جماعات التطرف والإرهاب .. ونظرية الاستحلال (1-3)
كلنا يتذكر المشهد الشهير بفيلم ” الإرهابى ” والذى جمع أمير الجماعة الإرهابية ” قام بدوره الفنان الرائع أحمد راتب ” مع الأخ على عضو الجماعة ” قام بدوره النجم عادل إمام ” والذى جاء به هذا الحوار الكاشف لفكر جماعات التطرف والإرهاب :
أمير الجماعة : هو صاحب الفيلا دى مش شايل قرشين ؟!
الأخ على : أيه ؟!
أمير الجماعة : الراجل صاحب البيت ده مش شايل فلوس !!
الأخ على : بس ده مش نصرانى عشان يحل لنا الاستيلاء على أمواله !!
أمير الجماعة : ولا هو مسلم ده كافر وعقابه عند الله أشد .. فى جهادنا ضد الكفار أموالهم غنيمة لنا لشد أزر المؤمنين .. ولا أنت نسيت دروسك يا أخ على ؟!!
وعندما دخلت ابنة صاحب البيت لتقديم الشاى لهما سأله الأمير : هل حدث بينكما شئ ما ؟!
الأخ على : استغفر الله
الأمير : ولكنها كافرة مثل أبيها
الأخ على : قصدك أيه يا أخ سيف ؟!
الأمير : فى جهادنا ضد الكفار أموالهم غنيمة لنا ونسائهم جوارى لنا .
هذا الحوار العبقرى الذى كتبه المبدع وحيد حامد مؤلف الفيلم حوار كاشف لفكر جماعات الإسلام السياسى ؛ ويظهر بجلاء مفهوم عقيدة الاستحلال عندها .
وأتذكر أنه عند عرض الفيلم فى 1994م خرجت بعض الأقلام تطعن فى الفيلم وتتهمه أنه يشوه فكر الجماعات الدينية وأن ما جاء به كذب وافتراء !!
ودارت الأيام وجاءت 2011م وظهرت جماعات الإسلام السياسى على السطح وأظهرت أفكارها بدون مواربة , وتأكد لنا عمليا أفكار هذه الجماعات واتهامها للأنظمة العربية بأنها جاهلية واستحلالها قتال حكامها وجيوشها وقوات أمنها واستحلال الكذب ونشر الشائعات وفبركة الفيديوهات ؛ لأنها ترى أن المجتعات العربية ديار كفر وحرب يستحل فيها كل شئ ” الدم والعرض والمال ” !!
لذلك سنناقش نظرية الاستحلال عند هذه الجماعات لتوضيح المقصود بها , ثم سنقوم بالرد عليها ونقضها .
أولا : المقصود بالاستحلال عند فقهاء الأمة
لغة : الاستحلال مصدر استحل الشئ بمعنى اتخذه حلالا
اصطلاحا : يستعمل الفقهاء لفظ الاستحلال بمعنى اعتقاد الحل وقد يكون الاستحلال :
كفرا : إذا كان بمعنى الاعتقاد القلبى بحل ما حرمه الله يقينا مثل القتل والسرقة وهتك الأعراض وهذا طبعا خلاف من اقترف ذلك مع الاعتقاد القلبى أنه محرم شرعا فلا يجوز تكفير صاحبه وإلا يقع فيما وقع فيه الخوارج قديما من تكفيرهم مرتكب الكبيرة .
حراما : مثلما تقوم به العصابات الإجرامية من سرقة وقتل مع اعترافهم أن ما يقومون به حرام ولكنهم يبررون ما يقومون به بدعاوى الحاجة وغيرها .
مباحا : مثل استحلال الفروج بطريق الزواج الشرعى 1)
هذا هو معنى الاستحلال فى كتبنا الفقهية .. ولكن جماعات التطرف والإرهاب انتحلت مفهوما باطلا لكلمة الاستحلال ؛ وزرعت فى عقول أعضائها أن معنى الاستحلال هو استباحة دماء وأعراض وأموال الحكام والمجتمعات العربية بدعوى أنهم ارتدوا عن الإسلام وأن المجتمعات العربية أصبحت جاهلية وديار كفر وحرب يستباح فيها كل محرم ” الدم والعرض والمال والكذب وخلافه ” .
ثانيا : صور الاستحلال عند جماعات الإسلام السياسى
1-استحلال الكذب ونشر الشائعات
الدراس لفكر وتصريحات وبيانات جماعات الإسلام السياسى عبر تاريخهم يظهر له جليا أنها تستحل الكذب ونشر الشائعات على المخالف ولمصلحة التنظيم .
ولقد ظهر هذا بصورة فجة أثناء ما أطلق عليه ثورات الربيع العربى من استحلالهم نشر الشائعات وفبركة للفيديوهات والكذب على المخالفين لهم لمصلحة التنظيم .
وفى اعتصاماتهم وعلى منصاتهم كانوا يروجون الأكاذيب ليل نهار ضد الجيش المصرى ومؤسسات الدولة المصرية , وبعد فض الاعتصام المزعوم والذى كان فى الحقيقة بؤرة إرهابية تهدد المصريين كذبوا كعادتهم دائما فى تحديد القتلى وجعلوهم بعشرات الآلاف لإدعاء المظلومية .
وبعد ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013م قاموا على مدار الشهور المتتابعة بنشر الشائعات والأكاذيب فى إطار حربهم ضد الدولة المصرية بكل مكوناتها مثلما قاموا بتزوير الفيديوهات والصور ونشرها على قنواتهم وصفحاتهم الإلكترونية على أنها لمظاهرات حاشدة فى مصر ليلة الجمعة ٢٠-٩-٢٠١٩م .
وقبل ذلك وفى حقبة السبعينيات من القرن الماضى نشر قادة الإخوان مذكرات وكتب كثيرة مليئة بالأكاذيب والأساطير هدفها الوحيد تشويه عصر الزعيم جمال عبد الناصر ؛ والنموذج الفج لذلك مذكرات الإخوانية زينب الغزالى ” أيام من حياتى ” المليئة بالأساطير والخزعبلات الذى يكذبها العقل والمنطق .. والتى أثرت فى الكثيرين ؛ لأنه ما كان أحد يتخيل أن أناس يدعون أنهم متدينون يكذبون !!
وتبين بعد ذلك أنه تم كتابتها تحت بند ” الحرب النفسية واستحلال الكذب على المخالف ” لتشويهه وأنها كتبت تحت إشراف وتأليف القيادى الإخوانى الدولى “يوسف ندا ” .
والذى اعترف للدكتور أبو العلا ماضى قائلا : أنا مؤلف هذا الكتاب .. مبررا ذلك بقوله ” اللى تغلب به إلعب به ” !! 2)
وقام يوسف ندا أيضا بفبركة وثيقة تدعى كذبا أن المخابرات العامة والأجهزة الأمنية المصرية قد اجتمعت فى عهد الزعيم جمال عبد الناصر لمحاربة الدين الإسلامى وكان تبرير يوسف ندا للمهندس الإخوانى مراد جميل الزيات أن الحرب خدعة !!
وقد أقر الدكتور محمد سليم العوا بصحة ذلك قائلا : هذه الرواية حقيقية وأنا أعلم بها منذ أربعين عاما والنص الأصلى للوثيقة التى كتبها يوسف ندا عندى فى مكتبتى ” . 3)
وتم تسريب الوثيقة للشيخ محمد الغزالى – بدون علمه – والذى قام بدوره بنشرها فى كتابه
” قذائف الحق ” على أنها وثيقة صحيحة بدون تمحيص .
وهذا على بن الخضير يصدر فتواه الشهيرة والتى تستحل الكذب لنصرة الأخ أو التنظيم
قائلا :
” فالكذب يجوز لنصرة المسلم ولدفع الكافر أو العدو .. جواز الكذب لتحقيق مصلحة ومن المصلحة رفعة المسلم وذلة الكافر .. ومفهوم الحرب أعم من أن يقصر على نصب القتال وإنما يدخل فى ذلك أيضا السعى للفتك برأس من رؤوس الكفر والإلحاد والعلمنة والفسق المحادين لله ورسوله .. ومن الحرب حرب الأفكار وهى أشد من حرب القتال ؛ فيجب استخدام الخدعة ويباح الكذب فيها لإظهار أهل البدع والشركيات وأهل الفرق الباطلة وإظهار أهل السنة بمظهرهم اللائق بهم .
ولذلك يجوز الكذب والشهادة وتغليظ اليمين لنصرة الدين الإسلامى ونصرة أخوك المسلم الصالح مما يريدون به كيدا , وإذلال أهل البدع والضلالات والفرق الفاسدة ونسأل الله أن يكون لك بذلك الأجر والمثوبة ” . 4)
إن تجار الدين الذين يتخذونه مطية للوصول لكرسى الحكم يستحلون الكذب طالما يصب فى مصلحة الجماعة والتنظيم .. مخالفين ثوابت الدين التى تحرم الكذب .
لأن الدين عندهم عجينة يشكلونها كيفما يشاءون من أجل مصلحتهم ومصلحة جماعتهم .
الرد:
الكذب حرام شرعا ومن كبائر الذنوب كما جاء بالقرآن الكريم وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم :
“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” التوبة 119
” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ” النساء 135
” إن الصدق يهدى إلى البر , وإن البر يهدى إلى الجنة , وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا , وإن الكذب يهدى إلى الفجور , وإن الفجور يهدى إلى النار , وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ” رواه البخارى ومسلم
” آية المنافق ثلاث , إذا حدث كذب وغذا وعد أخلف وغذا أؤتمن خان ” رواه البخارى ومسلم
والسؤال الآن :
هل قادة هذه الجماعات لا يعرفون أن الكذب حرام شرعا ؟!
بالطبع : يعرفون .. لأن ذلك من المعلوم للكافة فما هو إذن المستند الشرعى لكذبهم ؟!
المستند هو : أنهم يعتبرون أنفسهم فى حرب مع الدولة المصرية والكذب مباح فى الحرب .
وتناسوا من أجل مآربهم السياسية الحقائق الآتية :
– أن الأصل فى الكذب التحريم .
– أنه ممنوع فى كل الشرائع والقوانين إعطاء العدو معلومات تفيده فى الحرب ضدنا وأن من يفعل ذلك يعتبر خائنا ؛ لأن تضليل العدو فى الحرب واجب شرعى ووطنى وعدم إعطاء العدو معلومات تفيده لا يعد كذبا .
والذى فعله النبى صلى الله عليه وسلم ويستدولون به – زورا – على استحلال الكذب ليس كذبا ولكن تورية !!
فعندما سأله الأعرابى أثناء قيامه باستطلاع أخبارك قوات قريش فى غزوة بدر ومعه أبو بكر الصديق رضى الله عنه قائلا :
لا أخبركما حتى تخبرانى ممن أنتما ؟!
قال صلى الله عليه وسلم للأعرابى : نحن من ماء .
وفهمها الأعرابى : أن النبى وأصحابه من قبيلة ماء
وقصد النبى صلى الله عليه وسلم أنه خلق من ماء وهذا حق .
فما فعله صلى الله عليه وسلم – على فرض ثبوت الرواية – 5) هو من باب التورية والمعاريض وليس الكذب .
ولكن جماعات التطرف والإرهاب تفهم الرواية فهما غير صحيح .
– تناست هذه الجماعات أن هذه الرواية تتكلم عن كفار معتدين وفى وقت المعركة .
ثم أنزلوا الرواية على صراعهم السياسى مع الأنطمة والمجتمعات العربية من أجل وصولهم للحكم .
ولازم فعلهم أنهم يعتبرون الأنطمة العربية ومن يؤيدهم كفارا محاربين !!
وهذا هو الخلل الحقيقى عند هذه التنظيمات :
أنهم جعلوا خلافهم السياسى مع الأنطمة خلافا دينيا ثم كفروا النظام والشعب .
ومن ثم أعتقدوا أنهم فى حرب مع الكفار يباح فيها الكذب والفبركة والتدليس وكل المحرمات .
هذا هو الخلل الجوهرى الذى تنطلق من خلالها هذه التنظيمات فى تعاملها مع الدولة العربية مستبيحة الكذب والتدليس ونشر الشائعات !!
الهوامش :
1- أنظر الموسوعة الفقهية الكويتية ج3 ص 236 , 237
2- أنظر مقال ” الكذب والسياسة : الإخوان نموذجا ” للدكتور محمد السعيد إدريس جريدة الأهرام بتاريخ 1-4-2014م
3- المرجع السابق
4- الفتوى منشورة على شبكة الدفاع عن السنة
5- يرى بعض علماء الجرح والتعديل أن هذه الرواية غير صحيحة لأنها منقطعة السند .