اللذة المفقودة و السعادة الموعودة !

بقلم الدكتور علي ماءالعينين

عندما تفقد لذة التفاعل مع كل من حولك و انت المالك للحصانة ضد الإكتئاب تدخل في حالة وجودية :

لماذا أستمر وانا محاصر لإستثمار إمكانياتي الجودية ؟؛

تنظر الى من حولك و انت واع بخطورة الوقوع في تزكية الذات ؛فترى أن الماضي تراكم لا يمكن ان ينتقل الى المستقبل و الحاضر في حالة جمود ؛

و عندما يتملكك الإحساس أن الماضي كون لديك طاقة للإنطلاق ففرملها الواقع في حجود واضح ؛يبدو لك المستقبل مجرد حنين للماضي ؛ و يبدو لك الحاضر كابوسا وجب ان تستيقظ منه بأقصى سرعة ممكنة ؛

لا تبحث عن الإستعانة بصديق كما يحدث في برنامج من سيربح المليون ؛ فلا أحد يخرجك من لحظة الجمود و الجحود سوى الإيمان بقدراتك و تجديد طاقاتك ؛

وإذا كان كل من حولك لا يمنحك فرصة التعبير عن نفسك او فرصة المساهمة في بناء كل ما حولك ؛

حتى البوح لم يعد مقرونا بتفاعل وجداني مباشر ؛فالرتابة تفقدك لذة الأشياء و ترمي بك في مستنقع الملل .

في سجدة او خلوة او سكون يعتريك ذلك الإحساس بأنك يمكن ان تكون إنسانا وكفى، كما هو حال كثير ممن حولك يختارون الظل هربا او لعدم قدرة على مجابهة الشمس و الأضواء  ؛

قد تجالس موج البحر لتتعلم القدرة على محاربة الملل و انت ترى الموج يكرر مده وجزره دون كلل ؛لكنك عندما تتمعن مسافة تحركه تحس ان خطوة الى الوراء تمنحك القدرة على ان تخطو خطوتين الى الأمام ؛ و تحس ان الموج يمارس حب الإمتاع و هو يستقبل المصطافين ؛كما يمارس حب الإبتلاع و هو يغرقهم !!

وقد تجالس الطبيعة فتحس بروعة خضرتها و هي تنمو و تشمخ و تسعد الناظرين ؛ لكنك تنزعج كيف انها تستسلم لتقلبات الفصول وهي تنكسر و تجف و تنمحي كي تعود من جديد ؛ لأنها غير آبهة بإسعاد نظرك لكنها في غيابها الخريفي تتجدد لتعود الى موعدها الربيعي ؛

نحن لا ننمو  فقط بالاكل و الشرب و الرياضة و القراءة وحضن الأسرة ؛ إن النمو الحقيقي كما راكمناه في الماضي هو ان تفعل في محيطك و تتفاعل مع كل من حولك و تقف و تسقط وتعاود الوقوف ؛ ان تفرح وتحزن و ان تتالم و ان تستريح و ان تريح …

وكل ذلك يختزل اللذة التي تشحنك للعيش و ليس للتعايش.

عندما تفقد لذة الأشياء قد تصاب بعمى الألوان و بفقدان الشهية و الشهوة و سيقول قائل تلك علامات الإكتئاب ؛ لكنك تدرك انها لحظة طرح أسئلة وجودية رافضة للواقع راغبة في الإنطلاق نحو الآفاق الرحبة ؛

و في لحظة مكاشفة فإن قاعة الإنتظار يطول  الجلوس فيها حين لا يستقبلك الجالس في المكتب الآخر او حين لا يحل القطار الذي يقلك الى الوجهة الأخرى ؛إلتصاقك بالكرسي هو تجميد لساعات يومك او ايام عمرك في إنتظار؛ كل لحظاته تقتل فيك لذة الأشياء .

إنتفض ؛و تحرك؛ ولا تعر إهتماما لمن حولك ممن لم يعرك إهتماما ؛ إركب موجة التغيير وإدفن الماضي و إلعن الحاضر و جموده ؛ وتطلع للمستقبل بآفاق جديدة و وجوه جديدة و أماكن جديدة …

إبحث عن لذتك فكثيرون يجدون لذتهم في جمودك وقتل طموحك و تحنيط مشاعرك …

إستفق و إنطلق فلم يبقى في العمر ما يدعو للإنتظار .

فهل أعتبر ؟!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق