الدكتور منير القادري يبرز أهمية الخطاب الصوفي في إشاعة قيم المحبة والتعايش

إبراز الدور الذي لعبه تاريخيا الخطاب الصوفي في إشاعة قيم المحبة والوئام والتعايش بسلام باعتبارها مقصد من مقاصده ، والدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الخطاب في عصرنا الحالي لتحقيق هذه المقاصد، وتقديم نماذج حية من التاريخ للمجتمعات المسلمة التي تجسدت فيها هذه المعاني، مع التركيز في هذا الاطار على التجربة المغربية كتجربة متميزة سواء في الماضي أو الحاضر، نقط وغيرها تطرق لها  رئيس مؤسسة الملتقى، الدكتور منير القادري، في مداخلته مساء السبت الرابع عشر من الشهر الجاري في الليلة الرقمية 104، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية ” ذكر وفكر “، والتي عرفت مشاركة علماء ومثقفين بمداخلات علمية، وتقديم فقرات توعوية، ووصلات من بديع السماع والإنشاد، كما تم تقديم التعازي في وفاة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان .

أشار القادري في مستهل كلمته إلى أن التصوف-مقام الاحسان- هو في حقيقته دعوة إصلاحية لأخلاق وسلوك الأفراد والمجتمعات، وأردف أن المتأمل لثمار التربية الروحية والتزكية النفسية للتصوف سيقف على مدى الاستقرار والاطمئنان النفسي الذي ينعم به كل مسلم متشبع بالقيم والأخلاق التي يمثلها هذا البعد الروحي، وكذا مدى أهميته ومساهمته في اندماج المسلمين داخل مجتمعاتهم المسلمة وسائر المجتمعات الأخرى بما يلائم مقتضيات عصرهم.

وأضاف أنه منظومة أخلاقية متكاملة تشمل مختلف مناحي الحياة ومجالاتها وترسخ لقيم العيش المشترك وكسب رهان المعركة الأخلاقية للإنسانية.

وبين أن إشاعة السلم والسلام في نظر الإسلام هي غاية إنسانية، مبتدأها احترام وحفظ كرامة الإنسان على أساس الحقيقة الكونية التي أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حين قال: “كلكم لآدم وآدم من تراب”.

وأشار إلى أن أصل الوجود كله المحبة الإلهية، موضحا أن الحق سبحانه أحبّ أن يعرفه خلقه، فاندرج حبه فيما خلق، ومن ثم صار الحب ساريا في كل الموجودات، من بداية نشأتها إلى ما شاء آلله تعالى، موردا مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة.

وقدم نماذج حية من التاريخ الإسلامي في المحبة والتعايش كتجربة مولانا جلال الدين الرومي الذي كان يوصى الناس فيقول: “حين يشع نور الحب في القلب فذاك يعني أن هناك إحساساً بالحب في القلب الآخر”، وانه اجتمع في مجالسة الناس على اختلاف دياناتهم اتجاهاتهم وأفكارهم .

ولفت إلى أن هذه الأخلاق الكريمة جعلت الصوفية المحسنين مواطنين عالميين، محبوبين أينما حلوا وارتحلوا، ينشرون بذور المحبة والرحمة والرفق والخير والإحسان دون عنف أو إكراه، بل بالقدوة الحسنة والمعاملة الطيبة، وأن هذا الطابع العالمي والإنساني للتصوف وخطابه ساهم في دخول كثير الناس في دين الإسلام .

وأضاف في ذات السياق أنه بهذا الإشعاع الروحي والأخلاقي، والوسطية والاعتدال تمكن صوفية المغرب كذلك من نشر الإسلام في ربوع إفريقيا، والتي لا يزال تاريخها خير شاهد على هذه الروابط التاريخية والدينية التي تجمعها بالمملكة المغربية.

ونبه الى أن التعايش وتحقيق السلم الاجتماعي أصبح مطلبا عزيزا في عصرنا الحاضر،  وأنه أمام هذا الوضع  تكون تزكية النفوس وتهذيب الأخلاق مدخلا إلى تحقيق السلام بكل تجلياته وأبعاده ومستوياته.

ونوه الى أن المغرب كان و ما يزال بفضل هذا الثابت من تواثب هويته الوطنية و الدينية بلد التعايش و السلم والسلام و الأمن والأمان، موردا مقتطفا من الرسالة السامية التي بعثها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي لحوار الثقافات والأديان بفاس بتاريخ الاثنين 10 شتنبر 2018 “يرتبط تعايش الثقافات ارتباطاً وثيقا بثقافة الحوار. فحوار الثقافات يقتضي أن تتفاهم الشعوب في ما بينها، عبر إقامة حوار صادق ودائم وهو ما يطبع التجربة المغربية، حيث تجسد التعايش بين الثقافات من خلال وحدة المغرب، التي تشكلت بانصهار مكوناته العربية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية فالمغرب كان دائما وسيظل ملتزما بنهج إسلام معتدل يقوم، بحكم جوهره، على المبادئ الكونية السامية، ومن ضمنها قيم التسامح والحوار. فالدين الإسلامي الحنيف يقوم على تقبل الآخر وعلى الوسطية، وينبذ الإكراه، ويحترم التعددية، تماشيا مع المشيئة الربانية، إذ يقول الله تعالى في سورة المائدة (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) “.

وشدد على أن السلام والتعاون والعيش المشترك هي قيم إنسانية سامية إذا ما تحققت فإن من شأنها أن توفر للبشرية المقومات التي تساعدها على تحقيق تنمية تكفل لشعوبها حياة آمنة ومزدهرة ، وأن ذلك  يتطلب توفير مقومات ضرورية لا غنى عنها، في مقدمتها الأمن الروحي الكفيل بتصحيح الاختلالات وتحقيق التوازن النفسي والتكامل العقلي والقلبي والتوافق المادي والروحي للإنسان بعيدا عن تكريس النزعات الأنانية والفردانية، وهيمنة مظاهر القلق والاكتئاب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق