ملف الصحراء.. بين الأزمة و الإنفراج

الحديث عن أزمة الصحراء المغربية في عمقها التاريخي، يحيلنا بالضرورة على العديد من الأزمات التي مرت بها القضية، فالعديد من المفاهيم والنظريات كانت صعبة الاستيعاب عند مغاربة القرنين 18 و 19 الميلادي، وخاصة في فترة ما سمي “بالصدمة الإمبريالية”.

فنحن مازلنا ولحد الآن نضع هذه المفاهيم محط جدال بين مفكرينا وعلماءنا المعاصرين في زمن العولمة والتكنولوجيا. فعلى سبيل المثال يسعى المفكر عبد الله العروي وهو يقربنا من العديد من المفاهيم، كمفهوم الإيديولوجيا، مفهوم الدولة، مفهوم الديمقراطية، مفهوم التاريخ…. إلى دق ناقوس الخطر ليستفيق العرب من سباتهم العميق و يستوعبوا عالما ينمو و يكبر من حولهم يحمل من التحولات المفاهمية والنظريات الفكرية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية ما يعجز العقل على استيعابه.

فالمغاربة قبل وإبان الإستعمار الفرنسي، لم تكن لهم رؤية واضحة فيما يخص مفهوم الدولة كرقعة جغرافية لها حدودها و سيادتها و نظامها و مؤسساتها، وفي غياب هذا المفهوم، أجبر المخزن المغربي على التوقيع على معاهدة للامغنية سنة 1845م لرسم الحدود المغربية الجزائرية مع فرنسا ، فكانت بمثابة السم القاتل الذي قدم على طبق من ذهب، فالمعاهدة رسمت الحدود الجزائرية-المغربية في جزئها الشرقي الشمالي، وامتدت من قلعة عجرود إلى تنية الساسي، ولم تتناول الجزء الشرقي الجنوبي بدريعة أن المنطقة لا تتوفر إلا على أراضي جافة وقاحلة، لكن سرعان ما انتقلت إليها فرنسا لضمها إلى التراب الجزائري (تيديكلت و عورارة و زاوية الركان و توات و بشار و الساورة و تندوف)؛ بعد ذلك ستتمكن فرنسا من اخضاع موريتانيا لنفوذها الإستعماري وفصلها بصفة نهائية عن التراب المغربي، وبالتالي محاصرة المغرب من الجنوب.

لكن و بعد استقلال المغرب سنة 1956م سعت فرنسا لتأسيس لجنة مغربية- فرنسية الهدف منها تسوية النزاع حول الحدود المغربية- الجزائرية، و قد رفض المغاربة ذلك بدعوى أن الخلاف على الحدود يجب أن يسوى مع الحكومة الجزائرية المستقلة، وهم بهذا الرفض أرادوا أن يظهروا للمستعمر الفرنسي وللعالم بأن قضية الإستقلال يجب أن تتم في اطارها الشمولي بغية الحفـاظ على بناء الوحـدة المغـاربية، الحلم الـذي اعترضته العديـد من المعيقـات بسبب المخلّفات الإستعمـارية و منها على وجه الخصوص الصراع على الحدود بين البلدان المغاربية.
موقف المغاربة في تلك المرحلة من التاريخ وصف بالموقف النضالي والإيجابي، والذي اجمعت عليه جميع القوى السياسية المغربية، هذا الموقف يجعلنا نفهم بأن السياسة في تلك الحقبة كان يحكمها منطق الحماس والعاطفة و تحقيق القومية العربية، ولم يكن يحكمها منطق المكيافليللي “الغاية تبرر الوسيلة”.

إن المصلحة السياسية في تلك الفترة من تاريخ المغرب كانت تقتدي الجلوس إلى طاولة الحوار مع الفرنسيين والحصول على اكبر عدد من المناطق الحدودية المغربية–الجزائرية، وبعد ذلك يمكن التفاوض مع الأشقاء الجزائريين.

إن البحث عن الحلول الكفيلة بإخراج المغرب من هذه الوضعية التي طال أمدها يحيلنا على مخلفات دبلوماسية كانت عاجزة على ترويج ملف الصحراء في المحافل الدولية بالشكل المطلوب، و على أحزاب و جمعيات كان يحكمها منطق الحماسة والانفعال والفجائية، إننا نقيم زوبعة سرعان ما تخمد عندما يطل علينا أحد الأشخاص أو الهيئات أو الدول برأي يدعم أطروحة البوليساريو.

لقد آن الأوان أن نتعامل مع قضية الصحراء والوحدة الترابية بالجد والحزم والصلابة والندية، فملف الصحراء يجب أن يخرج عن المعالجة الكلاسيكية كقضية مركزية لا تلامس عموم الشعب، وخاصة أن قضية الوحدة الترابية في المرحلة الحالية أصبحت تنعم بإجماع شعبي قل نظيره في الماضي القريب عندما كانت بعض الأحزاب اليسارية و الإسلامية الراديكالية تخرج علينا ببعض الآراء المتعصبة، والتي كانت في عمومها تدعم أطروحة البوليساريو دون وعي منها.

إن ملف الصحراء اليوم هو ملف كل المغاربة بامتياز لذلك وجب استغلال هذا التوافق الشامل حول قضية الصحراء بأكبر قدر ممكن لمواجهة أعداء وحدتنا الترابية.

فالمغرب اليوم مطالب باستثمار موقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعم لقضية الصحراء بحيث أن الكونغرس الأمريكي و من خلال قانون الميزانية الأمريكية برسم سنة 2019، و الذي صادق عليه الرئيس دونالد ترامب، أكد على أن الإعتمادات المخصصة للمغرب تحت الفصل الثالث يمكن استخدامها أيضا للمساعدة في تنمية الصحراء، كما أبرزت وزارة الشؤون الخارجية الأمريكية في بلاغ لها أن السلطتين التنفيذية و التشريعية تتفقان على اعتبار جهة الصحراء جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية.

و لتدعيم موقف المغرب وجب البحث على حلفاء وشركاء خارج منطقة الحلفاء التقليديين لتحقيق الموازنة الدبلوماسية والسياسية و الإقتصادية، كما أنه على الدبلوماسية المغربية المراهنة على دول المحيط الهادي كحليف استراتيجي وكقوة اقتصادية صاعدة (الصين ثاني قوة اقتصادية في العالم، اليابان ثالث قوة اقتصادية في العالم، كوريا الجنوبية خامس عشر قوة اقتصادية في العالم…) و كثلة بشرية استهلاكية ومنتجة جد مهمة (الصين 1مليار 360مليون نسمة، اليابان 128مليون نسمة، كوريا الجنوبية 48مليون نسمة…)، أيضا موقف الولايات المتحدة الأمريكية من ملف الصحراء المغربية يجب أن نقرأه من خلال التغييرات الأخيرة التي خلفتها إدارة الرئيس دونالد ترامب و الكونغريس الأمريكي و أيضا صعود الرئيس الجديد جو بايدن.

إن معطيات اليوم حول ملف الصحراء تجعلنا نتعبأ من جديد في اطار عام وشامل من أجل فتح حوار وطني يشمل كل المدن والقرى المغربية و كذلك الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بحيث نستحضر كل السناريوهات الممكنة لمواجهة أعداء وحدتنا الترابية داخليا وخارجيا، كما يجب على الدولة المغربية أن تواصل مسيرتها في توسيع مجال الحريات وبناء دولة ديمقراطية، تجعل من أولوياتها تعميم المنشآت التعليمية والصحية في كل التراب المغربي و تقوية البنية التحتية والتركيز على ترسيخ مفهوم المواطنة عند المواطنين وفي الإدارات والمؤسسات والإسراع بتفعيل مشروع الجهوية الموسعة…

إن عودة المغرب للإتحاد الإفريقي لم يكن بالأمر الهين لولا سقوط الرئيس السابق لدولة ليبيا معمر القدافي و التراجع الإقتصادي لدولة الجزائر بعد انخفاض ثمن البترول و الغاز الأمر الذي أضعف قدرتها على شراء ضمائر هيئات المجتمع المدني و رؤساء الدول الإفريقية و لوبي الإتحاد الإفريقي و رؤساء دول أمريكا اللاتينية، فقد عادت الكلمة اليوم للمغرب الذي أدرك بأن لغة الإقتصاد (رابح رابح) هي الجديرة بإرجاع مكانة المغرب إلى المنتدى الإفريقي و الدور الرائد الذي طبع كل تحركاته بالقارة السمراء عبر التاريخ.

لقد أحدثت عودة المغرب و بقوة إلى الإتحاد الإفريقي ارتباكا و صعوبات للجزائر و غريمها البولساريو، و خاصة عندما حقق المغرب العديد من المكتسبات منها الحد من القرارات التي لم تكن تخدم مصالح المغرب وقضيه الترابية، كما شجعت عودته إلى الإتحاد الإفريقي العديد من الدول الإفريقية و اللاتينية للإلتحاق بركب الصداقة المغربية و اعترافها بمغربية الصحراء.

إن هدفنا اليوم داخل الاتحاد الافريقي هو إعادة صنع القرارات لصالح قضية المغرب، الأمر الذي يجب أن تفطن إليه الدبلوماسية المغربية، فغايتنا ليس طرد البولساريو من الإتحاد الإفريقي، لأن هذه الغاية بعيدة المدى، و قد تكون مستحيلة، فالطرد ليس له تأثير مباشر على قضية الصحراء، فلا يجب أن نقع في نفس المصيدة التي وقعت فيها الجزائر و البولساريو اللذان أضاعا الوقت و المال و الجهد بدون الحصول على نتائج تذكر بعدما سيطروا و لعقود على الإتحاد الافريقي.

يجب على المغرب أن يحسم في ملف قضية الصحراء و ذلك بالحصول على دعم كل الدول الإفريقية للمقترح المغربي، و يفكر في آليات ناجعة لربح الرهان من خلال طرح برامج لتنمية إفريقيا و تحقيق الأمن و محاربة الهجرة غير الشرعية، و تفعيل كل الاستراتيجيات و البرامج من أجل مغرب منسجم مع أبنائه ومع كيانه، و أن نجعل من المغرب قبلة سياحية لكل الدول الخارجية بسبب ما ينعم به من الاستقرار والأمن.

وأكيد أن الديمقراطية ستنتصر على كل أعداء الوحدة الترابية لينعم المغرب حينها بتاريخه المشرق في ضل ملك همام و وحدة ترابية من طنجة إلى الكويرة.

بواسطة
محمد الغوفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق