جديد.. الحراق يصدر “أدِرْ ذكرَ مَن أهْوَى..مصاحَبَاتٌ عرفانية”
عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط، وبلوحة غلاف روحيةٍ بهية من توقيع الفنان عبد المولى بنمالك، صدر للباحث والإعلامي والفنان الصوفي د. محمد التهامي الحراق كتابٌ جديد، هو الكتابُ التاسع في سلسلة أعماله التأليفية. ويحْمِل عنوان:
“أدِرْ ذكرَ مَن أهْوَى..مصاحَبَاتٌ عرفانية”
ويندرج هذا الكتابُ، ذو 320 صفحة من القطع المتوسط، في خانة الأفق العرفاني الذي يشتغل عليه الحراق؛ وهو ما يتبدَّى في هذا العمل منذُ عنوانه المقْتَبَس من بيت لسلطان العاشقين عمر ابن الفارض، والذي يقول فيه:
أَدِرْ ذكْرَ مَنْ أهْوَى وَلَوْ بملامِي — فإنَّ أحاديثَ الحبيبِ مُدَامِي
مثلما يتَبدَّى ذاك الأفُقُ في لوحةِ الغلافِ التي ترسُم ذاكرًا بملامح مغربية في خلوته التنسُّكيَّة، وهو يسبِّح ويناجي محبوبَه المتعالي؛ ويتبدى ذاك الأفُق، ثالثا، في الإهداء الذي صُدِّرَ به الكتابُ؛ وكذلك في طبيعة “المصاحبات” التي ينطوي عليها، وفي اللغة التي كُتِبَتْ بِها، ثم ، أخيرا وليس آخرا، في توزيعِ مكوناتِ الكتاب.
هكذا، ينقسم الكتاب بعد التقديم إلى فصلين، الأول بعنوان “مصاحبات أعلام”؛ ويتناول فيه المؤلِّف بالتعريفِ أربعة وعشرين عَلَما ووليًّا من كبار أعلام التصوف الإسلامي، وخصوصا منهم المغاربة؛ جامعا في هذا التناول بين التعريفِ والترجمة الوجيزين لهؤلاء الأعلام، وبين التأمل في أحوالهم من خلال استحضار نماذج من إشراقات فتوحهم في أقوالهم. فيما يتناول الفصل الثاني المعنون بـ “مصاحبات كلام”، أربعةً وعشرين بابا من أبواب الدلالة والمعاني الذوقية في كلام القوم و”أشعارهم”؛ وخصوصا منها تلك المتداولة في حلق الذكر ومجالس السماع بالمغرب. وخلال هذا الفصل يضيء المؤلِّفُ جملة من الأبعاد الدلالية المخصوصة في كلام القوم؛ مُبرِزًا أصولَها، ومُستنطِقا آفاقها، ومُبَيِّنا خصائصَ حضورِها الروحي والجمالي في السياق المعرفي والعرفاني بين الصوفية.
وكيما نتعرّفَ على النَّفَسِ الروحي والجمالي الذي كُتِبَ به هذا الكتابُ، هذا مقتطفٌ من المقدمة، حيث يقول المؤلف بلغة ثملى بالدمغة الروحانية:
“هذه أوراقٌ تُجَاوِرُ ذائقين، وتُحَاوِرُ أذواقا. إنها مَسْطُوراتٌ تقترِبُ من أحوال العارفين وكلامِهم؛ تَصْحَبُهُمْ تأمُّلا في سِيَرِهِم وسَيْرِهم، وتُصاحبُ نُصُوصَهمْ تبَلُّلا بمعارفهم ومعارجهم؛ تُنصتُ بأذن الفؤادِ لِنبضاتِ خلواتهمْ وهُمْ يُديرونَ ذكرَ مَن يُحبُّون، ويشربونَ من مُدَامةِ هذا الحبيبِ ما به يَترَقَّونَ في مَعَارجِ محبتهِ ومعرفته. هي أوراقٌ تَلتقطُ دقائقَ مُسْتَلَّةً من مجرى زمن المسافات، وتَسقي القارئَ مِن مُدَام أحاديثهم عن الحبيب رشفات؛ تَقتطفُ من بستان ما رَقَمُوه بصلاحهم وعرفانهم بعض القطوفِ والتجليات، فتُصْغي لمواجيدهِم، وتُسافر معهم في ترقيَّاتهم، علَّها تَستقي من بحر معرفتهم بالله قطراتٍ، أو تقتبِسُ من كلامهم القريبِ العهد من ربه كلماتٍ ليست كالكلمات”.
ولم يفتِ المؤلفَ بيانُ بعض مقاصدِ هذا الكتابِ في السياق الراهنِ، حيث يضيف أنه كتبَ هذهِ النصوصَ “رغبةً في أن تُسهِمَ إشراقاتُها في إنارةِ عقولنا ببعض ما يُنقذنا من مخالب أزمة المعنى في سياقنا المعاصر، وشغفًا في أن تفتح في بصائرنا آفاقا مغمورةً للتأمل والسفر والتسآل واستمداد المعنى واستلهام الأسرار؛ أسرارِ حديثِ الحبيبِ في أعالي الصمتِ؛ أسرارِ ميثاقِ “ألسْتُ بربكم” في أقْصَى البداية؛ تلكَ الأسرار التي يُمعِنُ الإنسانُ المعاصرُ في نِسيانِها، فيما يحتاج إلى ذِكْرِها وتذَكُّرِها أكثر من أي وقتٍ مضى؛ أسرارٌ ما يفتأ يتجددُ عطشنا الأنطلوجيّ إليها، وتُغرِي القَوْلَ بملاحقةِ بَوارقِها وشَوَارِقِها، وإنْ كانتْ من جنسِ ما يُذاقُ ولا يحيطُ بهِ القولُ، أو قل من جنس ما يُهْمَسُ بهِ ولا يَنقال؛ “وخَشَعَتِ الأًصواتُ للرحمنِ فَلَا تَسْمَعُ إلَّا هَمْسًا” (طه،108).