون بتأبيد البطالة وإما التوحد تحت خيمة إتحاد المعطلين وخوض معركة الحسم التي يجب أن تكون متعددة الأوجه وبلا خطوط حمراء ..وهذه المعركة إذا قرر المعطلون خوضها لن تكون كسابقاتها خاصة في هذا الوضع الذي تمر به البلاد فقد يكلفهم ذلك عناء كبير ومخاطر أكبر خاصة في سلامتهم الجسدية وحريتهم..
هذا ويشار إلى أن عديد الإعتصامات وإضرابات الجوع يخوضها المعطلون عن العمل في عدد من ولايات الجمهورية التونسية ولعل أهمها إضراب الجوع داخل مقر ولاية القصرين وتعكر حالة المضربين عن الطعام..

وفي المقابل مازال رئيس الدولة يمتشبث بقرار إلغاء قانون 38/20 ويروج لفكرة الشركات الأهلية التي يعتبرها المعطلون عن العمل بيع للوهم وإعتبرها إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل هروبا إلى الأمام وعجز عن إيجاد الحلول الكفيلة بحلحلة معظلة البطالة

لتكن معركة الوجود إما الحياة بكرامة وإما مغادرة الحياة إلى الأبد…
ليكن الهدف واحد والقضية واحدة والتكتيك واحد .
ليكن التشغيل هو الهدف دون سواه

بواسطة
كمال فارحي - تونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق