فعل الروح (1- 2)

في أزمنة بعيدة كان هلاك بعض الأمم نتاجاً لعدم مراعاة الضوابط الحاكمة في المسألة الجنسية، أما في عصر (الجندر) و(الصورة) فقد صارت هذه الحاجة الإنسانية مرادفةً للرغبة والشهوة، لذلك لن يكون من المستغرب أن يخنق الزنا والخيانات والتحرش والإغتصاب مجتمعاتنا، في ظل ذلك القصف الجندري تحت شعارات الحرية والمساواة، بينما هو يستهدف في الحقيقة كلمات العرض والحياء والعفة للرجل والمرأة.. والحب والجنس ذاتهما!.

إن الميل العاطفي ليس جريمة، إنما المرفوض في الفطرة هو تلك الشهوانية المفتوحة بلا ضوابط، التي تعقبها الآلام والعواقب الوخيمة، فردياً وأسرياً ومجتمعياً،، فإذا كان المراد من العلاقة بين الجنسين استمرار الحياة، فإن ذلك لا يكون إلا بتنظيمها، كي تكون أداة بناء وعامل استقرار.

العشق والزنا
إن داء العشق يمكن علاجه، بالزواج أولاً ففي حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): “لم نر للمتحابين مثل النكاح”، وقبله غض البصر والتعرف على نتائج هذه العلاقة المضرة بالنفس والمجتمع، مع إستشعار المرء السوي أنه لا يرضى ذلك لأخته أو لأحد من ذويه، وصدق القائل: عفوا تعف نساؤكم.

ولقد حرم القرآن الكريم الزنا في قوله تعالى: “َولَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا”، (الإسراء، 32). أما حد (عقاب) الزنا الفاحشة، ففي الآية “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ…” (النور، 2).

إن الزنا يعتبر من الكبائر التي تهدد الأمة بالاختلاط في الأنساب والأموال، وقد تم تغليف هذا الخطر الاقتصادي بمقصد الحفاظ على العرض، والعرض أحد مقاصد الشريعة إلى جانب الحياة والدين والعقل والمال.
وتخلق العلاقة الجنسية قبل الزواج أمراضاً بدنية واضطرابات نفسية، وتجمع رفقاء السوء، كما أدت إلى ظاهرة مخيفة هي (الأطفال مجهولي الأبوين)، الذين يعانون في التربية والتعليم ونظرة المجتمع والزواج، وليس لهم ذنب، والأفضل حظاً منهم هو من يعيش في “الأسر البديلة”، التي تعطى الطفل مجهول الأبوين حقوقه من الرعاية، وفرصة عيش حياة كريمة.

الخيانة الزوجية
إن الحب بين الزوجين ضرورة، فلا توجد حياة زوجية سعيدة بدون الحب، والكثير من الأزواج، الذين يفتقدون لوجود الحب في حياتهم الزوجية وتكون العلاقة بينهم هي مجرد رغبة جنسية، لا يفرقون بين الحب والرغبة الجنسية.
وخلصت دراسة كندية إلى أن الأشخاص السعداء في علاقاتهم العاطفية، أقل استجابة للمغريات الخارجية، وأجريت الدراسة على رجال ونساء عرضت عليهم مجموعة صور لأشخاص وطلب منهم تقييم درجة جاذبيتهم بشكل عام ثم عرضت عليهم مرة ثانية مع إخبارهم أن هؤلاء الأشخاص في الصور على استعداد للقائهم بشكل شخصي.
وقد ورصد العلماء تراجعا في تقييم درجة جاذبية أصحاب الصور، من قبل الرجال والنساء الذين يعيشون في علاقات زوجية مستقرة وسعيدة، وخلص العلماء إلى أن الأشخاص السعداء في الحب يمتلكون آلية حماية طبيعية تمنعهم من الوقوع في فخ الخيانة الزوجية.

وفي دراسة أخرى على الزيجات طويلة الأمد، وجد أن السلوكيات التي يعبر فيها الزوج عن الحب والعطف كالقبل والحضن والمداعبة، ترتبط بزيادة درجة الرضا الجنسي لكلا الزوجين، فإذا ما عبر الشريكان عن الحنان المتبادل مثل العناق وتشابك الأيدي، كان ذلك مؤشراً لعمق الحب بين الزوجين في العلاقات بينهما، ربما تفوق أهمية الجماع.
لكن الزواج يتعرض لمشكلات كثيرة في مقدمتها الخيانات وتعدد العلاقات، مما يعكس عدم الوفاء والإخلاص، ويوفر كلاً من العصر الرقمي والدراما التلفزيونية والسينمائية فرصاً هائلة لهذه الخيانات!.

وفي هذا الإطار قام المجلس القومي للمرأة بمصر بتحليل الأعمال الرمضانية 2018م (29 مسلسلاً)، ولاحظ تقرير المجلس ارتفاع عدد القضايا التي تخص المرأة والتي تمت مناقشتها في المسلسلات المقدمة إلى 20 قضية، هي: المشاكل الأسرية، عنف ضد المرأة، قضايا عمل، تربية الابناء، قضايا تمكين المرأة، التحرش، مشاكل الصحة، قضايا التمييز، الثأر، الإجهاض، مشاكل قانونية قضائية، التعليم، الطلاق، المخدرات، ابتزاز المرأة، تعدد الزوجات، الزواج بالاجبار،عدم تحقيق الامان والخيانة الزوجية وأخيراً أعمال السحر والدجل والشعوذة بالإضافة إلى الجماعات الارهابية وتأثيرها على المرأة والأسرة المصرية بصفة عامة.
وأكد التقرير أن الدراما الرمضانية تحرض على “الخيانة الزوجية” وتبررها درامياً في كثير من الأحيان، تحت مسمى الحب مما يجعل المشاهد يتعاطف مع هذه الشخصيات وهذا يمثل تهديداً واضحاً لقيم وأخلاقيات المجتمع المصري.

ميثاق غليظ
أعلى القرآن الكريم من قيمة الجنس في حياة الناس، ودفع إليه -عبر مؤسسة الزواج – وحث عليه “انكحوا الأيامى منكم والصالحين”، بل إن مصطلح “النكاح” -الذي هو فعل الجنس- صار يعني في الاسلام “الزواج”، مما ينبئ عن وضوح اللغة والمشرع في تناول الجنس خالصا -هذا التناول- من أي إدانة أخلاقية، ويجعل الزواج في نفس الوقت ميثاقاً غليظاً بالمفهوم القرآني، الذي يقوم على المودة والرحمة، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

كما تسمو السنة المطهرة بالجنس، وتنظر إليه نظرة فطرية واقعية، وتعرضه في إطار من الطهر والعفاف الذي يجمع بين الجانب الدنيوي (المتعة الجسدية) وبين الجانب الديني (التعبدي)، كما ورد في الحديث الطويل الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه وجاء فيه: ” … وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” رواه مسلم

ولم يكتف علماء الإسلام؛ ومنهم على سبيل المثال الإمام جلال الدين السيوطي (911هـ/1505م) بإفراد بعض الكتب للحديث عن الجنس، وإنما تحدث السيوطي بالتفصيل عن “الحركات الجنسية” أي الوضعيات المختلفة في ممارسة الجنس، وقد عرضها بجرأة ولكن في إطار من الحياء؛ فأورد نحو (900 مصطلح) للتعبير عن الممارسة الجنسية، انطلاقاً من ثقافته الإسلامية التي تنظر إلى الجنس نظرة واقعية باعتبار الجنس فطرة مباحة.

وأمام ما يجري في مجتمعاتنا من ظواهر تفارق توجيهات الأصول المنزلة، فقد حان الوقت لكي نحرر كلمات الحب والجنس من سطوة الجندر والصورة.. ولكي تستعيد حياتنا ومجتمعاتنا قيم (دين الحياء).

بواسطة
حمدي عبد العزيز - مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق