المحبة المتبادلة.. (الغفور الودود )
الغَفُورُ الغَفّارُ، جلّ ثناؤه، وهما من أَبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. يقال: اللهمَّ اغفر لنا مَغْفرة وغَفْراً وغُفْراناً، وإنك أَنت الغَفُور الغَفّار يا أَهل المَغْفِرة. وأَصل الغَفْرِ التغطية والستر. غَفَرَ الله ذنوبه أَي سترها؛ والغَفْر: الغُفْرانُ.
والودُّ: مصدر المودَّة. ابن سيده: الودُّ الحُبُّ يكون في جميع مَداخِل الخَيْر؛ عن أَبي زيد. ووَدِدْتُ الشيءَ أَوَدُّ، وهو من الأُمْنِيَّة؛ قال الفراء: هذا أَفضل الكلام؛ وقال بعضهم: وَدَدْتُ ويَفْعَلُ منه يَوَدُّ لا غير؛ ذكر هذا في قوله تعالى: يَوَدُّ أَحدُهم لو يُعَمّر أَي يتمنى.
الليث: يقال: وِدُّكَ وَوَدِيدُكَ كما تقول حِبُّكَ وحَبِيبُك. الجوهري: الوِدُّ الوَدِيدُ، والجمع أَوُدٌّ مثل قِدْحٍ وأَقْدُحٍ وذِئْبٍ وأَذْؤُبٍ؛ وهما يَتَوادّانِ وهم أَوِدّاء. ابن سيده: وَدَّ الشيءَ وُدّاً وَوِدّاً المحبة.
يقال: وددت الرجل إذا أَحببته، فالله تعالى مَوْدُود أَي مَحْبوب في قلوب أَوليائه.
قال تعالى:” َا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” المائدة 54
إن محبة الله من أعظم مقامات العبادة عليها تدور رحى الطاعة والسير إلى الله ؛ لأنها تسوق المؤمن إلى القرب وترغبه في الإقبال على الله وتجشم المشقة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنته. ففي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان من كان اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن أحب عبدا لا يحبه إلا للّه ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه كما يكره أن يلقى في النار”. فمحبة الله يذوق بها العبد حلاوة الإيمان.
ومحبة الله هي إيثار محبة الله على ما سواه بالتزام أوامره واجتناب نواهيه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل كبير وصغير وسلوك طريق المحبين والتحزب لأهل محبة الله ونصرتهم ومودتهم وصرف المحبة الإيمانية لكل محبوب لله والبعد عن كل ما يسخط الله وينافي محبته.
وشرط المحبة لله الإحسان في العمل واتباع الشرع. فلا تصح المحبة ولا تقبل الدعوى من أحد إلا يما يوافقها من العمل الصحيح. أما ادعاء المحبة مع عدم التزام بالشرع فدعوى كاذبة وغرور باطل من جنس أماني أهل الكتاب التي لا تساوي شيئا عند الله. قال تعالى: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ” آل عمران 31 .
قال بعض السلف: “ادعي قوم على عهد رسول الله أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية). وهذه الآية تسمى عند السلف بآية الامتحان يمتحن بها كل من يدعي محبة الله فإن كان متبعا للسنة كان صادقا في دعواه وإن كان معرضا عن السنة كان كاذبا في دعواه.
أما دعوى المؤمن الصادقة لمحبة الله ورسوله تنفعه بإذن الله ولو قصر في العمل أو منعه عذر ولم يلحق بالمقربين لما ثبت عند الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أين السائل عن قيام الساعة ؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال ما أعددت لها؟ قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المرء مع من أحب وأنت مع من أحببت فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا”. وهذا محمول على صدقه وإخلاصه واحتسابه المحبة لله ورسوله واجتماعه معهم في الجنة لا يلزم مشاركتهم في الدرجة والمنزلة.
وأعظم ما يُمتحن به العبد في باب المحبة لله ما كان يألفه من دواعي الهوى والنفس الأمارة بالسوء والعوائد السيئة فإن قدمها على محبة الله وأتبع نفسه إياها فقد باء بالخسران وفاته خير عظيم وإن قدم محبة الله عليها واعتزلها وتركها لله فقد فاز وكان من أهل الفلاح ولذلك امتحن الله المؤمنين بتقديم محابهم الثمان على محبته والجهاد في سبيله فقال: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” التوبة 24.
فتارك الصلاة يُمتحن بفعل الصلاة وشارب الخمر يمتحن بترك الخمر والزاني يمتحن بتركه الزنا وآكل الربا يمتحن بتركه الربا والكذاب المفسد بين الناس يمتحن بتركه النميمة والمرأة المتبرجة تمتحن بالحجاب والفنان يمتحن بهجر الغناء وهكذا.
ولا يمكن أن يخلو قلب المؤمن من أصل محبة الله ؛ لأن ركن العبادة الركين المحبة فما دام قلبه مشتمل على محبة الله فهو يعبده ويقبل على طاعته ويكفر بما دونه من المخلوقين والمؤمنون يتفاوتون في هذا المقام. قال ابن تيمية: “فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا عظيما فمن كان أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله”.
والمؤمنون على مراتب ثلاث في المحبة:
المرتبة الأولى: كامل المحبة لله تعالى وهو من التزم السنن والواجبات واجتنب المكروهات والمحرمات. وهذا حال الأنبياء والأصفياء من هذه الأمة.
المرتبة الثانية: مقتصد المحبة لله تعالى وهو من اقتصد في عمله فواظب على الواجبات وترك المحرمات ولم يتزود من الصالحات. وهذا حال عامة الصالحين.
المرتبة الثالثة: ناقص المحبة لله تعالى وهو من قصر في فعل الواجبات وارتكاب المحرمات وأسرف على نفسه بالسيئات. وهذا حال أهل الغفلة والهوى من هذه الأمة.
أما المنافق والكافر فقد خلا قلبه من محبة الله الخالصة وانصرف حبه للآلهة والأنداد من دون الله وساووهم بمحبة الله فأشركهم في محبة الله كما ذمهم الله بذلك بقوله تعالى: ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ”. البقرة 165 ويدخل في هذا الباب محبة الكفار والشرك والبدع وإشاعة الفاحشة وأهل الفساد.
وثمة أسباب تجلب المحبة لله عز وجل :
1- إخلاص القصد لله في العبادة. 2- تلاوة كلام الرحمن والتدبر في معانيه.
3- الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار. 4- المواظبة على الصلوات الخمس في بيوت الله.
5- الإنفاق وبذل المال في مرضاة الله. 6- ملازمة حِلَق العلم ومجالس الإيمان.
7- مصاحبة الصالحين والبُعد عن الفاسقين. 8- الإحسان إلى الخَلق والنُّصح لهم.
9- الصبر والاحتساب على الأقدار المؤلمة والرضا بها.
ومن أعظم ما يحقق المحبة للمؤمن كثرة التقرب والتطوع بالصالحات لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم -: “إن الله تعالى قال: مَن عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر فيه ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعـطينه ولئن استعاذني لأعيذنه”. فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والاشتغال بذكره وخدمته فأوجب له ذلك القرب منه والزلفى لديه.
والمحب لله كثير الذكر لمحبوبه وكلام محبوبه. قال بعض السلف: “المحب لله طائر القلب كثير الذكر”. وقال خباب بن الأرت لرجل: “تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه”. رواه الحاكم. وقال ابن مسعود: “من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله”. رواه الطبراني.
وإذا نال العبد محبة الله سدَّد سمعه وبصره ويده ورجله وأيده بتوفيقه وصانه عن الرذائل فلا يستعمل جوارحه إلا في المباحات وإذا أحب الله عبدا حماه من فتنة الدنيا. فعلامة التوفيق في العبد إعراضه عن الدنيا وفراره من فتنتها وخشيته من زخرفها وعلامة الخذلان والحرمان للعبد إقباله على الدنيا وفرحه بها وافتتانه بزخرفها والانغماس في ملذاتها. وليس أضر على قلب المؤمن ودينه من حب الدنيا وأهلها والله العاصم والموفق.
والتعرف إلى صفات الله العلى وأسماؤه الحسنى ومحبتها توجب محبة الله ورضاه عن العبد لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه قي صلاتهم فيختم بـ “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ” فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال:”سلوه لأي شيء يصنع ذلك” فسألوه، فقال : لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (أخبروه أن الله تعالى يحبه). متفق عليه. فهنيئا للموحد في أسماء الله وصفاته الذي يثبت ما أثبته الله لنفسه فهو خليق بمحبة الله وبئس للجهمي المعطل لأسماء الله وصفاته فهو خليق بسخط الله ومقته.
وثمة موانع تمنع المحبة وتضعفها:
1- الرياء وإرادة الدنيا في عمل الآخرة. 2- هجر كلام الرحمن والجفاء منه.
3- إضاعة الفرائض والتهاون في فعلها. 4- الغفلة عن ذكر الله.
5- الشح بالمال ومنعه عن المحتاجين والفقراء. 6- الاشتغال بالمعاصي والملاهي الموجبة لسخط الله. 7- مصاحبة أهل الغفلة والفساد. 8- حب النفس وترك النصح للخلق.
9- التسخط والتضجر من الرزايا والمصائب.
والله جل جلاله يحب من شاء من عباده ويحب من أقوالهم وصفاتهم الحسنة. قال تعالى: “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”. وقال تعالى: “وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”. فالمحبة صفة اختيارية ثابتة لله تعالى على الوجه اللائق به من غير تشبيه ولا تعطيل فهو سبحانه يحب من شاء متى شاء والسعيد من نال محبة الله في أرضه وملكوته. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض”. فيا سعادة من فاز بهذه المرتبة الشريفة التي لا تعدلها مرتبة في الدنيا لا مال ولا جاه ولا سلطان. قال هرم بن حيان: “ما أقبل عبد بقلبه على الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه وُدَّهم”.
ومن كمال محبة الله وتمامها المحبة لله فيحب المرء عملا وقولا وهيئة وزمانا ومكانا معينا لأجل محبة الله لها فيؤثرها على سائر الأشياء ولو زهد فيها الناس. فكل عمل ورد فيه ثناء الله عليه ومحبته له في الكتاب والسنة أحبه ودعا إليه كتحسين التلاوة بالقرآن وغيره. وكذلك مما يحمد في هذا الباب أن يكون تصرف العبد كله لنيل مرضاة الله ومحبته ولهذا ورد في الحديث: “من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان”. رواه أبو داود.
ومن كمال محبة الله وثمرتها المحبة في الله فيحب الرجل أخاه ابتغاء مرضاة الله لا يحبه لأجل نسب أو حسب أو مال أو دنيا وقد ورد في ذلك فضل عظيم في الآخرة كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله عز وجل وجبت محبتي للمتاحبين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين في ّوالمتباذلين فيّ). رواه أحمد.
وفي صحيح مسلم: “إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي”. فمحبة الرجل الصالح ومودته والقيام بحقه والذب عن عرضه لأجل إيمانه بالله ورسوله مع كونه من الأباعد نسبا وبلدا يدل على امتلاء القلب بمحبة الله وتعظيمه وتوقيره وإيثار ما عنده من النعيم على عرض الدنيا الزائل.وسئل المرتعش: بم تنال المحبة. قال: “بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه”.
وليس إعطاء الله الدنيا للعبد علامة على محبته له واصطفائه كما يظنه الجهال فإن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب وقد اختار لنبيه -صلى الله عليه وسلم- الفقر ومنع عنه الدنيا وجاء في الحديث: “لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء”. رواه الترمذي.
فلا ينبغي للغني أن يفرح بها ويظن أنه من أهل الرضا ولا ينبغي للفقير أن يحزن على فقدها ويظن بربه سوءا. وإنما علامة المحبة للمؤمن أن يحزن ويغتم لذنوبه وتفريطه وعلامة محبة الدنيا أن يغتم ويكلف بجمعها. قال حماد الدباسي: “إذا أحب الله عبدا أكثر همه فيما فرط وإذا أبغض عبدا أكثر همه فيما قسم له”.
ومن علامة محبة الله لعبده أن ينزل به البلاء ويبتليه بالمحن ويلهمه الصبر والرضى بها كما جاء في الحديث: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء و إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط”. رواه الترمذي.
وهذا حال أهل المحبة لله وأصفيائه في هذه الدنيا يعرفون بكثرة البلاء. أما الفجار وأهل الغفلة فيبسط الله لهم الدنيا ويوسع عليهم ويتابع عليهم الخيرات استدراجا وفتنة لهم كما روي في مسند أحمد: “إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج” ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : “فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون”.
ولا يُلام العبد أبدا على محبة العشيرة والوطن والولد والزوجة والمال ولا تناف تلك المحبة محبة الله والإيمان به إذا كان ذلك في حدود الشرع ولم يترتب عليه مفسدة لأنه حب فطري غريزي قد فطر الله الإنسان عليه وأباحه الشرع ولم ينه عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل كان يحب صلى الله عليه وسلم بلده وأهله وعشيرته.
ويشترط لتلك المحبة أن تكون تابعة للشرع مقيّدة بأحكامه وضوابطه ولا تناف مقاصده. أما إذا غلا فيها العبد أو اتخذها إلها أو والى وعادى لأجلها أو شغلته عن اتباع الشرع وأوقعته في المحاذير فحينئذ تكون إثما ويؤاخذ عليها في الآخرة ويلحقه ذم ويتناوله الوعيد. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شِيك فلا انتقش”. رواه البخاري.
ويُشرع للمؤمن سؤال محبة الله وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (أتاني ربي عز وجل – يعني في المنام – فقال يا محمد قل اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك). رواه الترمذي وصححه. فينبغي للمؤمن أن يلح في دعائه في طلب محبة الله والفوز بمرضاته والاتصاف بقربه.
ومحبة الله منزلة عظيمة لها فضل عظيم وآثار حسنة ومزايا نافعة على من تحلى واتصف بها. قال فتح الموصلي: “المحب لا يجد مع حب الله عز وجل للدنيا لذة ولا يغفل عن ذكر الله طرفة عين”. وقال فرقد السبخي: “قرأت في بعض الكتب من أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من هواه ومن أحب الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه والمحب لله تعالى أمير مؤمر على الأمراء زمرته أول الزمر يوم القيامة ومجلسه أقرب المجالس فيما هنالك والمحبة منتهى القربة والاجتهاد ولن يسأم المحبون من طول اجتهادهم لله عز وجل يحبونه ويحبون ذكره ويحببونه إلى خلقه يمشون بين عباده بالنصائح ويخافون عليهم من أعمالهم يوم تبدو الفضائح أولئك أولياء الله وأحباؤه وأهل صفوته أولئك الذين لا راحة لهم دون لقائه”.