أزمة الأفكار.. فى عالمنا العربى

يتعجب المتابع لحركة الأفكار فى عالمنا العربى من أمور عجيبة وخطيرة ؛ حيث تنتشر أفكار وتطمس أخرى بفعل فاعل وليس بطريقة عفوية !!
فمثلما يحدث فى عالم الأشياء :
من انتشار منتج معين فى السوق نتيجة الدعاية والتسويق المكثف .. مما يجعل المستهلكون يتهافتون عليه بصرف النظر عن مدى جودته التجارية !!
مع أن هناك منتجا آخر يظل راكدا فى السوق رغم جودته العالية ؛ لأنه لم يرزق الدعاية والتسويق الجيد .
يحدث هذا تماما فى عالم الأفكار :
فهذا كاتب أو مفكر أو أديب أو فنان متوسط الموهبة ولكن ورائه شركة دعاية كبرى ويمتلك علاقات بنقاد وصحف ووسائل إعلام جعلته نجما ذائع الصوت فى مجاله !!
وهذا كاتب أو مفكر أو أديب أو فنان عميق الفكر موسوعى المعرفة ولكنه يفتقد الدعاية وليس له علاقات وليس وراءه جماعة ؛ نجده يبقى مغمورا غير معروف وتطمس أفكاره ويحرم الناس من الاستفادة منها !!
وهناك نماذج عملية كثيرة لهذه الظاهرة فى عالمنا العربى :
فقد تم تلميع كتاب معينين وانتشار أفكار معينة رغم عدم صحتها وخطورتها على الدين والدنيا معا ؛ لا لشئ لأن هذا الكاتب ورائه تنظيم وجماعة تعمل على نشر كتبه وأفكاره وتلميعها !!
فهذا الأستاذ أبو الأعلى المودودى مؤسس الجماعة الإسلامية فى الهند .. تم طباعة كتبه ومؤلفاته بملايين النسخ فى عالمنا العربى عن طريق دور نشر ومواقع معروف إتجاهها الفكرى والسياسى .
رغم أن أفكار الأستاذ المودودى بها أخطاء منهجية خطيرة أودت بآلاف الشباب العربى وأدخلتهم فى نفق التطرف والإرهاب !!
فى حين أن هناك مفكرا كبيرا هو العلامة الهندى وحيد الدين خان ” 1925م ” حفظه الله
والذى أسس علم كلام جديد قائم على المعقولات القرآنية والكونية ؛ مستدلا بمعطيات العلم الحديث فى كتابه الأشهر ” الإسلام يتحدى ” .. وله تفسير ضخم للقرآن الكريم سماه ” التذكير القويم فى تفسير القرآن الحكيم ” يقع فى 3 أجزاء فيما يزيد على 3 آلاف صفحة والذى أصدره عام 1981م !!
ولكنه لم يقدم للشباب فى عالمنا العربى ولم تنتشر أفكاره رغم أصالتها وعمقها .
حتى أن كتابه الهام جدا ” خطأ فى التفسير ” والذى أصدره فى 1963م وينقض فيه أخطاء وأباطيل أبى الأعلى المودودى .. لم يترجم ولم ينشر فى حينه فى عالمنا العربى بفعل فاعل . وحتى بعد ترجمته للعربية بعد ٣٠ عاما بمجهود فردى ..
لم يتم التسويق والدعاية له بفعل فاعل بل تم طمسه والتعمية عليه بفعل فاعل !!
وهذا الأستاذ سيد قطب تم تصديره للشباب العربى على أنه المفكر والمفسر الفذ الذى لا يشق له غبار وطبعت مؤلفاته بملايين النسخ .
فى حين أن مفكرا عملاقا مثل العلامة عبد المتعال الصعيدى العالم الأزهرى والمفكر الإصلاحى الكبير .. لم تطبع كتبه ولم تنتشر أفكاره المضيئة والإصلاحية بفعل فاعل !!
هذه ظاهرة مؤسفة فى عالم الأفكار فى عالمنا العربى .. فمعظم رواد الوعى الحقيقى فى ثقافتنا لم يرزقوا الشهرة والمجد اللائق بهم فى حين يشتهر أصحاب الفكر المتشدد والمتزمت وكذلك أصحاب الفكر المنحل والإباحى على السواء .
من المسئول عن طمس آراء الرواد الحقيقيين وحجبها وعدم نشرها ؟!
لماذ لا تقوم المؤسسات الثقافية الرسمية فى عالمنا العربى بنشر أفكار هؤلاء الرواد , بدلا من ترك الساحة للتنظيمات المتطرفة والجماعات الهدامة .
سؤال مطلوب الإجابة عنه ؟!

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق