الحضارة العربية…ظلٌ لنظِيرتِها الغربية
كثيرة هي الفوارق بين الثقافتين قديما، إلا أن العصر الحديث شهد تقلباً وطغيانا للحضارة الغربية على حساب العربية، فضَلَّت ثقافتنا الطريق وباتت تائهة بين مطرقة الإندثار وسندان التقليد الأعمى فتبلور ذوبان ثقافي لم يعرف العالم قبله مثله ما أدى إلى تكبيل الثقافة العربية ومنعها الرقيَّ وموّاكبة العصر دون أن تتوكأ على غيرها.
ويمكن القول إن هذا التراجع الثقافي والحضاري الذي عرفته المنطقة العربية يعود إلى عديدِ عواملَ ثقافيةٍ ساهمت في طمس الهوية العربية ومنها:
– التقدم المادي والتكنولوجي:
والذي ظهر في الغرب بين القرن السابع عشر والثامن عشر مع انيوتن وغاليلى…
– ظهور الفلسفة الماركسية كنظام اقتصادي وما نجم عنها من صراع بين الرأسمالية والاشتراكية
– الحركات الإمبريالية وإرساء ثقافة المستعمِر على مستعمَراته
– ظهور جماعة من المفكرين العرب تسمى آنذاك “التيار المنفتح-المنبهر”:
ارتأت أن الانفتاح على الغرب هو الوسيلة الأنجح لتكوين مجتمع عصري وناضج، ولعل هذا الإنفتاح كان الباب الذي دخل منه الاضمحلال الثقافي للمجتمع العربي.
– إهمال اللغة العربية والنزوح إلى اللغات العجمية الغربية
وقد تجلى ذلك في ظهور منهج جديد يقوم على صياغة معانٍ عربية في أشكال لاتينيّةٍ وتسمى “لغة الشّاتْ” وجاء ذلك نتيجةً لكون معظم الأجهزة المستوردة من الغرب لم تكن توفِّر لوحة مفاتيح بأحرف عربية، وحتى الآن مازالت لغة “الشات” تُستخدم في المراسلات بين الناس.
– ظهور مايعرف بالعربية “المكسرة”:
وهي تضمين النص العربي بعض المصطلحات العجمية ربما لإظهار الإلمام بتلك العبارات التي يراها البعض ضمن موازين التحضر والعصرنة.
كل تلك الأفكار الساذجة التي تراود النفس العربية كانت أسبابا من بين أخرى في تلاشي الثقافة العربية.
ومن منظوري الخاص لا أحثُّ على مقاطعة الغرب ثقافيا وإنما فقط أستكره وأستقبح منظر زحف حضارتي على أثر حضارة أخرى أيا كانت، وأؤمن بأن الزمن كفيل بإنجاب رجالٍ من حجم ابن باديس ومحمد عبده يحملون على عواتقهم مهمة تصحيح مسار الامّة من جديد.