صباحكم بوح.. “خارج النص والحرب”

ماذا لو ؟ ولو تفتح عمل الشياطين عن بكرة أمهم الملعونة منذ الخيبة الأولى ، ماذا لو تعود الكتابة في صفحات الفيس بوك ، زير ماء تحفر فيه فتاة أحلامها الوردية بصمت دافئ ، وجدار يتسع لبوح صبي ، شب عن الطوق فأضناه الحنين ليكتب عبارته الانتحارية النابع فتيلها من قلب قروي خجول ، ماذا لو يصير “تويتر” مجرد تغريدة لحمام زاجل ، تحط على نوافذنا المسائية تغرقنا بالحرف ويعزفنا المساء بالشجن اللذيذ.

ماذا لو تصير رسائل الواتساب ، مکاتیب بخط المسند والرقعة كتبت باقلام الباركر ، واقلام ملونة ؟

ماذا لوتصير نبضات السوشيال ميديا مجتمعة ، إنفعالات حية دافقة بالوجد ، وكل المكالمات تصير همس عند مورد الماء ، ومنتصف النقيل ، وفي باحة المدرسة ، وفي المراعي الخضر ، وعند النافذة الطينية .. والازقة الضيقة ؟ ماذا لو تعود الشاشة الفضية والاندرويد ، الى حكايات اللحظات الناعمة ، حيث دفء المساء والمواجيد القلبية ، وضحى الانتظار ، عند شجرة القرية ، وعند المغيب في الشرفة المواتية للشفق .

ماذا لو تنتحر الاغنيات الركيكة والصاخبة والبوليسية والمتشيئة ، والمفعمة بالموت والبذاءة المرقعة بحبال صوتيّة، تصلح أن تكُون مشانق لتجار الحروب والموت والسخف ، وتعود الينا ازمنة شبيبة الوادي.وحاملات الشريم ، وجميلة الصباح ، واصوات الصبايا مفعمة بالطين والمطر وانداء الصباح ، ومشاقر الخد وحمرة الوجن ، وعبق الفل ،والغزل الشفيف ..
ماذا لو يعود، البث المباشر لايف ، كما جَلسنا ذات يوم تحتَ الشجرة، ولمستُ وجهكِ لأولِ مرة بَقي ِّالقليلُ مِن جمالكِ الاثيري ، عَلى يديِّ مُنذ ذلكَ اليوم، حتى الآن وأنا اسيرُّ رافعًا يدي غيرة حتى لِايراهَا الناس.، او يتسلل عبق زنتك الى انوفهم..

ما اقوله خروج عن النص اقصد خروج عن الحرب الداجنة ، والنص الشارد..
ماذا لوعدت صبيا الاحق خيوط الشمس الذهبية بين النقيل واحراش الرونة وتسابيح المساجد القروية ، وحشرجات اسقف المنازل المشققة ، عن جرار الطين ، افتش عن الوطن القديم ، عن بقعة ارض نشأت فيها ضلوعي في بلاد باردة ، منحتنا جلودا سمراء وقلوب بيضاء كنتف سحابة اغسطس ، وقوارب للأمل والقلم ، اقتسم مع الاصدقاء بقايا طاشير يوم دراسي ، وماء الوضوء في بركة ماء صغيرة ، ونبات الحلص ، اقاسمهم المراعي واغنام القرية ، وفطيرة الكدر ، واشاركهم الركض خلف كرة قماشية محشوة في قراطيس بلاستيكبة بقايا صرفة الخميس ، ومراجعة الدروس في مساء القرية وباحة المسجد ومنتصف النقيل ، واسئلة الحياة والوجود وسباق الشعر ، وضحكاتنا العريضة ، كيف عبرنا كل هذا العمر الشفيف بهذه السرعة الفائقة يا اصدقاء ؟ ، يا لوجع المسافات ،كيف نسيتم يا اصدقائي ، كل تلك التفاصيل ، دون تلويحة وداع لاشياء تركناها في تلك الامكنة المركونة في الذاكرة وصدر ذلك الجبل المشموس ، لامهات كن يغمضن اجفانهن ونحن نحدق في الاخشاب والنوافذ بانتظار ان تشرق التي في القلب وخلف الجبل وخلف الامنيات ، يالأمهات مكدودات بنا منحتنا الحياة ، مغموسة بالاحلام الوردية ، يغزلن الشمس قمصانا لنا ويقصصا حكايات قبل النوم ، مضغنا بصمت لأجلنا لواعج التعب.. ننام على دعواتهن .. ويستيقضن على شغبنا اللذيذ ..

النهار طويل ، التفاصيل وارفه ، والاسماء يصعب تذكرها الآن .. الاشياء التي استدعيها من احراش الذاكرة ، تحتشد في حدقاتي كفلم رعشة تتداعى النصوص والافكار فيه ، ويموت السينارسيت وتموت معه فكرته قبل الشغف والعرض.لجمهور الاندرويد والشاشة اليديوية الصغيرة ، اربعون عام ونيف من السنين ليست ضئيلة انا في قيد الحياة ، بعد ان صارت الحياة قيد ، وغدوت انا بوح لماض لا اعثر عليه الا في الكلمات ، يا صديقي.

بواسطة
عبدالحفيظ الحطامي - اليمن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق