بغداد بحاجة لعلاقة مدنية مع واشنطن
جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة، انتهت بلقاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض مع فريق فني من مختلف الوزارات المعنية، وسط تغطية إعلامية محلية ودولية استثنائية، ومع أن الجولة تحولت الى جدلية عراقية، بين مؤيد لها ومعارض، ومن هنا ينبغي البحث في اتجاهات الحوار الاستراتيجي ومآلاته.
اللقاء التاريخي حصل في 26 تموز 2021 بين الكاظمي وبايدن، والعراق بات كالعادة قصة تحليل، وتفسير تناقش في أدبيات الاعلام السياسي، ونشرات الأخبار، بل هو البلد الذي يحتمل طرح سيناريوهات مختلفة، انساقت لها شهية المحللين والمعلقين عن الشأن العراقي في ضوء اللقاء الأخير، وبينما يتفرج بعض المعنيين والكتاب على تفاصيل عميقة بحكم قربهم من أصحاب القرار والمسؤولية،ويطرحون رأيهم بمخرجات الحوار على مستقبل العراق، هناك بعض آخر، يفسر وفقا لقربه من جانب معين للصورة، حتى تعددت الآراءوتاهت على المجتمع الحقيقة. فالمتابع القاريء أو المشاهد الباحث عن حقيقة الجدلية العراقية، وطبيعة العلاقة بين بغداد واشنطن، وفقا للتحول الذي حصل في البيت الأبيض بعد تسلم جو بايدن الرئاسة، فهل لنا أن نوجهه في متابعة من يحلل للمشهد العراقي بدقة من مكان بعيد، أم من قريب ؟
صورة العراق منذ عقود نادرا من حللها بشكل دقيق سواء من المعنيين بالاستراتيجيات، أو بالتحليل السياسي، بدليل أن واقعالعراق الحالي، يخالف أغلب التنظير والآراء والتوقعات التي قيلت عنه سابقا، إذ يسير نحو الانزلاق تدريجيا ولربما اقترب كثيرا من الواقع اللبناني اقتصاديا وسياسيا، بينما كثير ممن حلل له، وتوهم بأن يكون نموذجا جميلا للديمقراطية العصرية التي زرعتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ 2003، وخدع بهذا الرأي أغلب من عمل بالسياسة بالعراق، أو في القوى الحزبية بعد مرحلة الاحتلال، وحقا خدعوا بشكل جعلهم بالوقت الحاضر يندمون على اقترفوه من محاولة توطيد اواصر صداقة، وابداء حسن نية، مقابل انحراف بالعلاقة لصالح الاميركيين.
لهذا فالجولة الرابعة والأخيرة من الحوار الاستراتيجي، عقدت في ظروف ورؤى مختلفة تماما عما كانت عليه الأمور والعلاقات والاتجاهات السياسية سابقا، فالذي يمكن رصده أن واشنطن باتت مقتنعة أن الإبقاء على العلاقة مع العراق استراتيجيا في اطارها الأمني، نهج خاطيء، وذا ضرر كبير عليها من حيث استنزاف قدراتها المالية، بعد ما أدركت أن عليها خفض التواجد العسكري بالشرق الأوسط، والاتجاه نحو معالجة أولويات سياسية تتجسد بالحد من طموح الصين بالنهوض اقتصاديا وصناعيا وعسكريا، هذا العملاق الأسيوي الذي بحسب مؤشرات صندوق النقد الدولي توقّع أن يحقّقهذا العام 2021 نمواً بنسبة 8.1 بالمئة.
لذلك حاولت واشنطن في قمة الكاظمي/ بايدن، تقديم رسالة هادئة في البيان الختامي بتحويل قواتها بالعراق من قتالية الى قوات تدريب، وتقديم خبرات ودعم لوجستي، وهذه خطوة إيجابية للعراقيين، بينما الملاحظ على الكاظمي، أراد أن ينتقل بالعلاقة من صيغتها الكلاسيكية بشقها الأمني الى علاقة مدنية تتفاعل بغداد مع واشنطن بقضايا التبادل العلمي والثقافي والزراعي والصناعي، والمالي والاقتصادي، وبالحقيقة لو وضع لهذه العلاقة اطارا راسخا على صعيد التنسيق بين المؤسساتالمعنية في البلدين، لأصبحنا بوضع أفضل، سيما العراق بحاجة لمعالجة الخلل والترهل الحاصل في مؤسساته جراء الحروب والفساد المالي والإداري، ولا ندري هل ستمضي الأمور الى ما أتفق عليه، أم ستأتي حكومة من بعد انتخابات تشرين أول 2021 وتنسف كل ما بنى، وتبدأ مرحلة جديدة على هدي السياسة العشوائية التي تسير بالعراق منذ 2003؟