د منير القادري يحاضر حول السلوك التربوي ومقومات إصلاح المنظومة الأخلاقية
بحث الدكتور مولاي منير القادري رئيس مؤسسة الملتقى مجموعة من الازمات التي يعانيها العالم المعاصر، معتبرا الأزمة الأخلاقيَّة أخطر هذه الأزمات على الإطلاق .
جاء ذلك ضمن مداخلة القادري السبت السابع من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية 103 ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
وتجدر الإشارة الى أنه خلال هذه الليلة الرقمية تم تقديم التهنئة الى امير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى التاسعة عشر لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن متنين له أغلى الأماني، مع الدعاء الصالح لجلالته بطول العمر والصحة والنصر.
ولفت القادري الى أنه مع الأزمة الأخلاقية فقدت الإنسانية بوصلتها الداخلية و صارت تجري وراء وهم الحضارة و نسيت الأخذ بجوهرها الحضاري و قيمها الأخلاقية والدينية الداعية إلى المساواة والحب والتراحم والتعاون بين البشر.
وشدد على أن المجتمعات لا تتماسك الا من خلال التوازن بين متطلّبات الروح والمادة ، مع العمل الدائم على اصلاح مقومات الدنيا مع الآخرة بإشاعة القيم و الأخلاق و اتخاذ اسباب التراحم و العدل و المعاملة بالحسنى في المجتمعات، وأضاف أنه لا تَحَضّر من دون قيم، ولا إنسانية من دون مراعاة حقوق الآخر والعمل على إسعاده معنوياً ومادياً، مستشهدا بقوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الرُّومِ: 30] .
وفي ذات السياق أشار الى ما أورده الدكتور مصطفى النشار في كتابه (في فلسفة الثقافة والنقد الثقافي) من أن الحضارة هي “التي يوازن أفرادها بين المطالب المادية ـ الدنيوية وبين المطالب المعنوية ـ الروحية” ، وكذا التعريف الذي صاغه ألبرت أشفيتسر في كتابه (فلسفة الحضارة)، من أن الحضارة “هي التقدم الروحي والمادي للأفراد والجماهير على السواء “.
وأكد أن الحضارة الإنسانية معناها تلاحم الجانبين الروحي والمادي في الإنسان واحترامه لأخيه في الإنسانية، وأنه لا معنى لأي تقدم مادي أو علمي أو ثقافي ما لم يسبقه ويقوده ويساوقه التقدم في المجال الروحي والأخلاقي.
وأوضح أن الْمَقْصِدَ الْأَعْظَمَ مِنَ التَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِي هُوَ جَلْبُ الْمَصَالِحِ، وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ؛ وأنه َلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِإِصْلَاحِ حَالِ الْإِنْسَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ أَيْ جَسَدًا وَعَقْلًا وَرُوحًا، مستشهدا بقوله تعالى : ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الَّدينُ الْقَيِّمُ﴾[الروم:30].
واستطرد موضحا أن الْإِسْلَامَ عَالَجَ صَلَاحَ الْإِنْسَانِ بِصَلَاحِ أَفْرَادِهِ بِتَزْكِيَّةِ نَفْوسِهِم وَتَصْفِيَّةِ بَواطِنِهِم، معتبرا أن الْبَاطِنَ مُحَرِّكُ الْإِنْسَانِ إِلْى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، مستدلا بالحديث النبوي الشريف : (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) رَوَاهُ البخاري.
و قال رئيس المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام ” هذا هو السلوك التربوي الذي يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى بُعْدَيْنِ – الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، لِكَيْ يَتَمَكَّنَ تَأْثِيرُهُ من كُلِّيَّةِ الإِنْسَانِ فِي سَائِرِ أَعْمَالِهِ جَسَدًا وَرُوحًا؛ وَبِهَذَا يُوَافِقُ ظَاهِرُ الْعَبْدِ باطنه وباطنه ظاهره فلا يبقى مجال للنفاق الاجتماعي ولا السياسي ولا الديني و تنصلح مقومات المنظومات الأخلاقية الانسانية،” موردا مجموعة من الاحاديث النبوية واقوال بعض العلماء منها الحديث الذي رواه الامام أحمد بسند صحيح من حديث وابصة بن معبد قال: أتيت رسولَ الله صلي الله عليه وسلم وأنا أريد ألا أدعَ شيئًا من البِرِّ والإثم إلا سألتُه عنه، فقال لي: “ادْنُ يا وابصة”، فدنوت منه حتى مسَّتْ ركبتي ركبته، فقال: “يا وابصةُ، أَخْبِرُكَ ما جئت تسأل عنه أو تسألني؟”، قلت: يا رسول الله، أخبِرني، قال: “جئتَ تسألني عن البِر والإثم”، قلت: نعم، فجمع أصابعه الثلاث فجعَل ينكُتُ بها في صدري ويقول:”يا وابصة، استَفْتِ قلبَك ، البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النفسُ ، واطمأنَّ إليه القلبُ ، والإثمُ ما حاك في القلبِ ، وتردَّد في الصدرِ وإن أفتاك الناسُ وأفتَوْك”.
ونوه الى أن المقاصد التربوية في الإسلام تسعى للاستفادة الكاملة و التامة من يقظة الضمير و دوام مراقبة النفس و استشعار وجود الخالق، و الحرص على الإخلاص في كل عمل .
ونبه الى أن هذه المعاني يجب أن تُدَرَّسَ في مناهجنا التربوية و تطبق منهجا عمليا في مجتمعاتنا و تكون الغاية و الهدف وراء كل صحبة نرتجيها لأصحاب الضمائر الحية؛ كطريق عملي موصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية، و قضيّةٌ تُعدّ بداية طريق البناء الحضاريّ، ولبنة مسيرة الإصلاح الاجتماعيّ، حتي نأسس لنهضة روحية نورانية تعيد للأمة أسباب رقيها و ازدهارها.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن الطرق الصوفية الأصيلة ومن ضمنها الطريقة القادرية البودشيشية، تحرص سيرا على الشرع المحمدي و التصوف السني على أن يكون مريدوها ممثلين لإسلام القيم الروحية الإنسانية قيم الرحمة و المحبة و التعايش و مواطنين صالحين مصلحين ملتزمين بتحمل المسؤولية و متحلين بقيم الوطنية الصادقة تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله .
يذكر أن الليلة الرقمية 103 وعلى غرار الليالي الرقمية السابقة عرفت مشاركة علماء ومثقفين بمداخلات علمية ، وتقديم فقرات توعوية ، ووصلات من بديع السماع والإنشاد، كما تم تقديم التعازي في وفاة عدد من الشخصيات التي التحقت بالرفيق الأعلى من بينها تعزية في وفاة الوزير السابق لحسن السكوري والفنان عبد الرحيم الصمدي.