الزعيم علال الفاسى .. والنقد الذاتى (5-5)
18- لغة التعليم
يقرر أن تعدد لغات التعليم فى البلد الواحد يضر أضرارا فاحشة بتكوين الأبناء ومستقبل الثقافة فى الوطن .. وأن واجب الدولة أن تكون لغة الدراسة واحدة فى جميع أجزاء القطر وفى كل مراحل التعليم ؛ لتصل إلى تكييف ثقافتها البعيد عن غير التأثيرات الطبيعية التى تتبادلها الشعوب والحضارات .
ويحذر من خطر ضياع اللغة القومية التى هى إحدى مقومات الأمة الأساسية ومميزاتها وأن الأمة التي تتعلم كلها بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا ( بفكر) أجنبي عنها .
ويدعو لأن تكون اللغة العربية لغة أولى , لأنها ليست لغة تعليم كامل إلا فى المدارس القرآنية ” أقصاها التعليم الإبتدائى فقط ” أما العلوم فلا تدرس إلا باللغة الأجنبية .
وينتقد اختلاف لغة التعليم فى المغرب باختلاف المناطق المغربية، ثم يقول : ” إن أهم خطوة فى سبيل إصلاح التعليم هو جعله بلغة واحدة هى لغة البلاد وذلك هو الهدف القومى الذى يجب أن يسعى له الجميع “.
19- دينية التعليم
يقرر أن الدين من مقومات الوطنية المغربية , لأنه الذى يحفظ مظهر النموذج النفسى المغربى ولذلك لا يمكننا أن نتصور مدرسة مغربية لا تعنى بتدريس الدين فهو واجب وجوب اللغة والتاريخ والحساب وغيره من المواد الأولية .
ويستنكر الرأى القائل بترك تعليم الدين للأباء أنفسهم , ويرى أنه ينبغى أن نفرض على كل المدارس أن يكون فى مناهجها قسط من التعليم الدينى تحت إشراف الدولة وعلى حساب ميزانيتها .
20- إجبارية التعليم
دعا لأن يكون التعليم الإبتدائى والثانوى موحدا ومجانيا وإجباريا لكل البنين والبنات .
وأن يكون حق المعرفة والتعليم فى متناول كل طبقات الشعب , لأن كل مواطن له الحق فى أن يتعلم ويجب أن يتعلم ذلك مبدأ لا يقبل الجدل .
وأن تجهيل الشعب وتفقيره مقصود من المستعمر المستغل .
ودعا للاستفادة من تجربة روسيا التى قضت على الأمية فى ظرف عشرين عاما قضاء لا مرد له .
ووضع خطة لتقسيم البلاد إلى 10 مناطق تعليمية وبناء المدارس على مدار 10 سنوات .
ثم يقول : ” إن قضية التعليم قضية حياة أو موت ” .
21- مواد التعليم
يدعو للاستفادة من تجاربنا وتجارب غيرنا .
ثم تحدث عن صعوبات تعلم اللغة العربية : ” النقص الموجود فى الكتب , الضعف الغالب على المعلم , طبيعة اللغة العربية من جهة أخرى ” .
ثم تحدث عن أهمية دراسة التاريخ والتربية الوطنية باعتبارهما مواد أساسية وضرورية لتكوين المواطن الصالح لوطنه الخاص ولسائر العالم الذى هو الوطن الأكبر للجميع .
22- مناهج التعليم
نعى السياسة الاستعمارية فى التعليم وعدم اهتمامها بجغرافية الوطن وتاريخ الوطن والتربية القومية ” التى تعلم الأبناء ما لهم دون واجبات وما عليهم من حقوق نحو هذا الوطن ومقدساته وحرياته .
وأن هدف المناهج الدراسية الاستعمارية تكوين موظفين متعاونين يملأون الدواوين المغربية
أو عمال فلاحين يشتغلون عند المستعربين فى ضيعاتهم العصرية
وحذر من أن اختلاف المناهج التى تخصص لأبناء الأعيان وأبناء الفقراء لا ينشئ رأيا عاما قوميا موحدا .
وينتقد اكتفاء التعليم الإلزامى بمصر إلى الإبتدائى فقط .
وأن التجربة اللبنانية أفضل وأقدر على تكوين رأى مستقل إزاء كل مسألة عارضة بخلاف إخوانهم الفلاحين فى سوريا ومصر والعراق
23- مهنة التعليم
يرى أن كل فرد ليس صالحا للعمل معلما ولا كل إنسان قادرا على تحمل أعبائه .
بل يجب أن تتوفر فى المعلم صفات كثيرة عقلية وثقافية وأخلاقية تخوله لآداء واجبه على الوجه المطلوب ” حاد الذهن , مستنير الفكر , قوى الذاكرة وذا ملاحظة صادقة وبداهة سريعة وفراسة نافذة ويكون غزيرا فى المادة التى يدرسها , ذا خلق حسن وعارفا بطبائع الأطفال محبا لهم عطوفا حازما كيسا ضابطا للنفس كاظما لغيظه ”
وأن يجب إعداد المعلم وتهيئته جيدا ؛ لأنه ليس فى المغرب مدرسة للمعلمين سواء ابتدائى أو عالى وليس هناك بعثات للتخصص .
ثم يدعو لعمل بعثات على نفقة الشعب وتكوين مدارس للمعلمين على نفقة الشعب وتحسين الحالة المادية للمعلم .
24- التعليم المهنى
يطالب بجعل فروع المعرفة فى متناول كل أبناء الشعب , ولا يتميز بعضهم عن الآخر إلا بما له من المقدرة والاستعداد ؛ لأن المعرفة حق للجميع .
ويعتبر التعليم المهنى ضروريا للأمة لأن البلاد محتاجة إلى بنائين وحدادين وفلاحين حاجتها إلى أطباء ومحامين وأدباء .
وأنه من واجبنا أن نقتفى أثر أسلافنا فى حب الاستغناء عن الاستيراد من الخارج إلا ما لابد منه والعمل على أن ننتج من بلادنا ومن خيرات أرضنا .
مطالبا بتأسيس ” مدارس المنتجين الصناعية ” واختيار طلبتها من المدارس الإبتدائية والمتوسطة الموحدتان بحسب ما يظهر فيهم من القابلية .. وجعل الخدمة اليدوية إجبارية فى جميع المدارس حتى نغير من عقيدة شبابنا فى العمل الجسمى واليدوى ؛ حتى يتغير الاعتقاد الخاطئ أن العامل الصانع والفلاح أقل من الموظف التاجر .
ثم يقول : ” إن عمل المثقف مساو لعمل الفلاح الصانع العامل ”
25- تعليم الكهول
يرى أن السن لا ينبغى أن يكون حاجزا دون المعرفة ؛ لأنه أن لا حد للمعرفة ولا نهاية للبحث عنها ومن ثم ضرورة ووجوب تعليم الكهول .
ويرى أن الكسل وحب الجلوس علي المقاهي والاستماع لأحاديث الليل من أعمق أسباب التقاعس عن المواظبة علي الدروس .
مطالبا بسن قانون لإجبار الكبار الأميين علي التردد على المدارس بضع ساعات في الأسبوع
ولمدة معينة وإجبار المدارس والمعاهد والمعلمين علي تلبية دعوة الدولة منها الإسهام فى مكافحة الأمية .
26- الصحة العامة
أوضح أن العامل الاقتصادي هو الذي يمكن أن يرسم الأحوال الصحية للمجتمع , وأن أعظم دليل ذلك هو أن الشعوب الفقيرة المتأخرة أكثر الناس مرضا وهونا بينما الشعوب الراقية هي أحسنها صحة وأوفرها بسطة في الجسم وطولا في الحياة .
داعيا لضرورة أن يبنى فكرنا الصحي قبل كل شئ على أساس تحسين حالة المغاربة من جهة مقدرتهم الغذائية واللباسية .
ثم استعرض أهم المشكلات الصحية فى الدولة المغربية قبل الاستقلال وهى ” أمراض سوء التغذية وكثرة وفيات الأطفال الصغار وذوو العاهات ”
وأن واجب الحكومة : ” مكافحة الأمراض وعزل المصابين بالأمراض المعدية والتعقيم والرش بالمطهرات والتطعيم الإجبارى والاعتناء بمياه الشرب وتعقيمها والتخلص من النفايات وتحويلها لسماد وردم البرك والمستنقعات وجعل التعليم الوقائى إجباريا فى المدارس كلها وأن يكون العلاج مجانيا وتكوين مصلحة للتفتيش والرقابة على الحالة الصحية وإرشاد الناس لأسباب تحسينها ومقاومة الأمراض والوقاية منها ” .
ثم يقول : ” إن معالجة المريض وإطعام الجائع وتعليم الجاهل أول واجب على الحكومة العصرية فى العهد الحديث . ”
27- ذوو العاهات
يرى أن الدولة يجب عليها أن تؤسس لهؤلاء المنكوبين من ذوى القدرات الخاصة ” وخصوصا الصم والبكم والمكفوفين ” مدارس خاصة تدربهم علي ما يلزمهم من معرفة وصناعة حسب أحدث الطرق وأقربها للفائدة .
ويدعو للاهتمام بمرضى الضعف العقلى .
وتأسيس ملاجئ للشيوخ واستعمال كل الوسائل التي تسهل عليهم قضاء بقية أيامهم في طمأنينة وأمان .
28- الطائفة الإسلامية
يقرر أن الإسلام الصحيح بعيد كل البعد عن الواقع في أنظمة المسلمين التى أحدثتها أجيال الإنحطاط فى مختلف البلاد .
وأن إسلام الكتاب والسنة لم يعترف قط بأى طغيان وإنما وضع النواة العادلة لتأسيس الطائفة الإسلاميه علي أسس ديمقراطية .
وأنه فى القرن الثامن الهجري انتصر مبدأ التسلط على فكرة التكتل الطائفي لخير الجميع
وأن الفتوحات تحكمت فيها مصلحة الفوز والنصر على مصلحة التبشير والتنظيم .
بل تحكمت فيها السياسة أكثر من الرغبة فى تطبيق تعاليم الإسلام الصحيحة وتمتين أواصرها فى الشعب الجديد .
وانتقد العلامة ابن خلدون ” لأن ما قرره من قواعد للدولة بعيد كل البعد عما تقتضيه تعاليم الإسلام ؛ لأن الحاكم المسلم مثلما له حقوق فإنه عليه واجبات يسأل عنها مثلما تسأل الجماعة المسلمة عن واجباتها ” .
ثم يقول : ” إن جرثومة الداء منا وإلينا , وإن إصلاح المجتمع لا يتم بمجرد الاستقلال ؛ لأن الاحتلال لم يزد على أن استعمل لصالحه نواحى الضعف التى كانت قد خلقتها الأجيال والأهواء .. علينا أن ندرس مجتمعنا دراسة من يريد معرفة الأدواء كى يعالجها دون أن يذهب مع تيار العاطفة وحدها ”
29- الجهاز الاجتماعي
يرى أن أهم ما يميز المغاربة :
” الذهنية الاستقلالية , التمسك بالتقاليد , التعلق بالأرض لدرجة التقديس , مقاومة كل تدخل خارجي أو استيلاء أجنبى , الكفاح ضد كل محاولة استبعاد مهما كان مصدرها ” .
مقررا أن الإسلام كان الباعث الأكبر على تكوين مبدأ الوطن بالمعنى الواسع الذى يستند إلي الأرض ذات الحدود , عوضا عن الوطن المبنى على الإتحاد فى الأسرة أو الجيش .
وأن فكرة الإمبراطورية غلبت للأسف على فكرة الإصلاح الداخلي عبر تاريخنا .
وأن مصلحة الوطن المغربى تقضى بصهر مكوناته المختلفة كلها ضمن قوة واحدة هى قوة الدولة المغربية المتحدة .
وأنه لابد من تغيير عميق للنظام القبلى وعدم استقرار البدو , وإحلال البلدية محل القبلية , والعموم محل الطائفة أو الجماعة , وتقسيم المغرب إلى أقاليم , واستقلال السلطات ” التنفيذية والقضائية والتشريعية ” , وانتخاب مجلس العموم ” البرلمان ” بطريق الاقتراع السرى , وأن يكون لكل مهنة أو حرفة مجلس نقابى منتخب , وإحلال الحزب والنقابة والجمعية محل المنظمات العرفية والعائلية , وتكوين تعليم عام وتربية قومية متينة .
30- النظام النقابي
يرى أن المعتقد النقابي الذى يجب السير عليه يقوم على :
أهمية العمل وتنظيمه واعتباره كالماء والهواء .
حظر استغلال العامل واعتباره
” حيوان شغل ” .
حق الإضراب للعامل بأن يقاوم الظالم بكل ما هو مشروع .
تنمية الروح المهينة والتعاون الذى هو الغاية البعيدة للعمل النقابى بدلا من التطاحن .
ثم يؤكد أن الغاية النقابية هي تنظيم العمال وتربيتهم وإشعارهم بالحقوق التى لهم , والدفاع عن حقوقهم عن طريق التحكيم والصلح أو عن طريق الإضراب والمقاومة السلبية .
داعيا أن تكون النقابة فى الميدان الاجتماعي كالحزب في الميدان السياسي محذرا من تحزيب وتسييس النقابة وألا تتجه النقابة لنظرية سياسية لأن ذلك يؤدى للشقاق بين أعضائها .
ثم يقول : ” إن روح العصر تتحكم فى مصير الأشياء والأفكار , ومن ذا الذى يستطيع أن يصد اليوم زحف التجمع وزحف الكفاح من أجل الحرية ؟ ” .
31- ضرورة النقابة القومية
يؤكد على ضرورة أن تكون النقابة قومية لا لطائفة واحدة .
وينتقد ” إتحاد النقابات ” لأنه مهما كانت النظريات التي تسيطر عليه هو إتحاد فرنسي فى المستعمرة قبل أن يكون إتحادا عماليا ؛ والدولية التى هي شعاره تتبخر دائما أمام مذبح الإستعمار ؛ ومواثيق العمل التى يدين بها الإتحاد النقابى الأجنبى لا قيمة لها مدام عمالها الفرنسيون قد قبلوا تفضيل العامل الفرنسي والأجنبى على الوطني .
وكيف أن هذا كله يفرض على عمالنا أن يعتمدوا على أنفسهم ويطالبوا بالحقوق التى لهم , ضمن نقابة متحررة من جميع التأثيرات الإستعمارية المباشرة والغير مباشرة
ثم يقول : ” إن قضية العمال المغاربة جزء لا يتجزأ من قضيتنا القومية , ولذلك يجب أن نعضدها ونكافح من أجل إنجاحها ” .
32- تنظيم أوقات الفراغ
يدعو لأهمية تنظيم أوقات الفراغ حتى لا تصرف فيما يضر بالفرد أو المجتمع وذلك عن طريق استغلالها فى أعمال رياضية وفنية واجتماعية مستشهدا بقول للفيلسوف الألمانى
جوته : ” لا أصعب على الإنسان من استعمال أوقات فراغه ” .
وأن هذه مسألة خطيرة لما لها من أثر على سلامة الفرد ووجود الأمة كلها .
ويجب أن تراعى الاعتبارات الآتية عند تنظيم أوقات الفراغ :
” حاجة العمل المهنية , حاجات الأسرة , الاعتبارات المحلية , مراعاة مدة الراحة ” .
ثم يقول : ” يجب أن يفهم المواطن أن الفراغ لا يعنى الراحة ؛ لأن عدم الاهتمام بناحية من نواحى النشاط فى وقت الفراغ قد يؤدى لكسل عقلى وروحى وبدنى ” .
وبعد هذه الجولة يتبين لنا بجلاء عمق العطاء الفكري والفقهي والاجتماعي والأدبي للزعيم والمناضل السياسي علال الفاسي رحمه الله .
وأن مشروعه الفكري يتضمن اجتهادات وآراء تجديدية كثيرة لابد من بعثها للجيل الجديد .
ويتضح أن كتابه الفذ والرائد ” النقد الذاتي ” يستحق القراءة والدراسة لأنه كتاب حي يناقش قضايا جوهرية كثيرة مازالت – للأسف – معلقة في وطننا العربي والإسلامي رغم أنه كتب منذ ما يزيد على ٧٠ عاما .