مبدعون فوق الركام
في مطلع العام 2018 ، ومع احتدام معارك ميدانية، وأخرى جوية شملت مدينة الحديده اليمنية، الواقعة غرب اليمن والتي تعد الأسوأَ حظا من بين أكثر المدن اليمنية، تضررا بالحرب والحصار تعيش اليوم أوجاعاً، أخرى لا تقل صعوبة عن استهداف المنشأت التعليمية والبنية التحتية، كانت في مقدمتها جامعة الحديده الواقعةُ في الأطراف الشرقية للمدينة، فيما تسبب القصف بتدمير كلية الهندسة الكيميائية، ما أضطرهم للنقل الى كلية الفنون الجميلة، وسط محافظة الحديده ،لكنها لم تتسع لهم وهو مادفعهم إلى أن يفترشوا باحات الكلية، وتحت ظل الأشجار وعلى جنبات أسوار الكلية، تتخذ لهم معامل تطبيقية ، وهكذا توالت الأزمات وتكالبت عليهم ظروفهم الخانقه .
فمن رحم المعاناه يولد الأمل، ومن تحت الركام برزت فكرة عبقرية، لتتخلص بطريقة ذكية من المخلفات البلاستيكية المكدسة بعضها فوق بعض _ ،والتي تنذر بكارثة وباء شاملة _ . أبطال هذه الفكرة هم طلاب في جامعة الحديده ،والذين عزموا على الإستفادة من هذه المخلفات الضارة بالبيئة عبر تدويرها إلى وَقُود ، فسطروا أروعَ ملحمة تكنولوجية، انطلاقا من الوعي الطلابي وغايته النبيلة تجاه الأرض والإنسان . وقال عبدالسلام الشدادي أحد الطلاب المشاركين ترتكز فكرة البحث على تحويل السلاسل الهيدروكربونية الطويلة الموجودة في البلاستيك إلى سلاسل قصيرة تتصاعد على هيئة أبخرة تُكثَف لاحقًا. وتُجرى عملية التحويل باستخدام التكسير الحراري المحفز بإضافة عوامل تحفيز معينة، مع إضافة مواد أخرى متفحمة تدخل في عدة استخدامات، مثل تنقية المياه وإزالة الروائح والألوان وغيرها.
وبعد أن دخلت الحرب عامها الخامس، وسط معارك راح ضحيتها العشرات، و نتج عنها الويلات حتى أمسى الموت أشبه بحكايات عادية، يصغي إليها الأطفال قبيل نومهم ، لكن ما قام به الطلاب هو سلوك ملهم و نافع و متمير ، حين يقررون صناعة الفكرة وتطويرها ، متكئين على تجاربهم الناضجة ومجسدين على الدوام روح الفريق الواحد، فيما شأنه تقديم الحلول البديلة في زمن تناثر الأشلاء .
وأضاف الشدادي واجهتنا ظروف كثيرة قمنا باستخدام أبسط الإمكانات ولم نتمكن من شراء فرن كهربائي لتنشيط العامل الحفاز ومن هذا المنطلق ادركوا أن المعاناة تولد الإبداع و الحاجة أم الإختراع ، ومن منطلق هذه المعاني تزودت المعنويات بذخائر الأمل ، فكانت مبادرة الطلاب بهذه الفكرة وجهود خمسة طلاب في كلية الهندسة الكيميائية ، مبادرة متألقة بكل معنى التألق والذي أعجب بها عميد الكلية ، مثمنا تفاعلهم الواعي ، وحضورهم بدافع حرصهم وشعورهم النبيل نحو جامعاتهم ، مستطرداً بأهداف الجامعة السامية بأبعادها وغاياتها المشتركة ومشاريعها التنموية التي تخدم المجتمع ككل .
وقال الدكتور قائد الشرعبي المشرف على البحث لوحظ في السنوات الأخيرة معاناة محافظة الحديده من مشكلتين أساسيتين: الأولى؛ انعدام الوقود وارتفاع أسعاره وبالأخص مادة الديزل، والثانية؛ تكدس المخلفات البلاستيكية والنفايات في عموم شوارع المحافظة، فوفقًا للإحصائيات تُنتِج محافظة تعز 2طن أسبوعيًا من النفايات البلاستيكية
وهكذا تمكن هؤلاء المبدعون من استخراج الوقود من النفايات، لا سيما مع تكدس القمامة في شوارع المدينة ،فيما كانت أزمة المشتقات النفطيةِ الموجودة في عدد من المحافظات اليمنية، ومنها الحديده هي الدافع الأساسي في هذا الإبتكارِ، الذي قدمه طلاب كلية الهندسة الكيميائيةِ في جامعةِ الحديده ، وإستخراج الوقود من النفايات البلاستيكية، لكي يتم الإستفادة منها في الحياة اليومية و لإيجاد بيئة نظيفة.
و هذا قد كلف هؤلاء الطلاب الكثير من الوقت والجهد ، وبجهود ذاتية من الطلاب و رغم الصعوبات التي واجهها الطلاب، و منها عدم توفر الأدوات المساعدة لتنفيذ الفكرة، و بساطة الأدوات المتوفرة ، و قد اضطرهم هذا لإستيرادِها من خارج البلد وبصعوبة،ناهيك عن تدمير الكلية بما حوته من معدات وادوات ،كانت ستخفف الكثير عليهم من أعباء المشروع . وقال اسامه النابهي أحد الطلاب المشاركين إن المكونات المستخدمة في المشروع بسيطة جدًا، وتتألف من اسطوانة غاز، وفرن للتفاعل، ومقياس للضغط والحرارة، ومكثف بالإضافة للعامل المحفز، أما الغاز المتصاعد فيُحرَق في الهواء لعدم وجود إمكانية لتعبئته .
ومن خلال هذه النتيجة، ادرك الطلاب أنّ الإنكسار لأي ضروف قاهرة، هي هزيمة تجلب الخزي والعار ، فـهم طلاب من شعب أبي لا يندرج في قاموس حياته الإستسلام، و لا في مخزون مفرداته مصطلحات اليأس والخيبة والإنهزام ، فليس له سوى معنى الكفاح ذي البأس الشديد، تؤازره صرير الأقلام الخالدة، نحو قضية العلم النافع الماثل في أعينِهم ،و الذي يلخص حلمَ الوطن الذبيح، على امتداد ساحة الجغرافية و مسرح التأريخ .