لماذا لا يهدي الله الناس جميعا..؟

فى ظل هذه الصراعات والاضطرابات الفكرية والنفسية,تكثر الأسئلة ويبحث الناس عن مرشد لهم ليجيب عن تساؤلاتهم ويرسم لهم طريق النور والسعادة, ليزدادوا يقيناً ومعرفة بأمور دينهم الحنيف ,وحتي لا يضلون الطريق ويصدقون كل مايقال أو يكتب كذباً وبهتاناً على الله ورسوله,لذا وجب على الناس أن تسأل عما أشكل عليهم وتختار أهل الثقة ممن جعلهم الله مصابيح هدي ونور لهذه الأمة لتطمأن قلوبهم وعقولهم,فمن رحمة الله تعالي بنا أن وفق الله تعالي شيخنا ومفكرنا الأستاذ الدكتور محمد داود إلى إعداد سلسلة حلقات علمية بعنوان لماذا؟ تعرضها المؤسسة الدعوية(مشكاة نور) على قنواتها عبر الإنترنت ,وتعرض أيضاً عبر صفحات شيخنا العلامة رضوان الله عليه وعن كل مجتهد مصلح فى هذه الأمة المحمدية المرحومة إن شاء الله تعالي.

فمن بين هذه الحلقات كان السؤال الهام لماذا لا يهدي الله الناس جميعاً؟وهو القائل فى كتابه العزيز(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(سورة السجدة13)

أوضح الدكتور محمد داود فى إجابته على هذا السؤال أن كلمة الهداية فى القراّن الكريم ينبغى أن نقف على المعنى الصحيح لها,لأنها-كلمة الهداية- لها معنى حين تسند إلى المخلوق,وكلمة الهداية لها معني حين تسند إلى الخالق.

حين تسند إلى المخلوق يبين الله أنها تعني الإرشاد والبيان والدليل ,مستدلاً على ذلك بقوله تعالي:( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)(سورة النحل16) يعنى فى الصحراء فى عرض البحار والمحيطات ,السفن تهتدي بالليل بالنجم ,لتعلم الجهات وكيف تسير؟.ويقول تعالي: وجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا(السجدة 24) أى يرشدون الناس يبينون للناس.وقوله فى حق النبي صلي الله عليه وسلم: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(سورة الشورى 56) يعني ترشد وتوضح وتبين للناس.

إذن الهداية حين تسند إلى المخلوق إلى الناس إلى النجم إلى الأئمة فهي بمعني الإرشاد والدليل والتوضيح ,لكن الهداية حين تسند إلى الخالق ,فلها معني اّخر يتناسب مع جلال الخالق وطلاقة قدرة الخالق,يكون معناها التوفيق والإعانة .فالهداية فى قوله تعالي: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)(سورة السجدة13) بمعني التوفيق والإعانة من الله قال تعالي: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(سورة الفاتحة 6) أى وفقنا وأعنا
إذن هناك هداية السبب وهداية التوفيق,وأبان شيخنا الفرق بينهما بطريقة سهلة وميسرة على الجميع من خلال ضرب مثال يوضح الفرق بينهما ,فيقول: أنا أضرب لك مثلاً ,لو أنني أسأل عن عنوان مؤسسة ما ! فسألتك فأرشدتنى أن أسير يميناً ثم يساراً ثم الإستقامة إلى أن أصل بعد كليو مترات إلى هذه المؤسسة,فأنا قد أنجح فى اتباع هذا الهدي وقد لا أنجح! لكن هذه هداية الإرشاد تبين لى السبب.

أما هداية التوفيق والإعانة فأنا أسألك أين عنوان هذه المؤسسة؟فقلت لى :تريد أن تذهب إلى هناك,قلت لك:نعم,قلت لى:اركب معي ,فأوصلتني بنفسك ,أنت هنا أعنتني على الوصول كى لا أضل كى لا أتيه وأخذتني معك فى سيارتك حتى أوصلتني إلى هذه المؤسسة.هذا معنى التوفيق والإعانة.

وبهذا يتضح أن الله قد هدي الناس جميعاً ,والسؤال هنا كيف ؟ يجيب شيخنا قائلاً:حين أرسل االله الرسل حين بعث الأنبياء حين أرسل الكتب,حين أوجد فينا عقلاً ,فقد هدانا هداية السبب والبيان ,فمن أخذ بهداية السبب واتبع الرسل واتبع الكتب ,ما الذى يحدث ؟يمن الله عليه بهداية التوفيق واستدل فى ذلك بقول الله تعلى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ(سورة محمد17) ويقول تعالي : وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا(سورة النور54)أى توفقوا وتعانوا من الله تعالي.

وجاء فى نهاية حديثة الماتع موضحاً أن الأية الكريمة بينت أن العصاة لم يخرجوا عن قدرة الله سبحانه وتعالي,وأن الله لو شاء لهدي الناس جميعاً بمعني لجعلهم مسخرين كالشمس كالقمر لا اختيار لهم ,لكن إرادة الله شاءت أن تجعل الإنسان كائناً حراً مختاراً ,أنت لك الحرية أنت لست مسخراً ,أنت تختار الطاعة أو المعصية ,بشرط أن تتحمل مسؤلية اختيارك ,ولذلك قال تعالي: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (سورة البقرة256) لا بد و أن يقوم على الإختيار وأن تتحمل مسؤلية اختيارك .

فهلا رحم الإنسان نفسه واختار سبل الطاعة, ليفوز بمعونة الله والتوفيق ,الإنسان الذى لايلتفت إلى اللافتات التحذيرية مثلاً (منطقة غرق) أو هذه( منطقة ألغام) لا تقترب! لكنك لم تتبع واقتربت فحدث الهلاك والتدمير ,من الملام؟ الملام أنت, ,لأنك لم تتبع هذه الإرشادات.فالإنسان حين يسئ إلى نفسه ينبغي أن يتحمل مسؤلية هذه الإساءة ,قال تعالي(كَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)(سورة الكهف 54) الله هدى الناس جميعاً ,بإرسال الرسل ,بعث الأنبياء ,بإنزال الكتب السماوية ,فمن اتبع هديه منحه هداية التوفيق والإعانة .

هكذا أجاب إمامنا رضوان الله عليه على السؤال بالأدلة النقلية والعقلية ليتضح المعني للقارئ والمستمع وحتى يزول الإشكال عنده ويدل الناس على طريق الحق والنور والمعرفة .

بواسطة
محمد حسن معاذ القاضي - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق