سائح مهموم في وطنه
إن المواطن المهموم بشؤون وطنه يبكي حاله ويشفق على وطنه معًا، أصبح يقتات من بقايا خيرات وطنه، وطنه هذه الكلمة حمالة المعاني، الملكية تنسب له الوطن بالهاء فقط.
فالمواطن البسيط “الذي يجري وراء لقمة عيشه ” لا يسعى للتغير بل يفضل الموجود رغم حبه للمنشود؛ لأنه سعى وسعى دون جدوى، بسيط يريد فقط الحفاظ على بقاءه “شد مشومك لا يجيك ما أشوم منه ” بخير الدخل المحتشم عن البطالة و الأكل القليل عن الجوع.
فأبناء الوطن أصيبوا بالملل، ملل من المطالب المعلقة، والأصوات المنخفضة رغم علوها وحريتها، يعلمون أن الحياة الثابتة ليست الأفضل، لكن ليس باليد حيلة.
لا تطلب من المواطن المسكين أن يصرخ في وجه الظروف القاسية حتى لا تقسو عليه أكثر، يمر يومه مرور الكرام، يوم تعيس يحكي تفاصيله لأصدقائه “من غدوة” في المقهى الشعبية، المقهى المعتاد الذي يحتضن أوجاع المساكين “القهوة فيه ماتفوتش 900 فرنك باش تنسيه هم الدنيا ”.
القهوة التي تغلب عليها المرارة كما هي حياة المواطن المسكين، إن مثل هذا المواطن لا يمكن أن تحدثه عن معنى المواطنة و لا على طعم السعادة، يجب أن تخجل حين تناديه “بمواطن”؛ فمتطالباته على بساطتها غير متوفرة، لا يريد الجلوس في الأماكن الفخمة ولا ارتداء أغلى الملابس، تخيل لا يريد امتلاك سيارة، فقط يطالب بتوفير حافلة “كار” في الوقت المحدد ”موش كار الستة تجي الثمانية وتزيد تتعاد وماتقفش” حتى يصل إلى عمله في الوقت المناسب “فميسمعش صياح عروفاتو و مايتنقابلوش النهار”.
إن هذا التكرار اليومي الممل يجعل من المواطن يعاني ضغطًا نفسيًا، يمشي للطبيب ”هذا ربما مارددته بداخلك، طبيب ماذا؟ مامعنى طبيب؟ هو يعرف عبارة “سبيطار” في معظم الأوقات، يمشي مريض يروح مريضًا أكثر”.
هو لا يملك المال لسداد كراء المنزل “مول الدار قريب يطرده” و لا لعلاج ابنته التي تسهل لأيام، هو ذاك المواطن الأب لأربعة أبناء، لا يستطيع توفير حاجياتهم المدرسية، فانقطع الأكبر عن الدراسة عله يساهم و لو بالقليل “يخدم في المرمى ربي يعينو خدمة النهار مافيها عار”، هو المواطن ذاته الذي ينام إلى حدود منتصف الليل و“إلا يمكن للفجر ” يفكر في “الماء و الضو” و“كيفاه باش يخلصو”.
فالنموذج الأسري يكاد يكون متكررًا وكل أسرة تحتاج إلى مال بل أموال؛ ولهذا السبب تجد الأسرة إما مفككةٌ ولا رابط لها، وإما غارقةٌ في التعاسة.
المواطن الذي جرفته المياه لأن البنية التحتية هشةٌ أو تكاد تكون منعدمة، هو أيضًا الذي تجده يتسول في المتروات -أو قدام الجامع- والحافلة التي تأتي متأخرةً تنقلب بالمواطن، فينتقل إلى جوار ربه، و قائمة المعاناة طويلة.
ثم نتساءل عن أسباب تفشي الجرائم منها السرقة، فأنت ترى الشعب في كل بقعةٍ من هذا الوطن يعيش علاقة توتر، استفزاز، وصراع، المواطن صار عدو المواطن، ردة فعله وضغط يومه، يكون تجاه غيره “لدرجة الناس الكل على عصابها” والكلمة الطيبة تغيب تماماً، بل صارت تجلب الانتباه، إن هذا المواطن المسكين ماهو إلا سائحٌ مهمومٌ في وطنه، ينتظر متى يغادره بكل وجع، لكنه يظل يحب تراب الوطن، وستظل الكتابة لهؤلاء، من أجل هؤلاء، مع هؤلاء بكل حب، بكل وجع، بكل حزن، ولكن أيضًا بكل أمل، عسى أن يكون “غدوة خير”.