الخطاب الديني بين الإستنساخية و الآكسيومية
مع وقوف العالم على القرن الواحد و العشرين و أمام تقدم الكون حضاريا و تكنولوجيا و إقتصاديا و جغراسياسيا راسما ملامح خارطة عالمية جديدة برزت فيها دول و غابت أخرى تجلت فيها إقليمية لم تكن و إضمحلت دول ذات حضارات ضارب أطنابها في عمق التاريخ مؤكدة بذلك نظرية تطور التاريخ و تغير المجتمع وثبات اللاثبات في قوانين الكون و التاريخ و الانسان و الطبيعة
إزاء كل هذه التطورات بقي العقل العربي محصورا في قوالب سلفية رسمت له منذ صدر الإسلام الأول حتى تحولت إلى قوالب محرمة لا يجوز الغوص فيها أو حتى تناولها البينذاتي و التفكير فيها ، وهذه القوالب تحولت إلى الثالوث المحرم أولها الدين و ثانيها السياسة المرتبطة بولي الأمر و ثالهما المتمم للثالوث وهو الجنس و المرأة .
لعل كل المتممات الثالوثية قد تغير بتطور التاريخ و قوته في فرض تغيير المجتمع فإنعكس على المرأة في تطور و تطوير وضعها و حقوقها و انجلى في السياسة في تغيير النظم و القوانين فظهرت أشكال و تعددت ضروب لأشكال النظم الوطنية و القومية و العالمية
و لكن بقي الدين الشيئ الوحيد الذي لم تتغير قراءته ولم تتطور لتكون مسايرة للتطور التاريخي ، وهذا ليس فيه عيب للتاريخ و لا تغير المجتمع بل في العقل العربي الذي أبى إلا أن يكون سلفيا في إستنساخه للقراءات السابقة متبعا لأقوال خلت و خلى أهلها و إتباع إقرارات أقرت على ما لايقل عن أربعة عشرة قرنا .
إذل ما قلنا الدين فحتما لا نتكلم عن جملة الإعتقادات اللاهوتية بل نتكلم بالأساس عن الخطاب الديني ، وكما يقول الفلاسفة و عرف المناطقة الأوائل الخطاب كونه مقروء القارئ و مقول القول وهو ذلك البناء نفسه حتى صار موضوعا لعملية إعادة بناء للنص المقول و المقروء، لعل القارئ قد يتساءل وهو من حقه لماذا نتكلم عن العقل العربي ؟
أقول بصراحة إن الخطاب الديني الإسلامي اليوم هو يشتغل وفق ثنائية جدلية وهي الإستنساخ و الآكسيومية و سنبتدأ بتحليل إستنساخية الفعل و القول و الإقرار
لعل خلط العقل العربي اليوم لمفهومين أساسيين و جعل الأول هو المعبر بالضرورة عن الثاني وهما الدين و القراءةالدينية
ولعل الدافع الأساسي لظهور الإرهاب الإسلامي في العالم هو ذلك الترابط و التماهي بينهما في عقل العربي
فمثلا إن قول أحمد بن حنبل هو القول الصحيح و هو ما يوافقه شيوخ الوهابية حذو النعل بالنعل كونه هو الصواب لأن الأخير إمام المسلمين و علم ديني ثم و الأهم كون الرسول العربي قد نسب له قول خير القرون قرني ثم الذين يليه ثم الذي يليه، و احمد بن حنبل من القرن الثاني اذن قد أضفيت عليه قدسية الخيرية و كون أتباع أحمد بن حنبل رسموا من إمامهم هزبرا في مواجهة المأمون إحتذوا فيها دون كيشوت في رسم ملاحمه الوهمية من تعذيب و جلد و إيمان و شجاعة و صبر ، كلها جعلت منه مخولا بأن يكون مرجعا للأمة الاسلامية و عقلها بعد تنصيبه في اذهانهم صنم الإفتاء ، مع ان بطولاته لم يرويها لا الطبري و بن كثير في كتبهم التأريخية حينها
بعد إضفاء هذه الهالة القدسية و الخيرية و رسم صورة البطل و امام ما يعيسه اليوم رجال الدين من تقبلات في الافتاء للحكام و تسيسهم نصب العقل العربي من السلف آلهةعقدية لابد من الإستنساخ بها ، فتجده يحللو يحرم حسب ما أفتى به السلف و ما كان عليه الرسول العربي الذي أمر كما قيل عنه في البخاري و مسلم بالإتبتع لا الإبتداع و الإبداع فالثاني نتاج الأول من ناحية الحرية الفكرية و الانتاج فقال “كل محدثة بدعة ” و غلظ في الوعيد و التوعد فقال “وكل ضلالة في النار ” و المؤسف أن هذه الهرطقات تروج اليوم في مساجد المسلمين و خطاباتهم التي تفتقد للمعرفة العلمية في منهجية الخطاب حيث يحث على الإستنساخ بالقرون الخالية و يقول الإستخلاف الأيجابي في الكون , بنية خطاب متناقض ، ثم حتى في الخطاب الديني ذاته تناقض واضح فتارة يقول السلف و أئمتهم إن طاعة الحاكم واجبة في كل الأحوال مستندين لقول الرسول العربي كما اخرج ذلك مسلم في باب الامارة تسمع و تطيع للأمير و ان جلد ظهرك و اخذ مالك و حينا آخر يقول الخطاب الديني سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي و سيكونون جثامين إنس و روح شياطين ،و كلنا يعلم الخطاب الديني يغتبر الشيطان كافرا و لا يجوز اتباعه، فمع هذه التناقضات لا يبني العقل العربي خطابا تمحيصيا و عقلانيا لقراءةذاته و تفكيكها و اعادة تركيبه ذاته ابستمولوجيا و منهجيا و تقنيا فيكون بذلك عاجزا و إستنساخيا و هو يجبره بالضرورة الى الإلتجاء للآكسيومية كونها ملاذه الوحيد للتخفي وراءها ، وكما قيل بالمثال يتضح الحال ، إن الكتاب و السنة و الإجماع و القياس هو منهج استدلالي للعقل العربي في الافتاء و اتخاذ القرارات ،ولكن لو سألت أحدهم عن منهجية إستدلاله هل سيجيب ؟؟؟ و اذا بينت له تناقضا بين ابعاد منهجيته هل يقتنع ؟؟
جوابا عن السؤال الأول فإن العقل العربي الديني سيجم أمامه لأنه إستنسخه من سلفه و سيعجز عن تبيان الميكانيزم المتوخى ولسان حاله يقول المنهج آكسيومي ولا تمشي علمي له ونحن نعرف انه اذا غاب العلم حضرت العاطفة و الآخيرة ان لم تكبح بالعقلانية صارت عاصفة و ان بينت له تناقض إليات إستدلاله لن يهود و لن يعود بل سيلتجأ الى التبرير فمثلا ان البعد الاستدلالي الاول وهو الكتاب يقول مثلا ‘ولاتدلوا باموالكم للحكام يأكلونها بهتانا ” و البعد الاستدلالي الثاني يقول الرسول ” ان السلطان ظل الله في الارض من اكرمه اكرمه الله و من اهانه اهانه الله ” ماذا يفعل المتلقي الذي يبحث بعقله ولا يقدم النقل على العقل كما هو مشاع عند العقل العربي الديني
إن القارئ و الملاحظ سيعلم جيدا أن العقل العربي الديني بشقيه السلفي المحافظ أو الإصلاحي لم يخضع لتطور التاريخ و حركة المجتمع بل بقي حبيس زمن معين و سيكون عقل ديني متعصب و داعشي يقتل كما يقول أعداء الدين الكفار كما قيل اقتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر و ايصا اقتلوهم حيث ما وجدتموهم ، بل انما تقوم به داعش و الاسلام السياسي هو نتاج سقيفة بني ساعدة من تسييس للاسلام و اغتصاب للحكم وما رأيناه من قطع رؤوس الإنسان المختلف هو نتاج و اقطعوا ايديهم و ارجلهم من خلاف …أخيرا و ليس آخرا حتى لا أكيل على القارئ العزيز أتساءل اليومو نحن في القرن الواحد و العشرين هل سيتطور العقل الديني العربي أم سينغلق و يتزمت على نفسه أكثر وفق التغيرات الجديدة للعالم ؟
يتبع…