على هامش شهادة الشيخ محمد حسان السلفى المصرى (٢-٤)
٢- يبعثون على نياتهم .. وتدليسات ابن تيمية
المتابع لفكر الجماعات الإرهابية يجدهم يستندون فى جميع أقوالهم وجرائمهم بفتاوى ابن تيمية مثلما فعل محمد عبد السلام فرج فى كتاب ” الفريضة الغائبة ” والذى كان المستند الشرعى – للإرهابيين – لاغتيال الرئيس محمد أنور السادات ؛ حيث إن الكتاب مبنى على فتوى الطائفة الممتنعة لابن تيمية .
وهذا ما يحدث فى مسألة التترس أيضا وبكل أسف فإن عبارات ابن تيمية ملتبسة وملغمة وغير أمينة فى النقل عن الأئمة .
ولذلك نؤكد أن المشكل ليس في
” فهم ” الشباب كما يدعى بعض من يمسكون العصا من المنتصف ولكن المشكل الحقيقي هو ” أفكار” ابن تيمية المفخخة التى تستهين بالتكفير والدماء .
فماذا قال ابن تيمية فى التترس ؟!
يقول :
” فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا , فإنه يجوز أن نرميهم ونقصد الكفار .
ولو لم نخف على المسلمين , جاز رمى أولئك المسلمين أيضا فى أحد قولى العلماء .
ومن قتل لأجل الجهاد الذى أمر الله به ورسوله – وهو فى الباطن مظلوم – كان شهيدا وبعث على نيته ” . 1)
ويقول فى موضع آخر :
” وكما لو تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم , فالعقوبات المشروعة والمقدورة قد تتناول فى الدنيا من لا يستحقها فى الآخرة وتكون فى حقه من جملة المصائب كما قيل فى بعضهم : القاتل مجاهد والمقتول شهيد ” . 2)
الرد :
أولا-إدعاء ابن تيمية أن هناك إتفاق وإجماع فى مسألة التترس :
وهذا إدعاء كاذب وتدليس وعدم أمانة فى النقل عن الأئمة الأعلام , فمسألة التترس مسألة مختلف عليها بين العلماء وليس عليها إتفاق كما يزعم ابن تيمية .
وهذه بعض آراء كبار الأئمة فى عصر السلف الصالح التى تؤكد تدليس وكذب من يدعى الإتفاق والإجماع حول مسألة التترس :
– الإمام عبد الرحمن الأوزاعى ت 157 هجرية :
يقول : ” إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين كفوا عن رميهم فإن برز أحد منهم – أى الأعداء – رموه ” واستدل بقوله تعالى فى المشركين بمكة : ” ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله فى رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ” الفتح 25 , قال : فكيف يرمى المسلمون من لا يرونه من المشركين وهم يعلمون إذا رموهم أنهم يصيبون بها أطفال المسلمين ” .
وسئل عن القوم من المسلمين يلقون السفينة من سفن العدو وفيها سبى من المسلمين أتكره لهم أن يحرقوها ؟
قال : يكف عن تحريقها بالنار ما كان فيها من أسارى المسلمين ” . 3)
– الإمام الليث بن سعد ت 175ه :
يقول : ” ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق ” 4)
– الإمام مالك بن أنس ت 179 هجرية :
يقول : ” لا يرمى الحصن ولا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى مسلمين , قال : يقول الله لأهل مكة ” لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ” أى إنما صرف النبى صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة لما كان فيهم من المسلمين ولو تزيل الكفار عن المسلمين لعذب الكفار ” 5)
– الإمام عبد الرحمن بن القاسم المصرى ت 191 هجرية :
يقول : ” سمعت مالكا سئل عن قوم من المشركين فى مراكبهم : أنرمى فى مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى فى مراكبهم ؟ فقال مالك : لا أرى ذلك لقوله تعالى لأهل مكة ” لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ” وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه . ” 6)
– الإمام أبو ثور البغدادى ت 246 هجرية :
يقول : ” إذا كان فى حصن من حصون المشركين أسارى من المسلمين لم يحل لأهل الإسلام أن يحرقوهم ولا يرموهم بمنجنيق ولا يقطعوا عنهم الماء ولا يدخلوا عليهم ضررا ينال المسلمين الذين معهم , وكذلك إن كان فى حص أسارى من المسلمين لم يكن لأهل الإسلام أن يمنعوهم الميرة – أى الطعام – وإذا تترس المشركون بأطفال المسلمين لم يرموهم بنبل ولا منجنيق ولا نشاب إلا أن يمكنهم رميهم بما لا يصيب أحدا من أطفال المسلمين بشئ ” . 7)
– الإمام الحسن بن زياد اللؤلؤى ت 204 هجرية :
يقول : ” لا ينبغى للمسلمين إذا علموا أن فى المدينة أو فى الحصن مسلمين أن يحرقوا عليهم مدينتهم ولا يغرقونها ولا ينصبوا عليها المنجنيق …. وعلى من أصاب أسيرا أو تاجرا مسلما فى المدينة بسبب ذلك الكفارة والدية ” . 8)
ومما يؤكد كذلك أن مسألة التترس ليس عليها إتفاق بين الفقهاء :
قول الإمام العز بن عبد السلام : ” قتل من لا ذنب له من المسلمين مفسدة , إلا إذا تترس بهم الكفار … ففى جواز ذلك خلاف ” 9)
وكذلك قول الإمام النووى : ” وإذا دعت ضرورة إلى رميهم , بأن تترسوا بهم فى حال إلتحام القتال وكانوا بحيث لو كففنا عنهم ظفروا بنا وكثرت نكايتهم فوجهان :
– أحدهما : لا يجوز الرمى إذا لم يمكن ضرب الكفار إلا بضرب مسلم لأن غايته أن نخاف على أنفسنا ودم المسلم لا يباح بالخوف بدليل صورة الإكراه ” 10)
حيث أجمع أهل العلم على أن من أكره على قتل غيره لا يجوز له الإقدام على قتله ويصبر على البلاء الذى نزل به ولا يحل له أن يفدى نفسه بغيره ” 11)
مما اضطر أحد أفراد مدرسة ابن تيمية المعاصرين للاعتراف بذلك قائلا :
” ولم أر – فيما أطلعت – أحدا نقل الإتفاق على هذه الصورة سوى شيخ الإسلام رحمه الله ” . 12)
١-مجرد الخوف على المسلمين لا يبيح قتل الأبرياء :
كما جاء بالموسوعة الفقهية :
” وفى وجه عند الشافعية لا يجوز رميهم , وعللوه بأن مجرد الخوف لا يبيح الدم المعصوم , كما أنه لا يجوز رميهم عند المالكية إذا كان الخوف على بعض الغازين فقط ” 13)
ثانيا -ومما يؤكد استخفاف ابن تيمية بالدماء قوله ” ولو لم يخف على المسلمين جاز رمى الترس ” على أحد قولى العلماء:
ونحن نتسأل : من هؤلاء العلماء الذين قالوا بقتل البرآء حتى فى حالة عدم الخوف على المسلمين ؟!
الجواب :
لم يقل بهذا أحد غير ابن تيمية !!!
وعلى افتراض أن أحد العلماء قال بذلك فماذا يفعل ابن تيمية بعشرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الأئمة حول تعظيم حرمة الدماء ؟!
وأين مبدأ السلفية القائل : نأخذ بالقرآن والسنة ونترك أقوال الرجال كائنا من كان قائلها ؟!
هل يطبقون هذا المبدأ فى اللحية والجلباب فقط أما الدماء فيأخذون بأقوال الرجال وبالضعيف ويتركون الآيات المحكمات والأحاديث الصحاح ؟!!
وإلى الله المشتكى .
ثالثا -قول ابن تيمية بقتل البرآء بدعوى أنهم ” يبعثون على نياتهم ” وأن ” القاتل مجاهد والقتيل شهيد ” .
وهكذا باسم الجهاد تستباح الدماء المعصومة بحجة أنهم يبعثون على نياتهم .
هل هناك نص قرآنى أو نص نبوى يقول بقتل البرآء وأنهم سيبعثون على نياتهم ؟!
لا يوجد أى نص يقول بذلك .
ولكنه من تدليسات ابن تيمية واستخفافه بالدماء .
كل ما هنالك أنه يوجد حديث بالبخارى ومسلم يقول إنه من أشراط الساعة أن المهدى سيلوذ ويحتمى بالكعبة وأن هناك جيش جرار سيحاول الهجوم على الكعبة المشرفة والقضاء على من لجأ إليها وأن الله جل وعلا سيخسف بهذا الجيش الأرض , وعندما سألته السيدة عائشة رضى الله عنها – راوية الحديث – عن موقف من تم سوقهم من العامة فى هذا الجيش وما ذنبهم ؟!
أجابها صلى الله عليه وسلم بأنهم : يبعثون على نياتهم .
هذه مناسبة ” يبعثون على نياتهم ” .
ونص الحديث أن الله جل وعلا سيخسف بهذا الجيش – المهاجم للكعبة – الأرض
أى أن هذا عقاب إلهى من أفعال الخالق الذى لا يسأل عما يفعل وهو أدرى بعباده .
ولكن ابن تيمية انتزع هذه المقولة من سياقها وجعلها جحة للإرهابيين لقتل البرآء وهذا تآلى على الله سبحانه وتعالى وتدليس على المسلمين وإعطاء الإرهابيين سلاح للاستخفاف بحرمة الدماء بدعوى أن المقتولين ظلما وعدوانا سيبعثون على نياتهم !!
يعنى اقتل الأبرياء ومتقلقش لأنهم سيبعثون على نياتهم بفتوى ابن تيمية !!
تاركا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحرم القتل وتعظم حرمة الدماء :
– مثل قوله تعالى :
١-” من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ” المائدة 32
٢-” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا ” النساء 93
– وقوله صلى الله عليه وسلم :
١-” لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا فى دم مؤمن لأكبهم الله فى النار ” رواه الترمذى
٢-” لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ” رواه مسلم
٣-” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ” رواه البخارى
٤-” أيها الناس : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا , ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ” رواه البخارى ومسلم
٥-” ما أطيبك – الكعبة – وما أطيب ريحك , ما أعظمك وما أعظم حرمتك , والذى نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ” رواه ابن ماجه
٦-” لا يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ” رواه البخارى
٧-” من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ” رواه المنذرى
٨-” أول ما يقضى بين الناس الدماء ” رواه البخارى ومسلم
٩-” إن من ورطات الأمور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ” رواه البخارى
رابعا – لم يلتزم ابن تيمية بالشروط الصارمة التى وضعها الفقهاء فى مسألة التترس :
وفى ذلك يقول الإمام أبو حامد الغزالى :
” فإن فقد وصف من هذه الأوصاف بأن كان الوصف مناسبا حاجيا , أو ضروريا ظنيا أو ضروريا قطعيا جزئيا , لم يجز الإقدام على ما عرف عن الشارع تحريمه فى الجملة , ومثال ذلك : إذا تترس الكفار فى قلعة بمسلم , إذ لا يحل رمى الترس إذ لا ضرورة إلى فتح القلعة , فنعدل عنها ” 14)
وبذلك يتبين لنا أن استدلال الإرهابيين بمقولة ابن تيمية
” يبعثون على نياتهم ” واعتبارها مستندا لقتل الأبرياء بدم بارد أثناء عملياتهم الإرهابية .. ما هى إلا خطيئة من خطايا ابن تيمية المنهجية التى خالف فيها القرآن والسنة وأقوال الأئمة الأعلام .
الهوامش :
1- مجموع الفتاوى ج 28 ص 537
2- مجموع الفتاوى ج 10 ص 217
3- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ج1 ص 329 , سبل السلام للصنعانى ج 4 ص 49
4- المغنى لابن قدامة ج 10 ص 505 وبداية المجتهد لابن رشد ج1 328
5- المدونة الكبرى ج 2 ص 24 , سبل السلام ج 4 ص 49
6- ” الجامع لأحكام القرآن ” للإمام القرطبى , دار الكتب المصرية الطبعة الثانية تحقيق أحمد البردونى وإبراهيم أطفيش , تفسير الآية 25 سورة الفتح
7- الطبرى كتاب الجهاد والجزية وأحكام المحاربين ص 8
8- الطبرى كتاب الجهاد والجزية وأحكام المحاربين ص 8,7
9- قواعد الأحكام فى مصالح الأنام ج 1 ص 95
10- روضة الطالبين وعمدة المفتين ج 10 ص 246
11- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ج 10 ص 151
12- الخلاصة فى أحكام التترس ص 30 على بن نايف الشحود ط1 سنة 2011م
13- أنظر الموسوعة الفقهية الكويتية ج 4 ص 217
14- كتاب المستصفى ج 1 ص 296