أذريبجان.. التماثيل الملوثة بالرصاص
بقلم/ أفغان غفارلي _ صحفي أذربيجاني
تزخر مدينة شوشا الواقعة في منطقة كاراباخ في أذربيجان، بكنوز التراث المادي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر التماثيل النصفية التي تسمى “التماثيل المثقوبة”، التي نعتقد أنه لا يوجد مثيل لها في العالم، ويُعد ما وقع لهذه الآثار دليلا واضحا على سياسة التخريب التي نهجتها أرمينيا.
توجد حاليًا في الساحة المركزية لمدينة شوشا تماثيل الشاعرة خورشدبانو ناتافان والملحن عزير حاجبيلي والمغني بلبل، وهي شخصيات مشهورة في أذربيجان، ويبقى السؤال المطروح لماذا تم إطلاق النار على هذه التماثيل البرونزية؟
وفي وقت ما، كانت هذه الآثار تزين مدينة شوشا، المهد الثقافي لمنطقة كاراباخ، ففي 8 مايو 1992، احتلت القوات المسلحة الأرمنية منطقة كاراباخ، بما في ذلك مدينة شوشا. في ذلك الوقت، فتعرض كل شيء في مدينة شوشا للتخريب الأرمني. حيث قام الأرمن بتدمير ونهب المتاحف والآثار والمساجد والمراكز الثقافية والمقابر في شوشا. ولم تسلم التماثيل من هذا العمل التخريبي. ولم يكتف الغزاة الأرمن بقتل المسالمين، بل صوبوا أسلحتهم أيضًا نحو التماثيل والتماثيل النصفية للأذربيجانيين، ونتيجة لذلك، تم تخريب وثقب التماثيل النصفية لعباقرة أذربيجان الثلاثة في شوشا.
وتجاهل الأرمن متطلبات اتفاقية لاهاي الدولية بإطلاق النار وإهانة التماثيل، ويحتوي كتاب الصحافي البريطاني في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، المحلل توماس دي وال، عن كاراباخ على ملاحظات خاصة حول هذه التماثيل، وكتب المؤلف بأسف أن الأرمن انتقموا من التماثيل النصفية البرونزية لثلاث شخصيات ثقافية أذربيجانية في شوشا.
كان الأرمن طامعين في المادة البرونزية لتلك التماثيل، أخذوها أولاً من شوشا إلى يريفان عاصمة أرمينيا، ومن ثم إلى جورجيا من أجل صهرها وبيعها وكسب المال.
ولحسن الحظ، لفتت هذه التماثيل انتباه الأذربيجانيين الذين يعيشون في جورجيا عن طريق الصدفة. وقاموا على الفور بإبلاغ مؤسسات الدولة المعنية في أذربيجان بشأن الآثار، وفي عام 1993، وبمبادرة من رئيس جمهورية أذربيجان آنذاك، الراحل حيدر علييف، تم شراء تلك التماثيل بالمال وإحضارها إلى باكو ووضعها مؤقتًا في ساحة المتحف الوطني للفنون. يقول رافان حسنوف، المدير التنفيذي لمركز باكو الدولي للتعددية الثقافية، إنه في عام 1993، أنفقت حكومة أذربيجان 500 ألف دولار لإعادة “التماثيل المثقوبة” إلى باكو، وبطبيعة الحال، وصلت تلك الأموال إلى الأرمن، وكانت “التماثيل ذات الرصاص” في باكو من بين المعروضات التي جذبت انتباه السياح الأجانب لسنوات. وظلت “التماثيل الملوثة بالرصاص” آثارا نازحة في باكو من عام 1993 إلى عام 2021، في 18 سبتمبر من كل عام – يوم الموسيقى الوطني، تمت زيارة “التماثيل ذات الرصاص” في باحة متحف الفن. كما تم إطلاع الضيوف الأجانب الذين أتوا إلى أذربيجان وزاروا المتحف الوطني للفنون على “التماثيل المثقوبة”.
كانت هذه الأعمال الفنية التي تحن إلى شوشا، مثل أرواح خورشودبانو نتيفا وعزير حاجبيلي وبلبل، تنتظر اليوم الذي ستعود فيه إلى موطنها الأصلي كل عام… وأخيراً جاء ذلك اليوم.
في 27 سبتمبر 2020، أطلق القائد العام للجيش الأذربيجاني إلهام علييف شعار “إلى الأمام!” وبأمره بدأ حرباً مقدسة لتحرير الوطن من الغزاة، وفي اليوم الثالث والأربعين للحرب الوطنية – 8 نوفمبر، تحررت مدينة شوشا من الإحتلال. وانتهى انتظار الأذربيجانيين الذي دام 28 عاما، وعادت مدينة شوشا التي لها مكانة خاصة في التراث التاريخي والثقافي للبلاد. فأدركت أرمينيا أنها خسرت الحرب بعد تحرير شوشا، ورفعت العلم الأبيض أمام أذربيجان، واستسلمت ووقعت على وثيقة الاستسلام.
وبعد حوالي شهرين من انتهاء الحرب – في 14 يناير 2021، أعيدت “التماثيل المثقوبة” إلى شوشا باشراف ومشاركة مباشرة من الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وهكذا أزال القائد العام إلهام علييف الحجاب عن النصب البرونزي للشخصيات الثلاث الكبرى التي عادت إلى مدينة شوشا، وبذلك تمت استعادة العدالة التاريخية.
ولم تقم حكومة أذربيجان بترميم “التماثيل المصابة بالرصاص”، بل أبقتها كما هي حتى يتمكن كل من يأتي إلى شوشا، بما في ذلك السياح الأجانب، من رؤية آثار التخريب الأرمني بوضوح.
منذ عام 2021، تسعد أرواح الأذربيجانيين البارزين خورشودبانو ناتيفا وعزير حاجبيلي وبلبل. والآن أصبحت علامات الرصاص على كل من هذه الآثار دليلاً واضحاً على التخريب الأرمني للأجيال القادمة… ربما سيعرف العالم كله عن “تماثيل الشهيد” في المستقبل القريب…
ملاحظة : تم اعداد المقال من قبل الاتحاد الاجتماعي الذي يحمل اسم “مساعدة أصحاب الملكية الفكرية” وذلك بمساعدة وكالة الدولة لدعم المنظمات غير الحكومية لجمهورية اذربيجان.