تونس : من أجل الوطن، فلا بد للصفوف أن تتحد
يعيش مجلس نواب الشعب في هذه الفترة مشاحنات و خصامات حادة بين كتله و ممثلي الشعب داخل المجلس خاصة مع ارتفاع نسق المبادرات التي تتقدم بها الحكومة و بعض الكتل البرلمانية . تراشق بالتهم و اختلافات عطلت سير الجلسات في وقت تشهد فيه تونس مشاكل و صعوبات اقتصادية خانقة تزامنا مع طرح الحكومة لمشروع قانون المالية لسنة 2021 و الوضع الصحي الصعب الذي تمر به البلاد .
بعد ثورة ديسمبر 2010 عرفت تونس تغيرات جذرية في المشهد السياسي الذي إنتقل من مشهد الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية . زمن حكم بن علي نشطت بعض الاحزاب السياسية المعارضة التي سميت بأحزاب المعارضة الكرتونية التي استغلها النظام لتبييض صورته في العالم ، و من جهة أخرى كانت بعض التنظيمات تنشط بصفة غير قانونية و يحاكم أفرادها بتهم الانتماء الى أحزاب و منظمات خارجة على القانون ، هذه الاحزاب على اختلاف توجهاتها جمعتها فكرة معارضة نظام بن علي و حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ٱنذاك ، فالاختلاف الايديولوجي لم يمنع المعارضين في التوحد و الاصطفاف صفا واحدا لمقاومة النظام الديكتاتوري ، هذه المسيرة النظالية انطلقت زمن حكم الرئيس الحبيب بورڤيبة لتتواصل بعد 1987 عند تولي الرئيس الراحل زين العابدين بن علي مقاليد الحكم بعد ما سميّ بإنقلاب 7 نوفمبر 1987 لدى معارضي بن علي و ذكرى التحول المبارك بالنسبة لمناصريه .
الحركات الاسلامية و اليسارية في تونس كانت تجمعها علاقة طيبة قبل 2011 و ذلك ما نلاحظه حتى من خلال شهادات أناس زامنوا تلك الحقبة التاريخية و أكدوا بأنهم خاضوا تجربة الكفاح سويا و جمعتهم زنزانات السجون و أروقة المحاكم و بلدان المهجر . لكن و مع سقوط نظام بن علي في 14 جانفي 2011 ، انقلبت الامور رأسا على عقب .
التجربة الديمقراطية في تونس كانت بمثابة نجم ساطع في سماء العالم العربي ، فالثورة التونسية التي ألهمت الشعوب العربية و كانت شرارة لانطلاق المظاهرات و الاحتجاجات المطالبة بالحق في الكلمة الحرة و العيش الكريم في دول عربية عدّة كانت قد مثلت بريق أمل للأمة العربية في مستقبل مشرق و التغيير نحو الافضل .
هذه الثورة التي اندلعت بطريقة عفوية من أحياء الفقراء في تونس كانت نتيجة تراكمات و فشل سياسي في ادارة البلاد مما خلّف حالة سخط في صفوف المواطنين عجّلت بإشتعال شرارة الثورة و سقوط النظام . هذه الحركة العفوية النابعة من ألم و معاناة الشعب التونسي أزاحت بن علي المتربع على عرش قرطاج منذ 23 سنة و مهدت الطريق لعديد الوجوه السياسية للبروز و الظهور ، منهم من كان يقبع بالسجون و ٱخربن عائدين من المنفى و ثلة أخرى لم تكن معروفة و لم يسبق لها الدخول في عالم السياسة .
في فترة زمنية قصيرة عرفت تونس تأسيس عدد كبير من الاحزاب السياسية ، مشهد سياسي لم تعرفه تونس من قبل ، عشرات الأحزاب و مئات السياسيين يحتلون المنابر الاعلامية لكل منهم توجهه الخاص و أفكاره التي يقترحها و يسوقها لعامة الشعب . ذلك الشعب الذي توحد في فترة ما تحت شعار واحد هو “اسقاط النظام” و المطالبة بالحرية و الكرامة ، هاهو اليوم يعاني التفرقة و الخصامات حتى داخل الاسرة الواحدة .
فمع أول انتخابات برلمانية حرة عرفتها تونس ، بدأت الاختلافات الحزبية تطفو على السطح لتخلق أزمة جديدة في المشهد التونسي ، فالمصالح الحزبية و التعصب للأفكار جعل شوارع تونس تتحول الى ساحة معارك بين الفرقاء السياسيين خاصة مع اقتراب كل عرس انتخابي ، هذه الخصامات و المشاحنات الحزبية كانت نتيجتها تكفير و تخوين و شتائم أصبحنا نشاهدها يوميا في شاشات التلفاز ، الى ان وصل الامر الى اغتيالات سياسية طالت شخصيات سياسية لتخلف وراءها حالة احتقان في تونس .
ثورة تونس اندلعت من أجل مطالب شعبية و اجتماعية منادية بالتنمية و الحق في العيش الكريم و التشغيل ، هذه المطالب سرعان ما ألقي بها في سلة المهملات و تحولت الى صراعات سياسية من أجل المناصب و النفوذ .
أزمة سياسية انطلقت منذ اول يوم بعد سقوط نظام بن علي و حزبه ، فالاختلاف في الافكار و الخصومات الحزبية حسب عدد كبير من التونسيين كانت عائقا أساسيا أمام تحقيق مطالب الثورة . فاليوم و بعد عشر سنوات تقريبا من سقوط النظام لم تعرف تونس ازدهارا و لا تطورا اقتصاديا ، فالامر ازداد تعقيدا بالنسبة للكثيرين ، فالقدرة الشرائية للتونسي تتهاوى يوما بعد يوم مع تهاوي المنظومة الاقتصادية و ارتفاع نسبة التداين الخارجي و العجز في الميزان التجاري و فشل الحكومات المتعاقبة على تونس في انقاذ الموقف و الخروج بالبلاد من هذه الأزمة .
تونس اليوم تعيش ازمة اقتصادية خانقة زادت من صعوبة الوضع و تردي مستوى عيش التونسيين ، هذا الامر الذي تبينه الارقام و الاحصائيات المسجلة في تونس خلال السنوات الأخيرة ، فضعف الامكانيات و تردي البنية التحتية و توقف النشاط في عدة مجالات حيوية جعل الحكومات تقف مكتوفة الايدي امام تعمق الأزمة رغم المحاولات و الدعوات الى التسريع في ايجاد حلول جذرية تنقذ الشعب التونسي من سيناريوهات كارثية . البلاد تعيش اليوم وضعا دقيقا و حساسا يتطلب تظافر الجهود و الوقوف صفا واحدا في مواجهة الفقر و الخصاصة و الذهاب بتونس الى بر الامان ، لكن كل هذا يبقى شعارات رنانة لا تلقى تجاوبا من معظم الفرقاء السياسيين الذين تناسوا مطالب التونسيين و انغمسوا في تصفية حساباتهم الشخصية و التصارع من أجل الحكم .
تونس اليوم في حاجة الى سلم اجتماعي و مبادرة تجمع كل التونسيين رغم اختلافهم لمواجهة عدو أساسي هو الفقر ، فمثلما اجتمعوا على كلمة واحدة في ديسمبر 2010 هم الٱن في امس الحاجة الى توحيد الصفوف و ترك كل الخصامات و الاختلافات و العمل سويا للنهوض بالاقتصاد التونسي و تحسين الظروف الاجتماعية و تحقيق التنمية التي كانت و لا تزال مطلبا أساسيا للشعب التونسي الذي لازال يطمح الى الرقي و التقدم . فما أحوج التونسيين اليوم الى مبادرة توحدهم و تجمعهم للعمل و الانطلاق نحو الاصلاح الفعلي و الوقوف على أخطاء الماضي و اصلاحها ، فالخلافات السياسية ليست حكرا فقط على التونسيين فمن العادي ان نرى تنوعا و اختلافا في كل الدول الديمقراطية ، و تونس اليوم هي في طور بناء نظام ديمقراطي .
الاصلاح لا يكون الى بالوقوف على الاخطاء و محاولة تداركها و الانطلاق في كتابة التاريخ من خلال حاضر مزدهر . تونس التي تعج بالكفاءات و الطاقات الشابة القادرة حقا على الخلق و الابداع و لكنها لم تجد الأرضية الملائمة . فأصحاب السلطة اليوم في تونس مطالبون بإيجاد حلول حقيقية و تطبيقها على أرض الواقع علّها تكون بادرة طيبة و بصيص أمل للتونسيبن بعد سنوات ركود اقتصادي و انعدام يكاد يكون كليا للحلول و وضع صعب تمر به البلاد زادته جائحة فيروس كورونا تعقيدا