السينما والاسلام 1/10: الرسالة فيلم عالمي خارج مملكته
“لقد عملت الفيلم لأنه كان موضوعا شخصيا بالنسبة لي، شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام، أنه دين لديه 700 مليون تابع في العالم، هناك فقط القليل المعروف عنه، مما فاجأني. لقد رأيت الحاجة بأن أخبر القصة التي ستصل هذا الجسر، هذه الثغرة إلى الغرب”، بهذه الكلمات وصف المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد، تجربته في فيلمه الرسالة _إنتاج عام 1976 _ مجسداً وصية والده حين مغادرته لدراسة الإخراج السينمائي في كاليفورنيا الأمريكية و هي جعل القرآن دائماً نصب عينيه.
فرغم كل المعاناة الانتاجية التي اعترضت طريقه، أصر العقاد على إنتاج الفيلم للحديث عن رسالة الإسلام كما نراها نحن، و ليس كما يراها الغرب، فجند ستة من الكتَاب و على رأسهم الإيرلندي “هاري كرايغ” مع توفيق الحكيم و عبد الحميد السحار و احمد شلبي لكتابة النسختين العربية و الانجليزية من الفيلم.
أنتج الفيلم باللغتين، ليصل العقاد إلى مقصده و ليكون تأثير اللغة أكبر في الغرب، و جسد الأدوار أبطال عالميون، ك” أنطوني كوين” بطلاً للنسخة الإنجليزية بدور أسد الله حمزة بن عبد المطلب، و هي ذات الشخصية التي جسدها الراحل المصري عبد الله غيث في النسخة العربية التي لعبت فيها الممثلة السورية منى واصف دور هند بنت عتبة مقابل أيرين باباس لنفس الدور في النسخة الإنجليزية.
و قد بلغت ميزانية الانتاج في النسختين معاً حوالي الـ 10 ملايين دولاراً أميركي. تمكنت النسخة الأجنبية وحدها من تحقيق عشرة اضعاف هذا المبلغ.
تبدأ أحداث الفيلم في مكة المكرمة، مع نزول الوحي على رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم، و بداية الدعوة إلى الإسلام رغم كره سادة مكة لذلك و تنكيلهم بكل من يؤمن بمحمد و رسالته أشد العذاب، وكان على رأس المعذِبين أبو جهل وأبو لهب، الذين عذبوا بلال الحبشي، وعمار بن ياسر مع والديه حتى قتلا مما اضطره للإرتداد مكرهاً.
نقطة التحول الأولى في الفيلم، كانت مع جهر المسلمين بدينهم، فأسلم واحد من أقوى رجال مكة وهو حمزة (عم رسول الله)، فأمر رسول الله أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لما رأى التعذيب الذي أتاهم. وبعد موت أبي طالب (عم رسول الله)، ذهب رسول الله مع زيد بن الحارث إلى الطائف لدعوتهم إلى الإسلام، لكنهم آذوه إيذاءً شديداً، حتى جاء وفد من أهل يثرب يعلن إسلامه في بيعة العقبة الثانية، فأمر رسول الله أصحابه بالهجرة إلى يثرب، فوصل إليها مرحباً به رغم كل محاولات سادة مكة لقتله أثناء هجرته، فاستقبله أهلها أحسن استقبال مرددين: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
فبنى فيها مسجداً، و بدأوا يستعدون لقتال المشركين، لتبدأ نقطة التحول الثانية في الفيلم.
قاتل المسلمون المشركين في بدر هزموهم، و قتلوا ساداتهم في تلك المعركة، فما كان من هند بنت عتبة _زوجة أبي سفيان إلاَ أن اشعلت حماس المشركين للأخذ بالثأر، من مقتل أبيها و أقسمت أن تقتل حمزة بن عبد المطلب و هذا ما كان على يد “وحشي” في معركة أحد التي هُزم فيها المسلمون على يد جيش المشركين الذين قادهم خالد بن الوليد، فقدمت هند إلى حمزة وأخرجت كبده وأكلته.
من نقاط التحول الأخرى التي أشار إليها الفيلم هو إسلام عمرو بن العاص و خالد بن الوليد، لتنتهي أحداث الفيلم فيما بعد مع دخول المسلمون مكة، مكبرين مهللين وحامدين، محطمين الأصنام التي فيها و إسلام أبي سفيان، لتختتم الأحداث بأهم ما قاله رسول الله في حجة وخطبة الوداع ووفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
لاقى الفيلم ردود أفعال متباينة حول عرضه، فالأزهر في مصر وافق على سيناريو الفيلم في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، معتبراً أن المحظور تجسيدهم في الأفلام السينمائية هم رسول الله و العشرة المبشرون بالجنة فقط، وليس من بينهم حمزة، إلا أنه تراجع عن هذا الموقف لاحقاً، بحجة أن الفيلم، تم فيه تجسيد شخصية حمزة عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو من أهل الجنة.
يقول العقاد: في فيلم الرسالة واجهتنا صعوبة في الكشف عن وجوه كل من الرسول وخلفائه الراشدين، ولم نستطع إظهار صورهم، ولا أصواتهم، ولا حتى ظلالهم طوال أحداث الفيلم, لما في ذلك من حساسية عند جمهور المسلمين، وبالتالي كانت ثمة صعوبة في وضع شخصية محورية في السيناريو يتتبع المشاهد، وخاصة الغربي المتعود على بطل في أفلامه، فما كان علينا إلا أن اخترنا حمزة ولكنه قتل مبكراً في معركة أحد ليترك لنا فراغاً.
وكذلك واجه الفيلم مشكلة المنع من العرض في الدول العربية، حتى وقت قريب حيث بدأت قنوات التلفزيون الفضائية بعرضه، ناهيك عن مشاكل أخرى رافقت انتاجه، حيث توقف تصويره في المغرب بعد 6 أشهر من الشروع فيه، نتيجة ضغوطات سياسية معينة،و لكن التمويل الليبي للمشروع ساهم في إخراجه إلى النور بعد انتقال فريق العمل للتصوير في الصحراء الليبية، حيث صورت معركتي بدر وأُحد في مدينة سبها في قلب صحراء الجنوب الليبي، فيما صورت العديد من المشاهد بضواحي العاصمة الليبية طرابلس بتشجيع ليبي علي كل المستويات الرسمية والشعبية.
إن استخدام مصطفى العقاد لأدواته، للدفاع عن دينه يعتبر النموذج الأمثل لطريقة تعاملنا مع الغرب، عندما تفرض علينا ظروف الحياة، المعيشة ضمن مجتمعاتهم، سواء اتفقنا سينمائياً على جمالية الفيلم من عدمها.
و كان توظيفه لأدواته السينمائية في ذروته في المشهد الختامي,، منذ صعود بلال للآذان من أعلى سطح الكعبة، مستخدماً 46 لقطة في 4 دقائق و 59 ثانية بمعدل القطع 6.5 ثانية، تخللتها لقطة حية واحدة لجبل عرفة، منها 32 لقطة قريبة لردود أفعال _المجاميع _ جمهور المسلمين من خطبة الوداع التي لخص فيها العقاد سمو رسالة الاسلام على لسان راوي الفيلم، على عكس البداية في المشهد الافتتاحي الذي احتوى على 36 لقطة بزمن 4 دقائق و 10 ثوان, بمعدل قطع 6.8 ثانية، للقطات ممزوجة ما بين العامة و المتوسطة، تعبر عن رفض ملوك العالم الدخول في الاسلام بادئ الأمر ..
“الرسالة” كعنوان، ربما كان المقصد منه ليس فقط، كيف وصلت رسالة الإسلام إلى العالم قبل أكثر من 1350 عام، وانما رسالة لكل مسلم عن كيفية تعامله مع إسلامه اليوم.
الفيلم عرض لأول مرة في لندن في 30 تموز / يوليو 1976، ثم جال في أميركا و دول أوروبية منها ألمانيا الغربية و البرتغال و فرنسا خلال العام 1977 و في الفيلبين و إسبانيا عام 1978، إلى أن عُرض في تركيا في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1979 و من ثم في الدانمارك في الثالث عشر من حزيران /يونيو عام 1986، و تم تحويل نسخته الأصلية إلى نظام 4K منتصف العام 2018 ليعود عرضه ثانية في دول الخليج العربي كافة عدا الكويت.
الرسالة رشح لجائزة الأوسكار عام 1978 عن فئة الموسيقى التصويرية التي ألفها الملحن الفرنسي الراحل موريس جار، الحاصل سابقاً على هذه الجائزة مرتين لموسيقى فيلمي ( لورانس العرب عام 1963) و (دكتور زيفاغو عام 1966) و لاحقاً مرة واحدة عن فيلم (الطريق إلى الهند عام 1985)، وتم تكريم المخرج السوري العالمي “مصطفى العقاد” في أكثر من مهرجان في دمشق وحلب، وتم تسمية جائزة خاصة باسمه في مهرجان دمشق السينمائي الدولي.