سورة التوبة ومجلس شركاء الحكم !

قلت في المقال السابق إن سورة التوبة تتكلم عن العقل العسكري الإنساني في كل المجالات العسكرية والأمنية والشرطية للدولة المعروفة والمجهولة ؛ فكأن كل حلقة فيها تأخذ محوراً معيناً في العمل العسكري الإنساني وساتناول ما تيسر لي الفهم فيها بقدر ما يمنحني الله من التأويل .

العنوان الجانبي لهذه المادة هو : ( مجلس شركاء الحكم ) والذي يتكون من مجموعة محترفة القتال وأخرى لها دور فيها مع عدم خبرتها في القتال وشؤون الحرب لكن خبرتها تكمن في الجانب الفكري أو التنظيري أو الإداري والفني والتخطيط الإستراتيجي والتكتيك القتالي والتكنيك الحربي فهي مكملة للجانب العسكري المحض فلا غنى لأحدهما عن الآخر ولنطلق عليها المكون المدني أو السياسي وهذا معلوم علمياً ويدرس في المدارس والجامعات والمعاهد ذات الصلة وأبرز ما يقال هنا أن المكون المدني أو السياسي هو الرأس المدبر المتحكم في توجيه الذراع العسكري الإنساني للدولة لمهمة ما في موضع ما وجب تنفيذ الأجندة السياسية حسب ما تمليه الضرورة القصوى لخط الدولة في رعاية مصالحها العامة وسيادتها ودستورها ومواطنيها ومسلماتها وقوانينها ؛ ويمثل هذا التكامل بين المكونين العسكري والمدني أو قل : العسكري والسياسي ما يعرف بلغة اليوم العصرية بالمجلس التشريعي أو المجلس السيادي / المجلس الأعلى العسكري بالتحديد / أو البرلمان هو من يوجه مكونات الدولة ومواردها البشرية والمادية والأخلاقية لتحقيق أهداف الدولة العليا وسياساتها الداخلية والخارجية ونماذج هذا المكون ( البرلمان / المجلس التشريعي / المجلس السيادي / هيئة قيادة الأركان بالجيوش ) معروفة للجميع بما لا تخطئه العين ؛ وفي بعض الدول تتحكم فيها رئاسة الجمهورية أو الديوان الملكي أو الأميري أو البرلماني كل حسب نظام الحكم فيها .

. الآية الكريمة : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ *أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } هي صاحبة الوقت في السورة الكريمة بلغة العصر الحديث والمسجد الضرار أو المسجد التقوى هو اليوم بمثابة البرلمان أو المجلس السيادي أو المجلس الوطني أو المجلس التشريعي وخلافه / هيئة القيادة والأركان / ؛ هو باختصار شديد جداً : موضع إتخاذ القرار السياسي والعسكري والفكري والثقافي والإجتماعي والأمني والإقتصادي وغير ذلك للدولة . يكون المجلس واجهة الدولة ومواطنيها إما أن يكون مبنياً على الحق وإما أن يكون مبنياً على الباطل ؛ وحال كونه مبنياً على الإثنين معاً تختلف الموازين بينهما حسب نسبتي أهل الحق وأهل الباطل فتتأرجح المراسيم والقوانين المنظمة لحياة الإنسان فيه بين مؤيد ومعارض فيمكنك قراءة سياسة الدولة من طريقه ؛ أيضاً ؛ حال كونه مبنياً على الباطل فقط فأنت ترى إنهيار الدولة لا محالة ؛ كذلك ؛ حال كونه مبنياً على الحق فقط فأنت ترى نهوض الدولة ومواطنيها لأكثر من وجه.

وتعريف الحق هو توجه الدولة نحو مصالحها العليا وفقاً لمقتضى النهج السياسي السليم في كل القضايا الحياتية وأعلاها قمة ابتغاء وجه الله تعالى فيه وفي خلقه والتعايش في سلام وامن واستقرار داخلي وخارجي مما يحقق رفاهيتها وتقدمها في كل الوجوه ، ويمكن أن نصطلح عليها بالمسجد التقوى ، لأدارة شئون البلاد .

وتعريف الباطل هو عكس الحق ، بطبيعة الحال ، مما يؤدي لفشل الدولة عاجلاً ام آجلاً بناء على التخبط السياسي والفساد والحروب والفتن وقلة الإنتاج وإهلاك الحرث والنسل ومما يتغول عليها أعداءها داخلياً وخارجياً ولن ترى لها قيمة ولا قياماً على المدى القريب ، ويمكن أن نصطلح عليها بالمسجد الضرار لتدمير البلاد .

هذا هو معنى الآية الكريمة في المسجد الضرار والمسجد التقوى ونعرَّفه بمجلس شركاء الحكم ، والذي يعمل كما لا يخفى على ذي عينين بموجب الدستور الدائم للدولة مع مراعاة القانون الدولي فيما يختص بحقوق الإنسان .

بواسطة
بدر الدين العتاق - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق