” الثقب الأسود ” الإقتصادي القادم… سيبتلع كل شيء
هي انجاز تحول الى نظرية , مقدمة دراسة “الثقب الاسود الاقتصادي” والتي توقعت بحدوث ازمة اقتصادية ومالية عالمية لا مفر منها مختلفة عن غيرها, والتي لا تشبه ابدا مثيلاتها من الازمات الكلاسيكية المتعاقبة والمتسلسلة عالميا , حيث احتكمت اليها العديد من الدول والحكومات والمؤسسات الدولية الكبيرة !!
أزمة مالية طاحنة تهدد العالم شبيهة ب” الثقب الاسود ”
قلما يعيش الوضع الإقتصادي العالمي حالة ” الهيستيريا ” التي يتخبط بها اليوم ، بعد أن سجلت البطالة أعلى معدلات لها خلال العشرين سنة الماضية، مع ما يترتب عنها من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، ومخاطر تنعكس سلبا على نمو الدول وإزدهار اقتصادها، فالمعادلة السائدة أنه كلما إزداد عدد العاطلين عن العمل كلما إزددنا إنغماسا في الديون بمختلف أنواعها ( الديون الاستهلاكية، ديون بطاقات السحب الفوري ، وديون الطلبة } خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية{ والديون الشخصية …)، هي تزداد بوتيرة مذهلة لدرجة العجز الواضح عن إمكانية سدادها .
وإنطلاقا من هذا الواقع يبدو أن هناك مخاوف من نوع آخر بدأت تثيرها القيم الإقتصادية بتخطيها الحدود لجهة إستعباد وإسترخاص التلاعب بالمصير والحريات وإعتبار الإنسان مجرد سلعة لها سعرها المحدد ، حدود – وبالطبع- غير موضوعية، بعد أن أوشكت على الخروج عن إطارها المفيد في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والتسوق وما شابه، وكل هذا يشكل المحور الأساسي ل” شرارة ” الأزمة المالية العالمية.
وبناء عليه، فإن مخزون الاموال الذكية يتقلص بوتيرة كبيرة، فعلى سبيل المثال بدأت أوروبا تستشعر بوادر رياح الأزمات، حتى يمكن القول إن القارة العجوز دخلت- ومع الأسف- عاصفة إنهيار مالي محتم، بعد أن أصدرت الحكومة الالمانية وهي صاحبة أقوى اقتصاد في الاتحاد الاوروبي، رزمة من التحذيرات والتنبيهات والنصائح، وخطة عمل لتفادي هذا الوضع وإحتوائه عبر الاحتفاظ ب “الكاش” والعملات الصعبة والمعادن النفيسة كالذهب والفضة، نتيجة لتوقعات مرصودة بإهتزاز الاقتصاد لعدم الاستقرار في أكبر بنك الماني وهو” الدوتشه بنك” بفعل سياساته الإستثمارية ومخاطر مضارباته المقدرة بحوالي 70 تريليون دولار، حيث يتحكم ب19 ضعف من الاقتصاد الالماني، خطوة تأتي بعد أن رصدت الحكومة الالمانية 55 مليار دولار لإنقاذ اقتصادها وركودها لما اطلقت عليه آنذاك ” أزمة التحمل ” .
التأزم لا يتوقف هنا فالأسواق الناشئة – بدورها – تواجه أوضاعا مالية صعبة ونزوحا ملحوظا لرؤوس الاموال، ما دفع بصندوق النقد الدولي إلى تخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي، فبعد أن كان هذا قد بلغ ذروة قاربت 4% في 2017، إنخفض إلى 3,6% في 2018، ومن المتوقع أن يزداد انخفاضا إلى 3,3% في 2019؛ وبالرغم من أن التوسع العالمي بمعدل 3,3% لا يزال معقولا، فإن الآفاق محفوفة بتحديات جسيمة بالنسبة لكثير من البلدان .
عامل أساسي أيضا يتمثل بتصاعُد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين،وتبادل الطرفين فرض الرسوم الجمركية على الواردات، بإسلوب كيدي وإنتقامي، ما يهدد بنهاية مكانة الدولار كعملة للإحتياط العالمي، وهروب أموال المستثمرين، فمن سيشتري – يا ترى – تلك التريليونات من السندات الاميركية ؟ حيث ان هذه الازمة ستحدد مصير العالم للمئة عام المقبلة وربما أكثر .
عوامل أخرى ساهمت في تعزيز هذه الرؤية ومن اهمها تراجع الآداء في منطقة اليورو، واليابان، وبريطانيا وموضوعها في البريكسيت، إضافة إلى زيادة اسعار الفائدة والضغط السلبي على الاسواق الناشئة، والارتفاع المتواتر في البيئات والساحات غير الحاضنة للاستثمارات، وبالتالي تسجيلا لنزوح إضافي في رؤوس الاموال خصوصا في الارجنتين والبرازيل وتركيا وجنوب افريقيا والمكسيك .
ومن العوامل التي تعيدنا بالذاكرة إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008 ، مشكلة التراجع في الإستثمارات والخلل في الأسواق المالية، وبالتالي عدم قدرة أو ضعف المنفق على الانفاق، ما يعني عدم قدرة المصارف على تشكيل احتياطيات مالية، بالإضافة إلى إنخفاض الروح التشجيعية والمحفزة على الاستثمار ومزاولة العمل التجاري، مقابل التشجيع على الاستثمارات المصرفية والبنكية وايداع الاموال في المصارف وهو الخطر، فيما الأخيرة تقترب من الخطر نتيجة سياساتها ما ينذر بتجفيف وتبخر الاموال والثروات .
في الواقع تشكل الفقاعة دائما الحد الفاصل لمشكلة ما، وصلة الوصل لمرحلة جديدة، لكن المقاربة هنا أنها تتشابه بمراحلها الخلية والنسيج الخبيث، حيث يقع ضحيتها كل جسم ضعيف ومتردد ومتهاوي وكل من ليس لديه المناعة ومحكوم بعنصر استدراجي لأي سبب كان، وتؤسس لفرضية الازمة والنزاع في دوامة واحدة، حيث تبدأ بالانتفاخ وابتلاع كل ما هو سهل ترويضه واستدراجه تماما مثل حالة الاعصار بحركته السريعة والباطنية الى الداخل، ونتيجة لامتثال المتعاملين والمترددين بسهولة، تكبر الفقاعة وتأخذ حجم كبير في سرعة ووقت لا متناهيين، وتنفجر وفقا لعوامل ممزوجة بين الطبيعي والاصطناعي والسلوكي، , مخلفة آثارا جمة وفوضى عارمة، لكن وفي وقت محدد تعود السيطرة على الساحة والمسرح ويعود كل شيء لحجمه الطبيعي بعيدا الانتفاخ المصطنع والفجائي، مكرسا لواقع جديد على أنقاض الضحايا والعناصر المتهاوية، فيما يتم التمهيد لمن تبقى منهم للمرحلة اللاحقة، لإدخالهم وانخراطهم لبناء أسس المرحلة الجديدة والنموذج الوليد .
دائما هنالك حقيقة ولكنها ليست مطلقة، تفيد بأن هذا العالم ليس كما هو فقط بشكله المادي والظاهري، فمعظم الرابحين عبر تواتر الاحداث التاريخية، هم الذين يكتبون التاريخ وينصونه، حيث أن العقل البشري وثقله مبرمج للتفكير كما يريد المخططون ويرغب المبرمجون صناع القرار والاحداث الحقيقيين، إذ هنالك تحكم واضح ومثير لطريقة التفكير وهذا ليس دعائيا فقط، بدليل أنهم يتحكمون بكل شيء.
والاشكالية التي تطرح نفسها هنا عن الطريقة الناجعة والفعالة للسيطرة على العالم واحكام السطوة عليه هو التحكم بالعقل، حيث أن أعظم انواع وأشكال السيطرة هي عندما تظنون انكم احرار بينما الحقيقة مغايرة ومناقضة لذلك، فاليوم يتم التلاعب والتحكم بالنفوس والاملاك واسلوب الحياة وهذا هو مكمن الخطر، وفقا للتالي :” إن احد مظاهر السيطرة على الحرية هي عندما تقبعون في السجن وترون القضبان الحديدية والابواب الموصدة، ولكنك تستطيع لمسها، ولكن هناك الشكل الآخر والاصعب والاخطر عندما تقبع في الزنزانة الكبرى ولا ترى القضبان الحديدية ولا الابواب الموصدة ماديا ولا تستطيع لمسها حتى، باعتقادك إنك حر ولكن في الواقع انت الاسير! “.
إنها إذا الفقاعة الحاسمة والمصيرية، والتي تجمع بطياتها كل الفقاعات والمراحل والازمات السابقة بكل اشكالها وطبيعتها ومواد تكوينها وخصوصياتها، ونتيجة مباشرة للقصور في بنية النظام المالي العالمي والذي لا يستطيع تجديد نفسه ودورته بشكل طبيعي، الا من خلال أزمة او مطب اقتصادي كل فترة بسبب التمادي في سياسة الاحتكار المتطرفة، حتى أنها لن تكون مقتصرة على مجال واحد وسلعة معينة وسوق محدد بالذات، بل لا مفر منها وستطال كل شيء، إنها حدث تراكمي ومتواتر عبر الزمن، سيتكرر بهذه الكيفية المادية بسبب القصور الجوهري في طريقة التعامل والامتثال للازمات والمشاكل والمطبات السابقة، بعد أن تم التعاطي معها بطريقة مغالطة وغير ناجعة وباسلوب إبعاد شبح المشكل الى الامام باتباع سياسة الهروب او من خلال الحلول الجزئية وغير المتكاملة .
أما الفارق اليوم، فالأمر سيختلف هذه المرة بجدية مطلقة حيث أنها ازمة متميزة كليا وسلوكيا وادراكيا ومنهجيا، فانطلاقتها غير محسوسة وكأنها من لا شيء، ولكنها حكما ستعم كل شيء، بدايتها غامضة التوقيت والكيفية وشاملة لمصادر واستهدافات اضافية تبتلع وتستدرج فيها كل القطاعات والمجالات والكيانات تماما كالثقب الاسود لجهة المنهاج والفكر الفلسفي الاقتصادي المنحرف في اسلوب الحياة البشري المعاصر المتبع، والذي تأثر وتبدل بشكل فوضوي وهمجي لما يتوافق مع ما صور للانسان بأن هذه الاشياء هي الحاجات والضرورات الحياتية الواقعية باسلوب جديد من الحياة، وآلية من المنهجيات السلوكية لتصرفات جديدة وعادات طارئة واعراف مستوردة للمجتمع البشري، نتيجة للخلل الاجتماعي الذي انتج الحوافز السلبية، الامر الذي جعله يتقدم بشكل ممنهج نحو هذا المنحدر وهذه الفقاعة الغريبة تماما مثلما تحرق الفراشة نفسها بالنور حتى الموت من دون علمها، ظنا منها أن النور خلاصها ولكنه في الحقيقة سبب هلاكها .