المفكر محمد عمارة … بداية ونهاية
بطاقة حياة :
– ولد فى 8-12-1931م بقرية صروة مركز قلين محافظة كفر الشيخ بمصر .
– حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية ثم التحق بمعهد دسوق الأزهري .
– التحق بكلية دار العلوم وحصل على الليسانس فى 1965م .
– حصل على الماجستير فى الفلسفة الإسلامية برسالة بعنوان ” المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية ” فى 1970م .
– حصل على الدكتوراه برسالة تحت عنوان ” الإسلام وفلسفة الحكم ” فى 1975م .
– عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية
– عضو مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
– رئيس تحرير مجلة الأزهر من “2011م حتى 2015م ”
– حصل على كثير من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية من مصر والعالم العربي .
– توفى فى 28-2-2020م
عندما قرأت خبر وفاة المفكر والمحقق الدكتور محمد عمارة على مواقع الانترنت جالت فى ذاكرتى مشاعر شتى :
أولا :
الدكتور محمد عمارة من المفكرين الذين لهم فضل كبير فى تشكيل الوعى الدينى والفكرى لى ولكثير من أبناء جيلى .
فمن يريد أن يقرأ لأعلام نهضتنا الفكرية فى العصر الحديث لابد وحتما أن يمر ويقرأ للدكتور محمد عمارة ؛ لماذا ؟!
لأنه هو من قام بجمع وتحقيق الأعمال الكاملة لأعلام نهضتنا الحديثة :
” رفاعة الطهطاوى , جمال الدين الأفغانى , محمد عبده , عبد الرحمن الكواكبى , على مبارك
قاسم أمين وغيرهم كثير ” .
ولو لم ينجز الدكتور محمد عمارة طوال حياته الفكرية إلا جمع وتحقيق ودراسة أعمال هؤلاء الرواد لكفاه ذلك أن يوضع فى مصاف مفكرينا ومحققينا الكبار .
ثانيا :
الدكتور محمد عمارة تفرغ للعمل الفكرى وترك الوظيفة الحكومية لذلك جاوزت مؤلفاتة ال ٢٠٠ مؤلفا ناقش فيها معظم القضايا الفكرية المعاصرة التى تشغل العقل المسلم .. لذلك فهو مفكر وباحث كبير الوزن .
ثالثا :
مر الدكتور محمد عمارة بمحطات فكرية كثيرة :
– مرحلة تأثره بالقكر الماركسى :
حيث كان عضوا بحزب مصر الفتاة الذى كان مغرما بالحركات الفاشية والإشتراكية وانضم لفترة لمنظمة ” حدتو ” الماركسية .
– مرحلة تأثره بالفكر القومى العروبى :
أصدر خلال هذه الفترة مجموعة من المؤلفات منها ( القومية العربية ، العرب والتحدى , العروبة فى العصر الحديث , الإسلام والعروبة ) .
– مرحلة تأثره بمدرسة المعتزلة :
أصدر خلالها كتب ( المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية , تحقيق رسائل العدل والتوحيد للقاضى عبد الجبار المعتزلى , مسلمون ثوار الذى أشاد فيه بإمامى المعتزلة عمرو بن عبيد وغيلان الدمشقى )
– مرحلة تأثره بمدرسة التجديد والإحياء :
فى هذه المرحلة أصدر الأعمال الكاملة لرواد مدرسة التجديد والإحياء في عالمنا العربي بعد تحقيقها ودراستها .. ويشكل هذا العمل الضخم الإضافة الفكرية الحقيقية والأصيلة للدكتور محمد عمارة رحمه الله والتى لا يستغنى عنها – فى رأيى – باحث أو قارئ لرواد نهضتنا الحديثة .
– مرحلة تأثره فكريا بجماعة الإخوان المسلمين :
فى هذه المرحلة التى تشكل من وجهة نظرى انتكاسة خطيرة فى حياة مفكرنا الكبير والتى أرى بدايتها منذ مناظرة معرض الكتاب الشهيرة سنة 1992م والتى اغتيل على إثرها المفكر المصرى الدكتور فرج فودة .
بعد هذه المناظرة أصدر الدكتور عمارة مجموعة من الكتب تتناقض كليا مع ما كان ينظر له ويدافع عنه فى فترة الاستنارة والوسيطة من ذلك :
١- التعصب ضد الأقباط :
فبعد أن كان مدافعا عن الوحدة الوطنية والمواطنة فى كتابه الهام ” الإسلام والوحدة الوطنية ” فوجئنا به يصبح داعية للتعصب والفتنة الطائفية والتكفير !!
وكلنا يتذكر عندما ورط وزارة الأوقاف المصرية فى مشكلة خطيرة بسبب نشرها كتابه
” فتنة التفكير بين الشيعة والوهابية والصوفية ” سنة 2006م عندما أورد عبارات تبيبح دماء الأقباط والمسيحيين وقام بعد الضجة بتعديل الكتاب وجاء يومها بعذر أقبح من ذنب عندما قال إن العبارات المسيئة منسوبة للإمام أبى حامد الغزالى !!
وبعد ذلك ألف كتب تطعن صراحة فى الكنيسة المصرية والبابا شنودة مثل ( فى المسألة القبطية حقائق وأوهام , الأقباط المتطرفون فى مصر , الأقليات الدينية والعرقية , استراتيجية التنصير فى العالم الإسلامى , علمانية المدفع والإنجيل التى دافع فيه عن إعدام حركة طالبان لأحد المنصرين فى 2007م )
بل قام بالطعن فى البابا شنودة على قناة الجزيرة القطرية فى 2011م
وقام بتوريط مؤسسة الأزهر الشريف مع الأخوة المسيحيين عندما أصدر ردا على كتاب
” مستعدين للمجاوبة ” ونشره كعدد مجانى لمجلة الأزهر وبه طعن الكتاب المقدس وذلك فى 1430هجرية مما أثار مشاعر الأخوة المسيحيين .
وما كان ينبغى لمثل هذا الكتيب أن ينشر كهدية لمجلة الأزهر التى تدعو للوحدة الوطنية وتجمع ولا تفرق .
2- الدفاع عن ابن تيمية :
تخيلوا الدكتور محمد عمارة الذى كان رافعا لواء الاستنارة فى السبعينيات والثمانينيات وكان يعتبر الوهابية التى تقف عند ظاهر النص دون النظر لفحواه وروحه من أهم المشكلات التى تعرقل العقل المسلم فى العصر الحديث وذلك فى كتبه الكثيرة مثل ” تيارات الفكر الإسلامى وأزمة العقل المسلم وغيرها ” .
نجده يتحول أخيرا لمدافع عن ” ابن تيمية ” وذلك فى كتابه ” رفع الملام عن شيخ الإسلام ابن تيمية ” الذى صدر فى 2007م معتبرا إياه
” إماما عظيما ” رغم أن جميع التيارات المتطرفة والإرهابية فى عصرنا الحديث خرجت من عباءته وتستدل بفتاويه الخطيرة .
والمشكلة الحقيقية تكمن في فكر بن تيمية وليس فى فهم هذه الجماعات كما يدعى البعض !!
وأكبر دليل على ذلك موقف العلماء المعاصرين لابن تيميه من أفكاره سواء تجسيم العقيدة وتكفير المسلمين واستباحة دمائهم وغير ذلك من بلايا كثيرة .
3- الدفاع عن جماعة الإخوان :
فى المرحلة الأخيرة أصدر الدكتور عمارة مجموعة من الكتب التى تنظر لفكر جماعة الإخوان وتروج لقادتها مثل :
” معالم المشروع الحضارى فى فكر الإمام الشهيد حسن البنا ” فى 2006م وذلك بمناسبة الاحتفال بمئوية حسن البنا .. وعنوان الكتاب كاف لتوضيح محتواه .
وأصدر كذلك كتاب ” شخصيات لا تاريخ ” فى 2008م أورد به حسن البنا وسيد قطب مشيدا ومدافعا عنهما .
وأصدر أيضا ” من أعلام الإحياء الإسلامى ” فى 2006م مدافعا عن حسن البنا .
وأصدر كتابه ” محمد الرسول السياسى ” !! عن مجلة الأزهر مدافعا عن رؤية تيارات الإسلام السياسى وعلى رأسها الإخوان .. ومما جاء بالكتاب دعوة د.عمارة لضرورة وأهمية وجود
” الجماعة المنظمة والتنظيم ” لبقاء الإسلام وهذا هو عين فكر الإخوان
وهكذا تحول د.عمارة من داعية لنبذ العنف وتكفير المجتمعات الإسامية مثلما فعل فى كتابه
” أبو الأعلى المودودى والصحوة الإسلامية ” إلى مدافع عن منظرى جماعات العنف والإرهاب !!
ولذلك عندما تم تكريم د.عمارة والاحتفاء به بنقابة الصحفيين فى 2011م حضر التكريم قيادات جماعة الإخوان وقامت الجماعة بنشر كتبه ودعمها .
4- تكفير الرئيس مبارك :
حدث ذلك فى ندوة للجمعية الشرعية بالقاهرة عقب 25 يناير 2011م فى حضور الرئيس العام للجمعية آنذاك ولقد صعقت عندما قرأت ما قاله وتسألت كيف تحول داعية الاعتدال والاستنارة لهذه الدرجة من التعصب البغيض ؟!
5- الطعن فى ثورة الشعب المصرى 30 يونيو 2013م :
قام د.عمارة بوصف ثورة 30 يونيو 2013م والتى شارك بها 30 مليون مصري من جميع الاتجاهات بأنها إنقلابا عسكريا وذلك فى بيان شهير له موجود على اليوتيوب .
وكذلك بياناته على قناة الجزيرة القطرية التى زعم فيها أن الجيش قتل الآبرياء فى رابعة والنهضة .
علما بأن الدكتور محمد عمارة – أثناء حكم الإخوان – لم ينبس ببنة شفة ضد انتهاكات الجماعة الفجة ضد قواعد الديمقراطية وضد الأقباط والإعلاميين والكتاب المعارضين وضد الدستور ؛ لم يعارض الإعلان الدستورى الذى أصدره الإخوان محصنا قرارات رئيسهم من الطعن ضدها بالقضاء الإدارى وانتهاكه لاستقلال القضاء بعزله النائب العام المصرى المستشار عبد المجيد محمود وتهديده لبعض القضاة بالاسم في خطاباته .. لم يصدر بيانا واحدا ضد تهديدات الجماعة ومسانديها للشعب المصري في حال خروجه فى 30 يونيو !!
6- التعصب ضد الشيعة :
كان الدكتور محمد عمارة من دعاة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب وكان يدعو لعدم تكفير من يقر بالشهادتين من الفرق الإسلامية ولكنه تحول فى مرحلته الأخيرة للتعصب ضد الشيعية وكفر بعضهم ويكفى دليلا على ذلك توريطه الأزهر الشريف وإصداره كتيب
” الخطوط العريضة لدين الشيعة ” للوهابى محب الدين الخطيب .
وأصدر كذلك ( التشيع الفارسى المعاصر .. خفايا المؤامرة , افتراءات شيعية على البخارى ومسلم , الأزهر والشيعة ) .
وكلنا يعرف أن المستفيد من الاحتراب المذهبى بين السنة والشيعة هم أعداء الأمة .
وأن خلافنا مع إيران خلافا سياسيا وليس دينيا .
والأزهر الشريف موقفه معتدل دائما فى هذه القضية وهو عدم تكفير الشيعة والتعاون معهم فيما اتفقنا عليه وهذا هو رأى أئمته الكبار وأكبر مثال على ذلك أن كبار علماء الأزهر الشريف كانوا أعضاء مؤسسين بجمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية منذ أربعينيات القرن الماضى .
وأخيرا :
إننى أختلف جذريا مع الدكتور عمارة فى مرحلته الأخيرة سواء على مستوى الأفكار أو المواقف السياسية وهو من علمنا ذلك فى كتاباته الأولى .
ولكنى على المستوى الإنسانى أحبه وأحترمه وأقدره وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يسكنه فسيح جناته .
رحم الله الدكتور محمد عمارة الإنسان والباحث والمحقق وجعل أعماله النافعة فى ميزان حسناته .