جماعات العنف والإرهاب .. ونظرية الاستحلال (3-3)

وهذه واقعة هامة وكاشفة :
اتفقت كتب السيرة النبوية المعتمدة أن النبى صلى الله عليه وسلم قد طلب من على بن أبى طالب كرم الله وجهه أن يبيت على فراشه ليلة الهجرة إلى المدينة لغرضين اثنين :
الأول : فداء النبى صلى الله عليه وسلم حتى أطلق عليه كرم الله وجهه أنه ” أول فدائى فى الإسلام ” .
الثانى : رد ودائع مشركى قريش إلى أصحابها ؛ حيث إنهم كانوا يضعون ودائعهم عند النبى صلى الله عليه وسلم لما عرف من أمانته فهو الصادق الأمين ؛ ومكث من أجل تلك المهمة ثلاث ليال وأيامها بمكة 1)
أى أنه صلى الله عليه وسلم كلف عليا كرم الله وجهه بمهمة قد تعرضه للقتل لا لشئ إلا لرد ودائع المشركين إلى أصحابها رغم أنهم كانوا كفارا محاربين .
وهذا ينقض نظرية الاستحلال التى ابتدعتها جماعات الإسلام السياسى من أساسها .
فهؤلاء كفار محاربين للنبى وصحابته الكرام .. ولم يستحل النبى صلى الله عليه وسلم ودائعهم وأموالهم .
فكيف يستحل قادة جماعات الإسلام السياسى أموال مواطنيهم المسالمين سواء ” مسلمين أو غير مسلمين ” بعد تكفيرهم بشبهات واهية ؟!
هؤلاء يخالفون فعل النبى صلى الله عليه وسلم الثابت مع مشركى مكة الأصليين المحاربين له
– ويستشهد البعض بواقعة سيدنا سليمان عليه السلام مع بلقيس ملكة سبأ- مدعيا – أن الله عز وجل قد أباح للنبى سليمان عرش بلقيس بكفرها !! بل زاد بأنه ” قيل أراد أخذه قبل أن تسلم فيحرم عليه مالها ” !!
ويرد الإمام أبو بكر بن العربى رحمه الله على هذه الشبهة المتهافتة قائلا : ” إنما قصد بالإرسال إليها إظهار نبوته ويرجع إليها ملكها بعد قيام الدليل على النبوة به عندها ” 2)
– ويستشهد البعض بحديث ” جعل رزقى تحت ظل رمحى ” رواه أحمد
وفى ذلك يقول الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر: ” إن حديث ” بُعثت بالسيف حتى يُعبد الله وحده .. وجعل رزقى تحت ظل رمحى ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى ، ومن تشبّه بقوم فهو منهم ” يعارض أكثر من 100 آية فى القرآن الكريم ، فالنبى بُعث بالسلام ، والله قال فى كتابه الكريم:” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” ، والنبى قال: ” يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة .. وهذه الرواية الواردة فى مسند الإمام أحمد ضعيفة من ناحية السند وأن الإمام البخارى أوردها معلقة – بغير صيغة الجزم – بقوله ويذكر عن ابن عمر ” 3)
وممن ضعف الحديث من ناحية السند والمتن الشيخ محمد الغزالى 4) والدكتور طه جابر العلوانى 5) والدكتور عدنان إبراهيم 6) والدكتور يوسف القرضاوى 7 ) والشيخ مصطفى العدوى 8) .
يقول الدكتور عمار على حسن : ” يتعارض مبدأ الاستحلال الذي تتبناه الجماعات المتطرفة والإرهابية مع القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .. وما يدعو للعجب أن كثيرا من المصادر الفكرية والفقهية التي تعتمدها الجماعات المتطرفة في صناعة أيديولوجيتها وإطارها الفكري ترفض مبدأ الاستحلال ، بعد أن تعرفه بأنه ” جعل ماحَرَّمه الله حلالاً، بصفة خاصة أو عامة ” ويصل رفضها إلى حد تكفير من يصر على أن يجعل الحرام حلالا ، ويتمسك بمعصيته ، ويجحد التحريم !! ” 9)

4- استحلال الأعراض
من بلايا الأفكار الشاذة فى فكر جماعات التطرف والإرهاب أنه بعد تكفيرها للحكام والشعوب ؛ نظرتهم للنساء فى هذه الدول على أنهم مجرد ” سبايا وجوارى ” يستحلون معاشرتهن جنسيا !!
والمثال الصارخ لذلك ما قام به تنظيم داعش فى العراق مع الإيزيديات حيث تم بيعهن فى سوق النخاسة واعتبارهن جوارى وسبايا .
وهذا الإرهابى التائب عادل عبد الباقى فى حواره الهام مع التليفزيون المصرى يعرض صورتين فجتين لاستحلال هذه الجماعات للأعراض :
1-كانت هناك سيدة موظفة فى إنشاص متزوجة تركب سيارة أجرة إلى عملها , صادفت سائقا ملتحيا يرتدى جلبابا ويقول للناس أزيك يا أخى ويستشهد بالآيات والأحاديث فى كلامه , تعرف على هذه المرأة وأحضر لها كتابا , وبدأ يدعوها للفكر الذى عليه قائلا: تعالى معنا لتعرفى الإسلام وبالفعل أخذت طفلتها وذهبت مع هذا الرجل الذى كان من مؤسسى جماعة التكفير فى مصر كان اسمه عبدالمنعم عسكر تركت المرأة زوجها وعاشت مع السائق على أنه زوجها فقد أفتى لها أن زواجها الأول حرام لأن زوجها كافر وأنجبت من الثانى طفلا وبعد سنتين اختلف السائق مع الجماعة فكفروه وطردوه وخيروها ما بين البقاء معهم أو الرحيل معه فقالت: ما دام كافرا أنا معكم ففرقوا بينها وبينه وتزوجت للمرة الثالثة .
2- كان هناك شخص اسمه عبدالله من بلد فى السنبلاوين طلب منى مراجعة دخول الأولاد المدارس التى اعتبرناها كفرا قال: نتأكد
وأضاف: الرسول فى غزوة من الغزوات قرر عتق الأسير الذى يعلم عشرة من أبناء المسلمين فكان ردى: يا عبدالله هذه مسألة فردية والمدارس هذه الأيام علمانية المهم دخل أولادهالمدرسة وعقدنا جلسة فقال الإخوة إن عبدالله كفر وفرقوا بينه وبين زوجته وتبع ذلك أمر لا يخطر على بال الشياطين بعد أربعة أيام تزوجت هذه المرأة من شخص اسمه عبدالعزيز دون أن تقضى فترة العدة- واكتفوا بعرضها على طبيب للتأكد أنها ليست حاملا – بدعوى أن عبدالله لن يترك زوجته ببساطة وعلينا أن نجعلها فى حماية أحد الإخوةلكن الغريب أن عبدالله فيما بعد طلب زوجته وأولاده بعد أن أخرج أبناءه من المدرسة فعقد الأخوة جلسة وأعادوها إليه !!10)
الرد :
ما تقوم به جماعات التطرف والإرهاب من فسخ عقد زواج الأخوات المسلمات بدون تطليق من أزواجهن الشرعيين بدعوى أنهم كفار وتزويجهن بأعضاء الجماعة يترتب عليه مفاسد كثيرة :
مثل الاعتداء على ميثاق الزواج الغليظ واستحلال الفروج بغير حق وخلط الأنساب وانتهاك الأعراض وضياع حقوق الأطفال وانتشار الفساد الخلقى .
كل ذلك يتم بشبهات وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان … منتهكين حرمات الله ومستخفين بمقصد من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية وهو حفظ النسل والأعراض .
وما تقوم به داعش وأخواتها من سبى النساء وبيعهن كجوارى فى سوق النخاسة يخالف قواعد الإسلام التى جففت منابع الرق ودعت للعتق والحرية , بل يعتبر أكبر جريمة ترتكب فى حق الدين الإسلامى بعرضه للعالم على أنه الدين والمذهب الوحيد الذى يدعو لعودة الرق والجوارى بعدما تخلصت منه البشرية وتعاقدت على تجريمه فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان .
إن علماء الإسلام الكبار يؤكدون أن الإسلام يدعو للعتق والحرية والدارس لمقاصده يدرك ذلك جيدا , أما الجهال فأنهم يسيئون للإسلام أعظم إساءة .

5- استحلال القتل
إن فتاوى قتل واغتيال الحكام ومعاونيهم متواترة عند جماعات الإسلام السياسى تحت زعم أنهم مرتدون كفرة .. ومن ذلك قول أحدهم :
” كل كافر لم يؤمنه أهل الإسلام بعهد .. فلا لاعصمة له فى دم أو مال , وهذا الحكم هو من بدهيات الإسلام .. وقد صرحت النصوص بما لا يحتمل أدنى تأويل بأن الكافر لا عصمة له ” 11)
” كل من لم يتدين بالإسلام فهو مباح الدم والمال إلا أن يؤمنه أهله ودون ذلك فلا عصمة ” 12)
” فالكفر وإباحة الدم والمال قرينان لا ينفكان فى دين الله وشرعه بمحكم التنزيل ” 13)
” ونصوص الفقهاء على اختلاف مذاهبهم فى بيان أن الكافر غير المعاهد لا حرمة له مطلقا , وأن دمه هدر لا قيمة له فى حق كل أحد كثيرة جدا ” 14)
” ليس المراد من وصف الحربى الذى تردد فى نصوص الفقهاء : أن يكون الكافر فى حالة حرب قائمة مع أهل الإسلام , وإنما المراد به : كل كافر ليس له أمان من أهل الإسلام .. فكل كافر ليس بينه وبين المسلمين عهد من ذمة أو هدنة أو أمان فهو حربى ضرورة .. فمن لم يؤد الجزية أو يستأمن فدمه وماله مباح ” 15)
” فدم الكافر وماله مباح على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين ” 16)
الرد :
إن القرآن الكريم والسنة المطهرة يؤكدان حرمة الدماء وخطورتها ومن ذلك :
قوله تعالى فى محكم كتابه :
” وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ” البقرة 190
” من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ” المائدة 32
” فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ” التوبة 7
” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون ” النحل 90
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ” رواه أحمد
” المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم ” رواه مسلم
” لا يزال المؤمن فى فسحة من دينه , ما لم يصب دما حراما ” رواه البخارى
” أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء ” رواه البخارى ومسلم
” أكبر الكبائر : الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور ” رواه البخارى

إن استباحة دماء غير المسلمين الغير محاربين تتنافى مع أبجديات العدالة التى جاء الإسلام لتوطيدها .
والقرآن الكريم يؤكد أن الفصل بين الناس يوم القيامة ومحاسبتهم من اختصاصه عز وجل وحده
وأننا مطالبون بالبر والقسط مع غير المسلمين الغير محاربين لنا .
إننا لو نفذنا فتاوى أمراء الدم والتى تدعو لقتل غير المسلمين الغير محاربين لنا لأصبحنا مثل الأطباء الذين يقتلون المرضى بدلا من شفائهم ؛ متناسين أن دورنا كمسلمين فى هذه الدنيا هى دعوة الناس لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة وفقط أما الجزاء والمحاسبة فمن اختصاصه عز وجل وحده .
إننا نؤكد أن القتل مجرم للناس كافة وليس للمسلم فقط , وأن المباح هو الدفاع عن النفس ضد المعتدى .. وهذا ما يقره الإسلام وجميع الشرائع والقوانين والأعراف .

الهوامش :
1- أنظر ” خاتم النبيين ” للشيخ محمد أبو زهرة ص 466
2- أنظر أحكام القرآن لأبى بكر بن العربى تحقيق محمد عبد القار عطا طبعة دار الكتب العلمية بيروت ج 3 ص489
3- أنظر مقطع الفيديو على صفحة مشيخة الأزهر وكذلك جريدة الوطن 25-12-2017م
4- أنظر كتاب ” تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل ” الشيخ محمد الغزالى ط5 دار الشروق القاهرة 2003م ص 53
5- أنظر نقد الرواية على موقع أكاديمية طه العلوانى للدراسات القرآنية تحت عنوان ” صحة حديث جئتكم بالذبح ” .
6- أنظر مقطع ” رزقى تحت رمحى ” ضمن خطبة جعة للدكتور عدنان إبراهيم بتاريخ 13-12-2012م
7- أنظر ” فقه الجهاد ” للدكتور يوسف القرضاوى ج 1 ص مكتبة وهبة 2009م ص 335 , 341
8- مقطع فيديو على اليوتيوب بتاريخ 9-4-2020م

9- أنظر مقال د.عمار على حسن : المفاهيم المؤسسة للإسلام السياسى المتطرف : الاستحلال ” 5 ” بتاريخ 20-9-2020م موقع أصوات أونلاين
10- حوار الإرهابى التائب عادل عبد الباقى مع ” محمود سلطان وفاطمة فؤاد ” عام 1993م نقلا عن مقال الأستاذ عادل حمودة جريدة الفجر بتاريخ 23-12-2016م
11- أنظر كتاب ” مسائل من فقه الجهاد ” لأبى عبد الله المهاجر ط2 سنة 1436ه , مكتبة الهمة .. الدولة الإسلامية ” داعش ” ص 29
12- المرجع السابق ص 32
13- المرجع السابق ص 34
14- المرجع السابق ص 41
15- المرجع السابق ص 43
16- المرجع السابق ص 46

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق