تجلية صوفية!

يعتقد عامة الناس ، أن الله جعل رمضان للمسلم محطة ربانية روحية ، يعوض بها ما قصّره بحق الله “فيما يصل العبد بربه” خلال العام. لا يمارس هذا الاعتقاد على رمضان وحسب، بل على الدين كله، فهو مأخوذ بجابنه الروحي وحسب. فالكثير من المسلمين في العالم، يمؤمنون في قرارات نفسهم ، أن الأمانة، كمثال، من الدين، لكنهم يخونون دونما أدنى شعور بالذنب، وإن تأخروا عن الصلاةِ ، ضاقت عليهم الأرضِ بما رحبت.

ووفقاً لهذا الاعتقاد الجمعي.. ما أن يحل رمضان، أكثرَ الناسِ من صلوات الجماعة، وتجمعوا بغُفرةٍ في صلاة التروايح، وأنزلوا المصاحف من أرفافها وقد غطّى الغُبارِ ملامحها. ويبدأ السباق في القراءة. القراءة من أجل القراءة. من أجل الحصول على أعلى قدر ممكن من الحسنات ، فالحسنةُ بعشرةِ أمثالها. و (آلم) ليس حرف، بل ألفٌ حرف، ولامٌ حرف ، وميمٌ حرف. والانهيال تسبيحاً فوق حباتِ المسبحة، وفرك الأسنان بالسواك.. فينخرط الناسُ جميعاً حرثاً بكل جِدٍ و إخلاص في هذه الحقول العبادية وحسب. تاركين كل ما عداه ، بذات آلة الترك الدائمة. الوقوف أمام آية ومحاولة فهمها وادراكها، أمرٌ غيرِ ذي بال.!

في هذا الشهر، أنزل الله القرآن، الذي غير به على يدُ نبيهِ محمد(ص) مجرى حياة البشر وإلى الأبد. ولا يَزال كثيرٌ ممن لم يؤمنوا به ، وافقين بكل ذهول أمام عظمة هذا الكتاب. عباقرة وفلاسفة من الشرق والغرب، اسلموا بعد أن عرفوا أن القرآن هو المنهج الذي يجب أن يحتكم به كل العالم اليوم. من هذا الشهر بدأت قيام حضارة إسلامية امتدت من شبه الجريرة العربية إلى أعماقِ أوروبا وشرق آسيا، جابت ولا تزال حتى اللحظة كل العالم. بهذا الصورة أراد الله أن يفهم المسلمين أن رمضان نقطة إنطلاق نحو إرساء أنظمة حياة وقيام حضارات موحدةً وعادلة..

إنه شهرٌ للتغيير .. لتَغيرِ بهذا الحجم ..! لتغيير الحياة -إيجابياً- من واقع إلى آخر .. سواءً على الصعيد الفري، أو الجماعي. أما، ماذا فعلنا نحن؟ حولناه من شهر للتغيير الحضاري إلى شهر للغيير الروحي الفردي وحسب. إلى شهر عبارة عن ” تجلية صوفية”. وواقعنا كأمة مسلمة في أبهى صور الخجل والانحطاط والفساد والظلم.. حزنٌ وألم في كل مكان، وخيانات متفشية في الأرجاء.

بطريقة ما، ليسَ لها تعريف ، هكذا يبدو المسلمين في شهر رمضان وحتى في غيره.

وإنطلاقاً من خلال وقُوفِنا وقراءتنا لهذا الاعتقاد الضبابي الذي يعيشه معظم المسلمين منذو أمدٍ طويل، نجدهم يميلون ويُبَجلون الجوانب العبادية على حساب السلوك والأخلاق في الواقع. و هذا المِيول و التبجيل ، لا يمكن اعتباره سلوكاً فردياً عابراً. استمراريته وعمومِيَته تُشير إلى أن له جذورٍ ما ، تاريخٍ ما ..و لم يَصنع نفسه، بل آلة الثقافة، وليسَ الثقافة نفسها، انتهجت هذا الطريق في زمنٍ ما، وهي( ثقافة الدين الروحية) التي شكلت العقل الإسلامي، عَمِلتْ على مدى قرون على تبجيل الجانب الروحي وتهميش الجانب المادي، أو لنقل أنه لم يحضَ بالاهتمام المطلوب. والجانبين يُشَكِلا صلبا العقيدة الصحيحة.

الإسلام دين شامل، روح ومادة، عبادة وسلوك، إيمانٌ وعمل صالح. و دينٌ مالم يكن بهذا التوازي ، دينْ مشوه وناقص. ولأننا كأمة مسلمة اليوم حملنا نصف هذا الدين ومضينا ؛ فكان واقعنا المريرُ هذا والذي قد بلغَ ذروته في الأعماق السحيقة من القاع. الأكثر من ذلك ، والذي هو الأخطر والأصدم، أن الأمة لا يبدو لها أن هذا الأمر حقيقة مكتشفة أو أنها تعتبره معضلة غير مثيرة للاهتمام.!

 

بواسطة
حسام الحاتمي ــــ اليمن
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق