هل التشاؤم صفة وجودية في البشر؟

الإجابة سأتركها لكم بعد قراءة هذا المقال ، ولكن ربما تُغير وجهة نظرك قليلاً في رؤيتك للأشياء وتشاؤمك ؛ لذا أنا أدعو الجميع أن يتشارك معي رحلة البحث والتعمق والتفكير ، ويُحلق معي في رحلة المعرفة التي ستجعلنا نحتاج إلي زيارة بعض الأماكن وبعض الأزمنة لنتحقق من ما إذا كان زماننا بالفعل هو الأسوأ علي حد تعبير البعض وأننا الأقل حظًا والأكثر تعثراً عن السابقين ، أم أن الحقيقة أن البشر من طباعهم السخط وعدم الرضا الدائم والتشاؤم والإحباط.

هيا فلنبدأ رحلتنا في البحث عن الحقيقة …..
منذ بدء الخليقة هل لنا أن نتخيل كيف كان يحيا الإنسان البدائي ؟ ونقارن بين حياته وبين مانحن عليه اليوم مع كل وسائل الراحة وكم التطور التقني وماوصلنا إليه من التقدم في كل شئ ، أتصور أنه مجرد تخيل كيف كان يأكل الإنسان قبل إكتشاف النار وأين كان يختبأ من البرد القارس وماذا كان يرتدي وكيف كان يوفر غذاءه ويحمي نفسه من الحيوانات المفترسة فهذا كافٍ لنعرف من مناحياته أفضل من الأخر؛ نحن أم الإنسان البدائي
يبدو الأمر ليس بالسهل أن نتخيل تلك الحياة ، لا بأس دعنا نقفز سريعاً إلي حقبة ليست بالبعيدة وهي تلك التي سبقت عصر الهواتف المحمولة والإنترنت، والأجهزة الحديثة من (غسالات أوتوماتيك، وثلاجات ، وديب فريزر ،وغيرها من وسائل الراحة ) ومعظمنا عاصر تلك الحقبة ألم تكن الأعمال المنزلية أكثر صعوبة بالنسبة للمرأة؟ ألم يكن التواصل مع الآخرين غاية في الصعوبة؟ ألم يقرب الهاتف المحمول والإنترنت بين الناس؟

حسناً أتوقع الرد بأن الإنترنت قرب البعيد وباعد ما بين أفراد الأسرة الواحدة وتسبب في حالة من البرود الأسري والصمت وقلة تواصل بين الوالدين والأبناء والعكس ، وأننا كنا سعداء أكثر سابقاً ؛هناك لغط وخلط في الأمر فليست المشكلة في الانترنت وإنما في من يستخدمه بطريقة خاطئة ويُفرط في إستخدامه والحقيقة أنه لولا أن الإنسان بطبعه جهول ظلوم ولديه الاستعداد للخطأ لما وقع في فخ تأثير الإنترنت .

نتطرق إلي موضوع أخر وهو النظرة التشاؤمية تجاه الأخلاقيات وما يُقابلها من التدني والإنحطاط وأن القيم فسدت والأخلاق ضاعت وملابس الشباب والفتيات سيئة جدا ، أتصور أن هؤلاء أصحاب النظرة السوداوية بالطبع لم يُشاهدوا أفلام الثمانينات والسبعينات علي سبيل المثال فيلم(أنف وثلاث وعيون) الفيلم الذي يعكس شكل المجتمع في تلك الحقبة ويعبر عنه (كان الفيلم يرصد إنحلال أخلاقي وفساد جسدته ميرفت أمين التي صورت دور الفتاة المنحرفة وأصدقائها بملابسهم العارية وقصات شعرهم الغريبة وحالة الإبتذال ) ولا شك أن الأفلام ترصد واقع المجتمع في كل عصر كما تفعل أيضاً الأعمال الأدبية والروايات ؛ تحديداً من يقرأ في روايات الراحلين يجد مدي الإنفتاح والتغير الجذري في المجتمع والتأثر الشديد بالغرب ، فبالمقارنة بين الحاضر والماضي نجد أن الأفضلية للحاضر كمظهر وملابس ، أما بالنسبة للفساد ،

ألم يتحدث القرآن الكريم عن الأمم السابقة “قوم لوط وشذوذهم، قوم ثمود وطغيانهم ، قوم صالح وكفرهم ، قوم شعيب وغشهم في الميزان إلي جانب الكفر ، قارون وغروره ، وقوم نوح ، قوم عاد، و اليهود وقتلهم الأنبياء ……….الخ”من القصص التي ورد ذكرها في القرآن و سجلها التاريخ بما فيها من تشابه بين الحاضر والقرون الماضية ، ألا يوجد تشابه بين قارون وملوك وزعماء اليوم في حبهم للدنيا والبزخ والتباهي والغرور ؟وهل الجرائم والفساد وليدة عصرنا هذا أم هي موجودة منذ أن خُلق أدم عليه السلام ؟ بل إن العصور الوسطي كانت أشد تنكيلاً وبغاء وكانت تتفنن في أساليب ووسائل التعذيب والقتل ولك أن ترجع إلي بعض المراجع التاريخية التي تحدثت عن ذلك ، وأما بالنسبة للغلاء فالبتأكيد الأمر لن يكن أسوأ من الشدة المستنصرية في مصر في عهد المستنصر فقد وردت بعض الروايات عن أنه من شدة الجوع كان يأكل الناس بعضهم البعض وكان يشتري الناس القليل من الدقيق بأغلي الجواهر وبكل ما يملكون من مال ، وفي السابق كان يموت الناس من الأوبئة ولكن بفضل الله تقدم الطب والأمراض التي كانت خطيرة وقاتلة سابقاً الأن لها علاج وأقرب مثال مرض فيرس سي الذي كان يُعد مرضاً خطيراً الأن يعتبر مرض لا يشكل تهديداً أو خطراً وعلاجه متوفر ، ومرض السرطان له علاج وكثير من المرضي يصلون إلي مرحلة الشفاء التام بفضل الله.

كل فعل وظاهرة وحدث يحدث اليوم ليس بأمر غريب أو مستحدث وإنما هو موجود بالفعل منذ بدء الخليقة فأول جريمة قتل علي وجه الأرض كانت قتل قابيل لأخيه هابيل بدافع الغيرة والحقد فالدوافع واحدة قديمًا واليوم ولكن الطرق مختلفة فقابيل قتل أخيه بطريقة تناسب بدائية زمانه وأما اليوم تطورت طرق القتل كما تطور كل شئ ولكن الإنسان بدوافعه وتركيبته التي تحوي الخير والشر و الضعف تجاه المغريات والميل إلي المعصية والذنوب لم يتغير كما يظن البعض ، فكل جيل يتحدث عن الجيل الذي يليه بنفس الطريقة ويري أنه كان الأفضل ويترحم علي زمنه الأفضل من وجهة نظره…

ملخص القول ؛اليوم والغد متشابهان والإنسان هو الإنسان بكل صفاته وتركبيته ودوافعه التي لم تتغير ، والزمان لا يصح أن نقول أنه يتغير فإنه ليس شئ مادي ملموس وإنما هو مجرد فلا يصح التعبير بمصطلح تغير الزمان فهو ليس إلا وقت زمني وليس أكثر ، لذا فيجب أن نعترف أولاً بأننا لا نشكر أبدًا وإنما نتشائم فقط ، لا نعترف بالنعم ونذكرها ولكن فقط نذكر المحن ، لا نذكر الإيجابيات وإنما نتحدث ونعول علي السلبيات علي الدوام ، الحقيقة أننا لا نعرف كيف نحمد ونشكر ولكن نعرف جيدًا كيف نشكو.

بواسطة
صفاء عبد الصبور - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق