ظاهرة “الرما”.. حفاظا على الموروث الثقافي الشعبي الأمازيغي
ظاهرة “الرما”، تراث شعبي أمازيغي أصيل في شمال إفريقيا مند القدم، وهو فن عريق،وكلمة الرما في الأمازيغية مشتقة من تاراميت.. ويطلق على فوج كبير من العساكر والجنود، وفي العربية سنجد أن كلمة الرما جاءت من الرماية، وهي نوع من الأسلحة الحربية القديمة لدى الشعوب الأمازيغية في شمال إفريقيا مند العصور القديمة،وقد أشار الأستاذ أحمد بوزيد الكستاني في كتابه المشهور “أحواش عادات وتقاليد” إلى أن كلمة” الرما “لها معاني متعددة عند قبائل الجنوب المغربي.
في الأطلس الكبير و الصغير نجد قبائل تستعمل كلمة”الرما” وأخرى تستعمل كلمة “ءيماريرن أو إيهياضن”ومفرده “أهيياض” وقبائل سوس تطلق عليها “تاروا ن سيدي حماد ؤموسى”، وكلها تسميات تطلق على هذه الفرقة الشعبية المنتشرة عند القبائل الأمازيغية بالجنوب المغربي.
الرما أو الرماية، نوع من الأسلحة التقليدية القديمة، فرضت نفسها كنوع رياضي قائم الدات في الساحة العالمية، الكثير من المؤرخين القدامى أكدوا وجود الرماية في شمال إفريقيا قبل التاريخ الميلادي بكثير، و دليلهم تلك الحروب الطاحنة التي دارت بين الامازيغمن جهة والرومان ،الفنيقيين والوندال والبزنطيينمن جهة ثانية .
هذا وفضل آخرون إستعمال كلمة”ءيهيياضن” فأهيياض هو الإنسان الذي جال وطاف في مختلف القبائل أو الإنسان الحر المغامر الذي بمقدوره إكتشاف أسرار القبائل الأخرى وعن هذه الكلمة يقول أحد الشعراء القدماء.
ءيني كيغ اهيياض ءينيغاك نكي نيت
نكاد ءيفوس نكا تاكانت نكن غ ءيزوغار
ؤراغاك ءيسيود واكرزام نس ؤلا سول ءيفيس
وآخرون يستعملون كلمة”ءيماريرن/ فأمارير” وتعني في اللغة الأمازيغية المغني والغناء بصفة عامة هو “ؤرار،ار ءيتيرير” بمعنى يغني وعلى كل حال ف”ءيماريرن” هم المغنون وعن هذه الكلمة يقول شاعر آخر .
..امارير ار ءيتوزان اوال ياويتيد
..ؤلا امكرض ءيلا دارس ؤلا اوال ءيسنت
وعلى أي “فالرما” هو فن شعبي تراثي خالد، و رقصة حربية جماعية بامتياز،تعود بنا إلى زمن مضى، يبرز ذلك من خلال الأبراج التي تكونها هذه الفرقة في محاولة للسطو على العدو المتحصن في قلعة ما، في منزل ما، بالإضافة الى رمزية العصي التي يحملها أفراد الفرقة في أيديهم، وتوظيفها في الرقصات بشكل بهلواني بسرعة وبالدقة المطلوبة في إشارة إلى ضرب العدو والتصدي له، إذن هو رقص حربي جماعي ممزوج بحوارات شعرية حماسية إرتجالية، في أزياء تقليدية موحدة اللون ومنظمة كالجنود في زيهم الحربي الموحد .
إن فن “الرما “يدخل ضمن الرقص الحربي الأمازيغي الجماعي مثل رقصة “تامويديت” المعروفة بنفس المنطقة، كما نجد أحيدوس لدى أيت بن حدو ، وغيرها من الرقصات الشعبية الأمازيغية التقليدية في المغرب، وقد تحدث الكثير من الباحثين الكونياليين..عن هدا التراث الشعبي الأصيل ومن ضمنهم الباحث “اندري باسيه”في كتابه المشهور والمكتوب بالحرف اللاتيني.”les moes et choses berberes ”
بالإضافة إلى الباحث “إيميل لاووست” وغيرهم ممن كتبوا عن العادات والتقاليد الأمازيغية ك”الرما” و هي ظاهرة ثراتية، فكرية،تقافية، وحضارية، تدخل ضمن الرقص الشعبي الجماعي الأمازيغي، و”إيزناكن ” كغيرهم من الظواهر الأمازيغية الأخرى التي تطرق إليها ابن خلدون في المقدمة عند حديثه عن الصنهاجة بمعناها الأمازيغي “إيزناغن”حيث وصفهم بأنهم قوم يفتتون الصخر وأشداء في الحروب، ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الرماية موجودة أصلا ومعروفة لدى الأمازيغ الأحرار.
وفي هذا الإطار يؤكد الدكتور الموريتاني”أحمد سالم ” في أطروحته لنيل الدكتورة أن التسمية الحقيقية لصنهاجة هي “ءيزناكن” ويرى أن كلمة “ءيزناغن” تعني قطعة اللحم ،كما تعني الإنسان الحر أو الفرقة العسكرية التي تتقن الرماية وهذا يظهر في موسم” الرما باكينس بقبيلة ءيزناغن” حيث تقوم فرقة من الشباب الدكور باستعراض كبير بلباسم الأبيض الموحد باستثناء لباس قائد الفرقة الذي يكون بلون مغاير،واحزمة تدل على الصبر والمثابرة أثناء القتال ،حاملين العصي التي تدل على السلاح ودق الطبول، وهي المشاهد التي تميز الحروب قديما، لتحميس الجنود واتباع قائدهم في جميع الحركات التي يقوم بها لبث الخوف في قلوب الأعداء، وكل خطأ تكون عقوبته الفصل من الفرقة، إلى غاية أداء فدية من طرف الجمهور او من طرف احد اعضاء الفرقة في إشارة الى الفدية التي يقدمها العدو لتحرير الأسرى
وكخلاصة عامة،يمكن القول ان ظاهرة الرما ما هو الا فن تراثي شعبي اصيل يجب المحافظة عليه،والإعتناء به لكي لا ينقرض كما انقرضت أغلب الفنون الامازيغية القديمة.