تجديد الخطاب الصوفي

قال تعالى : ” والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ”

إن التصوف يشكل معنى من معاني القرب من الله بعد تطهير النفس من أدرانها ، يقوم على الذكر والفكر، تنقله إلى المحبة والعشق ” يحبهم ويحبونه” هذه المعاني ينقلها الذاكر لتصير علاقة مع مجتمعه أمن واستقرار تنعكس على صورة عمل وإنتاج وحضارة على الوطن ، بهذا المعنى يمكن للتصوف أن يصير “صمام أمان للمجتمعات ” . والتجديد يبدأ في التصوف من تغيير النظرة وتوسعة الأفق المفاهيمي ويمكن أن يكون من خلال :

*أولا : الزوايا* ، لا يعيب التصوف وجود الزوايا التي يمارس فيها المريد اذكاره واوراده ، إذ هي مفتاح تنقية النفس .

ولكن علينا أن نجعل من هذه الزوايا مصابيح هداية تنقل للعالم النور والهداية ، فإن المريد اذا لم يكن منورا في نفسه لا يمكن أن ينقل النور إلى غيره .

ننطلق من الزاوية القادرية ،والرفاعية ،والشاذلية، وغيرها من الطرق التي تملأ الدنيا، والتي في حقيقتها طرق في التربية واختلافها كاختلاف الآباء في أساليب تربيتهم لابنائهم .

تنطلق من قول الله تعالى على لسان فتية الكهف : ” وهيئ لنا من أمرنا رشدا ” .

في الزاوية التلقي لأجل الترقي .

فهي المكان الأول الذي يتلقى فيه الطالب أو المريد اوراد وأنوار تزكية النفس ،هي المكان الذي يتعرف فيها على أمراض نفسه فيعالجها،او أسرار روحه فيرقيها، هي مكان طاهر بقدر طهارة اتباعه بتزكية نفوسهم وملؤها بالمحبة لله ولخلق الله ، وإذا خرج المريد من الزاوية بعد اذكاره واوراده وهو فاقد لهذه المعاني التي لا تنتهي مراتبها وأحوالها ومقاماتها ، وقلبه فارغ من المحبة والعشق في حينها عليه أن يعلم أن خللا في نفسه لا بد من إصلاحه وفي حينها عليه أن يعلم أن الرؤى والمنامات هي محض استدراج له .

الزوايا لابد كما تربي المريد باطنيا عليها أن تربيه ظاهريا وذلك بأن تكون منارة علمية لتكون دليلا لعلماء الظاهر على أهمية مزج الظاهر بالمعاني الباطنة .قال تعالى ” مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ” .

*الثاني : الشيخ والمربي* ، قالوا : لولا المربي ما عرفت ربي . إن دور الشيخ في التربية ممدود من دور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى : “يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ” فالمهمة الاولى لرسول الله صلى الله عليه وآله كانت التزكية .

في كل علم من العلوم دنيوية أو دينية يحتاج فيها طالب العلم إلى دال على هذا العلم ، فطالب الهندسة والطب والرياضيات مثلا ، يحتاج الى معلم يأخذ بيده لهذا العلم ، وهذا الطريق السببي أيضا هو موجود في العلوم الدينية إذ هي سنة إلهية .

ما دام أنها سنة إلهية كما قال تعالى : ” وفوق كل ذي علم عليم”. فوقه من هو أعلم منه ليطلب كل واحد منا شيخا له مهما بلغ من العلم .

وفي التزكية الروحية لا بد من معلم ومربي كغيرها من العلوم ، وقد ذكر العلماء في ذلك شروطا كثيرة ، واهم شرط هو” *الحاجة* ” أي أن يشعر المريد بأنه بحاجة لشيخه في الطريق ، وهذا يفسر : أن بعض الشيوخ كان يوجه تلميذه إلى شيخ آخر لأن الشيخ يرى أن التلميذ فقد هذا السر وهو حاجته لشيخه فهو يوجهه إلى آخر .

لذلك الوجهة إلى رسول لا تنقضي، فكان كل المشايخ في توجههم يتوجهون إليه من حيث ما هو متوجه الى الله تعالى .

قالوا : ” المريد كالميت بين يدي مغسله ” . ليس المراد أبدا أن يكون المريد ” أحمق” وانما هي إشارة إلى الاستماع بعناية إلى كلام شيخه وأخذه على محمل الجد .

لأن المغسل يطهر الميت ، كذا الشيخ كلامه المقصود منه طهارتك . في اخذك لكلام الشيخ ليس المقصود كما يتوهم بعضهم إلغاء العقل، وانما المراد تصفية النفس بحيث يصير العقل في مرتبة أسمى وأعلى من مرتبته التي هو فيها ، فإن الذوق عند أهل الله لا يتعارض مع العقل وإنما الذوق هو أكثر سعة وارحب مكانا .

يتبع …….

 

بواسطة
د. ربيع العايدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق