ثقافة التسامح والتعايش السلمي.. واقع و آفاق

التسامح لبنة أساسية في بناء القيم، قيم التصالح مع الذات ومع الآخر، في إطار تعايش سلمي، يلغي كل الفوارق و ينبذ كل التعاليات: اللونية و الجنسية والعرقية و الدينية و الإثنية…
فإلى أي حد يمكن تحقيق هذه المعادلة، بالنظر إلى واقعنا المعيش، و ما الآفاق المستشرفة؟
في جل دوراتها ، راهنت مؤتمرات التسامح و التعايش السلمي على الشباب، باعتباره الفئة الأحوج إلى كبير الاهتمام ، فهو صانع الحضارة في المستقبل.
** واقع يحتاج إلى وقفة
المتأمل لبنيات المجتمعات العربية ، يجد أغلبها متهالكا و مأزوما ، على مختلف المستويات .. فنحن اليوم إزاء معضلة ما يسمى بالاحتباس القيمي ، حيث التبعة و المسؤولية ملقاة على عاتق جميع مكونات المجتمع: المؤسساتية و السياسية و المدنية و الاجتماعية، بما في ذلك الأسرة و السلطات العمومية و الأحزاب و المجتمع المدني و المدرسة و الهيآت الدينية، حيث التساهل و التراخي سيد الموقف، و حيث الانسلاخ و التغريب عن الهوية، و حيث النمودج الذي يحتدي به، نمودج مستورد و مهلهل من كل ما هو غربي و عربي، و حيث التناحر و التنافر يسود أفراد الأسرة الواحدة، و حيث التطاحن يسحق الشعوب…
و يبقى بعض هذه القنوات ، إن لم نقل كلها ، مفرغا من القيم الحقيقية.
** كيف السبيل إلى احتواء هذا الوضع ؟
لا ننكر أن هناك نداءات و مبادرات داعية إلى إحداث التغيير، لكن العلة تكمن في الاستجابة ، قلتها أو عدمها…
و تبقى المنظمات و الهيئات و الجمعيات، التي تراهن على قيم التسامح و السلام، في خضم تلك الانتكاسات المتسارعة ، و من خلال سلسلة من المؤتمرات و الملتقيات، رائدة في ما تركته من أصداء و بصمات محلية و عالمية ،في باب نشر ثقافة التسامح و السلام، التي هي الأصل في استئصال جذور الآفات، التي يعاني منها الآخر اجتماعية كانت أو سياسية أو أخلاقية او دينية..
و من خلال ما أسلفنا فإن التركيز يبقى دائما على الشباب، لأن هذا الأخير أصبح قنبلة موقوتة، في ظل تعدد وسائل التواصل التكنلوجي الملغوم في بعض مساربه ،و العصي على كل مراقبة أو متابعة.. لهذا كان حريا بالخطاب أن يستهدف ، أول من يستهدف ،الشباب و أن يجعله في منأى عن كل الإغراءات الأيديولوجية، و كل الأفكار الهدامة، الداعية إلى التطرف و الإرهاب، و التي تتسرب إليه فيتمثلها دونما وعي منه.
و من هنا كان حريا بهذه الهيئات الداعية إلى السلم و التسامح أن تستهدف في مجمل نشاطاتها تمنيع هذا الشباب و تحصينه، لأنه المعول عليه، كدينامية لتحريك مسيرة السلام و التسامح و التعايش بين الشعوب، و لتفعيل مبادئ و أهداف هذه الهيئات،و التي نجملها في الآتي:
– نبذ العنف و الكراهية و الصدام ، و التصدي للإرهاب و التعصب العرقي، و الدعوة إلى مد جسور الحوار و التفاهم و الاحترام، بين العالم الإسلامي و باقي الشعوب الأخرى، تفاديا للطائفية المقيتة و إحلالا للتساكن و التعايش و السلام.
– رعاية حقوق الإنسان و المرأة و الطفل من منظور التسامح.
– إيلاء الاهتمام للمؤسسات الدينية و التعليمية و الإعلامية و الفنية و الثقافية، بشكل يضمن انخراط كل هذه القنوات، في الدفع بعجلة التسامح و السلام إلى الامام، إلى جانب التأكيد أيضا على قيم المواطنة ، و الدعوة إلى تكامل الجهود السياسية و الدينية ، و جهود المجتمع المدني ، و كذا تفعيل أسس السلام و احترام الهويات و الخصوصيات القومية ، إلى جانب القضاء على التمييز بكل أشكاله.
و يبقى الهدف من أنشطة كل هذه الهيئات هو إماطة اللثام عن كل المعيقات، و تبني استراتيجيات تعمق مفهوم التسامح، من خلال بلورة مشروع إنساني تاريخي ، يمكن من تعايش كل الألوان و الأطياف و الجنسيات و المعتقدات ، مما يخلق نوعا من التثاقف والتلاقح البنائين.
كما يبقى السلم والمحبة والتسامح دائما هو تلك الظلة التي يستظل تحتها العالم مطمئنا..لأن الحروب تدمر، بينما الحب يعمر.