العصبة المؤمنة .. والفهم المغلوط (2-3)
ثانيا: نقض نظرية العصبة المؤمنة
إن نظرية ” العصبة المؤمنة ” لها علاقة وثيقة بمفاهيم منهجية خطيرة تسيطر على عقول جماعات الإسلام السياسى مثل الحاكمية وجاهلية المجتمع والجهاد المسلح .
ولخطورة هذا المفاهيم المغلوطة على ديننا وأمتنا سنناقش هذه المفاهيم من خلال القرآن والسنة وفهم علماء الأمة .
1- الحاكمية :
يعتبرها الدكتور أسامة الأزهرى : ” الفكرة المحورية التى تأسست عليها بقية مفاهيم التيارات الإسلامية .. والجذر الذى نهضت على أساسه منظومتهم الفكرية بكل مقولاتها ومفاهيمها وفروعها ومنها تولدت بقية مفاهيمهم … فانبثقت منها فكرة :
شرك الحاكمية وتوحيد الحاكمية … وتولدت من ذلك فكرة العصبة المؤمنة وفكرة الوعد الإلهى لهذه العصبة المؤمنة , وفكرة الجاهلية التى هى حالة بقية المسلمين , وفكرة المفاصلة والتمايز الشعورى بين الفئتين , وفكرة الاستعلاء من العصبة المؤمنة على الجاهلية وأهلها , وفكرة حتمية الصدام بين الفئتين … وفكرة التمكين , إلى آخر شجرة المفاهيم التى نتجت من قضية الحاكمية , والتى تتكون من مجموعها نظرية متكاملة داخل عقل تلك التيارات ” 2)
وبدراسة أدبيات دعاة الإسلام السياسى القائلين بفكرة ” الحاكمية ” وجد أنهم يستدلون عليها بالآية الكريمة : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” المائدة 44
– الرد :
بالإطلاع على تفسير هذه الآية الكريمة فى كتب التفاسير المعتبرة قديما وحديثا لم نجد إماما معتبرا من السلف والخلف فسر الآية الكريمة مثلما فسرها وفهمها دعاة الإسلام السياسى .
فمن الصحابة والتابعين : ابن مسعود , ابن عباس , البراء بن عازب , حذيفة بن اليمان , إبراهيم النخعى , السدى , الضحاك , أبو صالح , , أبو مجلز , عكرمة , , قتادة , عامر , الشعبى , عطاء , طاووس , أبو الرجاء العطاردى , عبيد الله بن عبد الله , الحسن البصرى .
ومن أئمة التفسير : الإمام الطبرى , البغوى , ابن الجوزى , الإمام الفخر الرازى , الإمام القرطبى , ابن جزى , أبو حيان , ابن كثير , الآلوسى , الطاهر بن عاشور , الشعراوى ” 3)
هؤلاء الأعلام اتفقوا على أن المقصود بالآية الكريمة :
من لم يحكم بما أنزل الله مكذبا به جاحدا له أو مستهزئا به فهو كافر.
أما غير ذلك فليس بكفر يخرج من الملة بل معصية .. كفر نعمة وليس كفر أكبر على حد قول الصحابى الجليل ابن عباس رضى الله عنه ” 4)
أما معتنقى هذه الفكرة فليس لهم سلف إلا الخوارج .. وكفى بهذا دليلا على خطأ موقفهم وسوء طويتهم .
فلماذا يتركون أئمة الإسلام الأعلام ويتخذون الخوارج سلفا لهم ؟!
ولماذا يتركون الأحاديث النبوية المحذرة من تكفير من نطق بالشهادتين ؟! ولماذ تركوا أقوال أئمة الفقه فى التحرز من التكفير وحرمة دماء وأعراض وأموال بنى الإنسان عامة والمسلمين خاصة ؟!
2- جاهلية المجتمع :
وردت كلمة الجاهلية فى كتاب الظلال لسيد قطب ” 1740 ” مرة 5)
وهذا يوضح مدى تشبع فكر وعقل سيد قطب بهذه الفكرة .
وهذا يرد على البعض الذين يدعون أن سيد قطب لم يكفر المجتمع
وأنه كان يقصد ” جاهلية المعصية ” وليس ” الكفر الأكبر ” .
وكيف أنه كان أديبا قلمه فياض وأن المتهمين له ” لم يحسنوا قراءته ولم يفهوا عباراته ” !!
وبقراءتنا كتب سيد قطب وبالأخص ” الظلال ” و” المعالم ” يتضح بسهولة أنه كان يكفر المجتمع المصرى بل والعالم الإسلامى أجمع متهما أياهم” بالجاهلية وشرك الحاكمية ” .. وهذه بعض نصوصه :
– ” ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة … ولابد من ” إعادة وجود ” هذه ” الأمة ” لكى يؤدى الإسلام دوره المرتقب فى قيادة البشرية مرة أخرى ” 6)
– ” إن العالم يعيش اليوم كله فى ” جاهلية ” من ناحية الأصل الذى تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها .. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله فى الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكم..إنها تسند الحاكمية إلى البشر , فتجعل بعضهم لبعض أربابا , لا فى الصورة البدائية الساذجة التى عرفتها الجاهلية الأولى , ولكن فى صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع , بمعزل عن منهج الله للحياة وفيما لم يأذن به الله ” 7)
– ” نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم , كل ما حولنا جاهلية , تصورات الناس وعقائدهم , عاداتهم وتقاليدهم , موارد ثقافتهم , فنونهم وآدابهم , شرائعهم وقوانينهم , حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية , ومراجع إسلامية , وفلسفة إسلامية , وتفكيرا إسلاميا هو كذلك من صنع هذه الجاهلية !! ” 8)
وهذه النصوص صريحة فى تكفير المجتمعات المسلمة .
الرد :
1- إن ” وجود عيب من عيوب الجاهلية فى فرد أو مجتمع مسلم لا يلحقه بهم فى الكفر … وإذا وصف الحكم بأنه جاهلية فهذا للتنفير منه كما ينفر من قبيح بأنه عمل الكفار … ومن ذلك قول النبى لرجل عير رجلا بأمه ” إنك امرؤ فيك جاهلية ” رواه البخارى ومسلم ” 9)
فهذا الصحابى الجليل أبو ذر الغفارى يقول له المصطفى صلى الله عليه وسلم ” إنك امرؤ فيك جاهلية ” عندما قال لأحد الصحابة ” يا بن السوداء ” .
فهل يفهم دعاة الحاكمية من هذا النص النبوى أنه تكفير للصحابى الجليل ؟!
فلماذا يرفضون تفسير الأئمة الأعلام لآية المائدة ؟!
لماذا يسيرون على نهج الخوارج كلاب أهل النار ويتركون الأئمة الأعلام من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة ؟!
2- ليس هناك مجتمعا ملائكيا , حتى مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم ورغم كونه أفضل المجتمعات كان به من يخطئون ويشربون الخمر ويزنون ويسرقون لأنه أولا وآخرا مجتمع بشرى وكل بنى آدم خطاء .
وليس الحل تكفير العصاة ثم قتلهم ولكن دعوتهم لقيم ومبادئ الدين بالحكمة والموعظة الحسنة وترك حسابهم يوم القيامة بيد الله سبحانه وتعالى .
3- حتمية تأسيس التنظيم الحركى :
إن دعاة الإسلام السياسى يجعلون تأسيس ” جماعة- تنظيم – حركة ” فريضة حتمية واجبة لإقامة الدين وعلى الفرد المسلم الانضمام تحت قيادتها وإلا فهو آثم .
فهل هذا صحيح ؟
1- فتاوى دعاة الإسلام السياسى بحتمية وجود جماعة :
3- الشيخ محمد عبد الله الخطيب مفتى الإخوان :
يقول : ” لقد أمر الحق – سبحانه وتعالى – المسلمين أن يقيموا جماعة أو هيئة أو حزبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .. حتى فى وجود الدولة الإسلامية , فكيف إذا غابت ؟!
إن الله أمر المسلمين بأن تكون منهم جماعة تقوم بالدعوة إلى الخير أى إلى الإسلام .. صار من السهل على الفرد أن يدرك أن لابد من الانخراط فى تيار جماعى مسلم , حتى يستطيع أن ينصر الإسلام ويحمل تبعات هذا الدين .
النصوص الشرعية توجب العمل للإسلام من خلال جماعة .. قال النبى صلى الله عليه وسلم : ” إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ” رواه أحمد
وقال : ” يد الله مع الجماعة ” سنن الترمذى
وقال : ” من خلع يدا من طاعة , لقى الله يوم القيامة ولا حجة له ” رواه مسلم
فهذا النصوص وغيرها توجب تجميع الجهود الفردية فى تجمع واحد منظم وتجنيد المسلمين لحماية الإسلام ” 10)
– عبد الله عزام :
يقول : ” الخلاص فى تكوين جماعة إسلامية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتتحمل تكاليف الدعوة … وعلى هذا فالعمل فى جماعة لإعادة حكم الله فى الأرض فرض لازم وفى عنق كل مسلم , لأن معظم تكاليف هذا الدين جماعية ولا يستطيع المسلم أن يمارس دينه كما يريد الله إلا فى مجتمع مسلم … يجب العمل فى جماعة لإزالة المنكر الأكبر وهو جريمة إقصاء الإسلام عن الحكم وتحكيم الشرائع الوضعية , ويجب الأمر بالمعروف الأكبر وهو إعادة القرآن إلى منصة الحكم ” 11)
وهناك فتاوى مشابهة لسعيد حوى ” 12) وفتحى يكن ” 13) تقول بفرضية العمل فى جماعة ” الإخوان المسلمين ” بل إن سعيد حوى يحدد الجماعة الواجب الانضمام إليها بأنها جماعة الإخوان المسلمين .
الرد :
1- الملاحظ أن القائلين بفرضية إقامة ” جماعة ” والعمل من خلالها باعتبارها
” العصبة المؤمنة ” ينزلون لفظ ” الجماعة ” الوارد فى القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين على ” جماعة خاصة ” يؤسسها فرد يلقب بالأمير أو المرشد
وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه .
فالجماعة الواردة فى القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وعلماء الأمة المقصود بها ” الأمة ” أو ” السواد الأعظم من الأمة ” وليس جماعة لا يمثل عدد أعضاءها نصف فى المائة من تعداد الدولة .
2- البيعة تكون للحاكم وليس لفرد نصب نفسه أو نصبه بضعة أفراد ” أميرا ” ومن يأخذ البيعة بالطاعة فى المنشط والمكره يعتبر خارجا على الحاكم ومخالفا للشرع والدستور ويجب تجريم ذلك قانونا منعا من التلاعب بالشباب تحت دعوى أن فى عنقهم بيعة للأمير .
وتوضيح أن البيعة الدينية هى لله ورسوله فقط وهى المقصودة فى الحديث
” من مات وليس فى عنقه بيعة, مات ميتة جاهلية ” رواه مسلم
أما الحكام فبيعتهم سياسية ولا تجوز إلا للحاكم فقط .
3- الواقع الفعلى والعملى أكد أن إنشاء هذه الجماعات كان وبالا على الأمة المسلمة وأدى إلى تقسيم الأمة , حيث أصبحت الأمة مقسمة لمئات الجماعات التى يبدع ويكفر بعضها بعضا .
وبعضها أصبح ألعوبة فى أيد أجهزة مخابرات عالمية تستغلها من أجل تشويه صورة الإسلام ونشر الإرهاب وتفتيت الأوطان ونهب خيراتها .
4- قيام هذه الجماعات بفرض الوصاية على المجتمع وفرض رؤيتهم وفهمهم للدين على جموع الأمة تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والحسبة
مخالفين ضوابط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
5-إن النبى صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه فى حالة عدم وجود جماعة للمسلمين ولا إمام وذلك فى آخر الزمان .
الواجب علينا ” اعتزال تلك الفرق كلها , ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ” رواه البخارى ومسلم
ولم يأمرنا بإنشاء ” جماعات وفرق ” وهو الصادق المصدوق كما يدعو دعاة الإسلام السياسى , فتأمل .
6- لم يحدث فى تاريخ الصحابة والتابعين أن قام أحدهم بتكوين ” جماعة ” ونصب نفسه أو نصبه أتباعه ” أميرا ” لها ثم كفر بقية المسلمين وخرج بالسلاح على الحكام رغم أنه كانت هناك مظالم كثيرة فى عهد بنى أمية وبنى العباس
وكذلك لم يقم أحد من الفقهاء الأعلام بتكوين ” جماعة ” من تلامذتهم وكانوا بالألوف , من أجل مناهضة الحكام والوصول للحكم !!
لأنهم أعلم بطبيعة الإسلام من حسن البنا وسيد قطب والمودودى وأتباعهم
وكانوا يعرفون دورهم الحقيقى وأن وسيلتهم للدعوة إلى الله هى ” الحكمة والموعظة الحسنة ” وليس السيف .
الهوامش :
1- معالم فى الطريق ص 151
2- كتاب ” الحق المبين فى الرد على من تلاعب بالدين ” د.أسامة الأزهرى ط2 2015م دار الفقيه للنشر والتوزيع أبو ظبى ص 17
3- المرجع السابق ص 23
4- أنظر كتيب ” التكفير آثاره وعلاجه ” وزارة الأوقاف المصرية بدون تاريخ ص 27 وكتاب ” بيان للناس من الأزهر الشريف ” الجزء الأول 1993م ص 160-176 طبع وزارة الأوقاف المصرية
5- كتاب ” الحق المبين فى الرد على من تلاعب بالدين ” ص 51
6- كتاب معالم فى الطريق ص 5 , 6
7- المرجع السابق ص 8
8- المرجع السابق ص 18,17
9- بيان للناس من الأزهر الشريف ص 250
10- فتوى منشورة على موقع الإخوان الرسمى
11- فتوى منشورة على موقع التوحيد والجهاد
12- أنظر كتاب ” المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين ” سعيد حوى ط 3 مكتبة وهبة .. القاهرة 1984م ص 16
13- أنظر كتاب ” ماذا يعنى انتمائى للإخوان ” فتحى يكن ط15 مؤسسة الرسالة بيروت 1988م ص 96 -103, وكذلك كتابه ” أبجديات التصور الحركى للعمل الإسلامى ” ط 12 مؤسسة الرسالة 1997م ص 11-23