الدكتور منير القادري يحاضر حول قيم العدل والرحمة والمشترك القيمي الإنساني

تناول الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورو المتوسطي لدراسة إسلام اليوم، موضوع «قيم العدل والرحمة للإنسان البانية للعمران من أجل المشترك القيمي الإنساني»، بمناسبة مشاركته السبت 28 نونبر 2021 في الليلة الرقمية الثمانين، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال تحت شعار « ليالي الوصال ذكر وفكر».

استهلها بالإشارة إلى مفهوم «محورية الأخلاق والقيم»، ومفهوم «المشترك» الذي شرحه بأنه يقابل المتفرق والمشتت والممزق في القول والفعل والحركة والسلوك، كما أشار إلى أهمية المفهومين في التأسيس لمشروع إنساني عام يحدد معالم طريق البشرية الحائرة تجاه غاية موحدة وهي الحياة معا في مواطنة كونية تضم الجميع وهو المشروع الإنساني القيمي والأخلاقي.

وأكد على مركزية البعد الروحي في ترسيخ الوعي بالمشترك بين بني البشر وتجاوز ما يفرقهم، وأشار الى أن مصير الإنسان يتوقف دائما على أمرين؛ علاقته بربه وعلاقته بأخيه الإنسان؛ وأن البعد الروحي هو المحور في هاتين العلاقتين.

ولفت إلى أهمية الوعي بالمشترك الذي يقوم على المشاركة التي تعني النِّدِّيَةُ مقابل الهيمنة والسيطرة، مبرزا دوره في تحقيق التلاقي والقبول والتقبل ونبذ الصدام والصراع والتحارب والتكفير المتبادل والكراهية.

وأضاف أن فلسفة الدين تتعامل مع القيم كقوى عليا مستمدة من الله وهي المرجع للوجود كله، وأن الأديان السماوية جاءت كلها لتؤكد حرية الإنسان وكرامته وعزته، وأنها أعلنت حقوقه كلها حيث نادت باستقلاله عن الضغوط التي تزهق أنفاسه وتشعره بالقهر والتسلط والإذلال والمهانة، سواء كانت ضغوطا خارجية أو داخلية تحد من حريته وتفقده التحكم في مبادرته وتحيطه بالأغلال.

وأكد على محورية القيم الروحية في ترسيخ الوعي بالمشترك الإنساني، موردا قولة الفيلسوف اللغوي الأمريكي « ولبر مارشال إيربان» Wilbur Marshall Urban ، الذي عده من من أوائل الباحثين في نظرية القيمة: ” …إذا ما أردنا أن ننمي وعيا تاريخيا مشتركا فإنه يكون من الضروري لكل طرف أن يستعد لمناقشة أوضاعه بنفسه ونقدها وليتحل بالشجاعة ليتصدى لذلك، ولإنجاح الحوار نحن في حاجة إلى رصيد مشترك من القيم الدينية من أجل بناء مشروع حياة مشتركة تتحقق في نطاق التنوع الثقافي والسلم مرورا بالقيم الإنسانية الواحدة، الدين والحرية والعدالة والحقوق، وحقوق الرحمة.”

ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في هذه القيم الروحية التي صارت مناط التفكير الإنساني في حاضر ومستقبل الإنسانية، لتصير مصدر التلاقي لا سبب الشقاق والنزاع .

 وأوضح في السياق ذاته أن الأخلاق التي جاء بها النص القرآني من أهم دساتير وخرائط الطريق لتجسيد الفعل الحضاري للإنسان على أرض الاستخلاف، وتابع أن القيم الأخلاقية القرآنية تعترف بمركزية الإنسان البانية للعمران، وأن شعاره الرحمة والعدل والمساواة والسلم والسلام والتعايش بعيدا عن كل الأخلاق الدنيئة المملوءة بالعنف والتطرف والبارغماتية التي لا تراعي مبدأ الشعور بالآخر وبحقوقه في هذا الكون.

واعتبر أن العدل أساس شرع الله، وأساس تقدم البلدان أيضا، وأنه مطلب شرعي وضرورة حضارية، واستطرد موضحا أن سمة الإسلام هي العدل الذي يحدد العلاقة بين الناس في حال السلم والحرب، وبه ينتظم الوجود الإنساني، موردا مقولة ابن خلدون “الظلم مؤذن بخراب العمران.”

 وربط رئيس مؤسسة الملتقى قيمة العدل بعالمية دين الإسلام وقيمه الداعية إلى نبذ كل أشكال التطرف والظلم والتعصب والعنف، وان هذه العالمية تنبني على الرحمة باعتبارها خلق من أخلاق الإسلام وصفة لازمة لشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مستدلا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.

وأشار في نفس المضمار إلى رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة واحترامه لها ودعوته إلى الإحسان إليها، والنهي عن استغلالها وإيقاع الأذى بها، مشيرا إلى التزامن المصادف لذكرى تخليد الأمم المتحدة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.

ونبه الدكتور القادري إلى أهمية القاعدة الروحية الأخلاقية في تحمل الأثقال التي تنتج عن طبيعة الحياة المادية والاجتماعية وعن الانتكاسات التي تصاب بها الأمة في ميادين الحياة المختلفة، لأنها الرصيد الاحتياطي الضخم الذي تعتمد عليه الأمم في ترميم العديد من جوانب شخصيتها وحياتها.

وفي نفس السياق استحضر الدكتور منير القادري الحاجة الملحة للخطاب الأخلاقي الصوفي في هذا الزمان الذي ظهر فيه الصراع السياسي والاختلاف الفكري والاخلاقي والتشتت الاجتماعي والطائفي.

 وتطرق إلى منهج التقويم في التراث الأخلاقي الروحي المغربي الذي كان يعبر عنه أهل المغرب بمنهج السلوك الأخلاقي في اصطلاح ابن عباد الرندي (خطيب وفقيه بجامع القرويين)، مشيرا إلى أن منهج التقويم كان منوطا بتقويم السلوك الموجه للأمة، موردا بشأنه قول ابن قنفد في كتابه « أنس الفقير وعز الحقير »، معبرا عن انتشار هذا المنهج التقويمي الصوفي في المغرب “إنه الأرض التي تنبت الصالحين كما تنبت الكلأ”، وأن خطابه كان توجيها عاما هدفه الإصلاح.

وختم مداخلته بالتأكيد على أن التصوف السني الملتزم بالكتاب والسنة النبوية قائم على جني المصلحة ودفع المفسدة وفق هذا الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة، والمتأسس على بناء الفرد وإصلاح قلبه وتزكية نفسه والتشبع بمكارم الأخلاق والقيم الاخلاقية الروحية الإنسانية، مما يساهم في بناء ثقافة الرحمة والتضامن وإشاعة العدل والمحافظة على الحقوق، لأن إصلاح الفرد هو الذي يضمن إصلاح المجتمع، فإذا صلح الفرد صلح المجتمع، وتتحقق بذلك تنمية الرأسمال اللامادي مما يساهم في توازن المجتمع خدمة للصالح العام ويضمن النجاح لكل مشروع تنموي شامل ومستدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق