كورونا يغير الواقع، ويكشف حقيقته..
اللحظة التي يعبرها العالم اليوم بالغة التأثير عميقة الأثر، وسوف تُدخل التاريخ نقطة تحول جذرية، تؤسس أنماطاً جديدة، وتعزز أخرى موجودة بالفعل في عوالم الاجتماع والاقتصاد والسياسة.
تأثير فيروس كورونا الصحي سوف يزول مع الزمن، وسوف تتجاوز البشرية خطره كما تجاوزت أوبئة وطواعين وحروبا سابقة، لكن الأثر الذي ستتركه كل هذه الإجراءات الكونية ضد الفيروس لن يزول بنفس السرعة، وبعض تأثيره سيستمر في حياة البشرية أزمنة طويلة.
الواقع الذي نعيشه اليوم لم يسبق له مثيل من حيث تواصل العالم دولاً وأفراداً واعتماد الناس على بعضهم البعض، فالاقتصاد العالمي المتداخل، والتكنولوجيا العالمية التي تصل الكوكب ببعضه، صنعتا واقعاً لم تشهده البشرية من قبل.
العولمة هذه فريدة في حجمها وقوة تشابكها، ولم يشهد لها العالم مثيلًا منذ أن أسس الإنسان القديم تجمعات بشرية قبيل الثورة الزراعية منذ عشرة آلاف عام، وكورونا يضرب اليوم في صميم هذه العولمة، ويعصف بـأساسها الذي حسبته البشرية صلبا عصيا على الاهتزاز.
لقد كشف فيروس كورونا عن عجز عالمي غير متوقع في محاربته كوباء وقد ظنت البشرية أنها قد تجاوزته، لأننا احتفلنا جميعا منذ عقود من الزمن بأن الإنسان قد انتصر، واستطاع أن يهزم الأمراض والأوبئة والطواعين، ووضع لها حداً بل وأزاحها من قاموسه.
يوجد تيار تفاؤلي خاصة عند أولئك الذين يفاخرون حتى اليقين بعالم العلم والتكنولوجيا، لكن تبين لنا أن البيولوجيا ما زالت تعود مرة أخرى لكي تُثبت عجزنا وضعفنا، وأن الإنسان كما وصفه الله سبحانه وتعالى خُلِق ضعيفًا، ويقف عاجزًا أمام فيروس لا يمكن أن يُرى بالعين المجردة.
هذه الحالة من العجز لابد أن نركز عليها قليلًا، لا لكي نجلد ذواتنا، ولكن لأن كل حدث كبير يحمل عبرة كبرى للإنسان، يزداد حجمها وعمقها مع زيادة أهمية الواقعة أو الابتلاء.