على هامش شهادة الشيخ محمد حسان السلفي المصري (١-٤)

قامت محكمة أمن الدولة العليا بمصر ” الدائرة الخامسة إرهاب ” والمنعقدة بمجمع محاكم طرة .. باستدعاء الشيخ السلفى / محمد حسان للشهادة فى قضية ” خلية داعش إمبابة ” وذلك بناء على طلب دفاع المتهمين ؛ لأنه جاء بأقوال المتهمين أنهم تلقوا العلم الشرعى عن يد الشيخين الشهيرين ” محمد حسين يعقوب ومحمد حسان ” .
والجدير بالذكر أن الشيخ محمد حسان كان قد اعتذر سابقا عن الحضور بسبب مرضه .. وحضر اليوم الأحد 8-8-2021م لمقر المحكمة وقد وجهت له المحكمة عدة أسئلة عن ” التترس , دفع الصائل , التقية , الولاء والبراء , الطائفة الممتنعة ، رأيه فى الأشعرية وجماعة الإخوان وتنظيم القاعدة وداعش وغير ذلك ” .
وسنقوم فى هذه المساحة بتوضيح أهم القضايا التي أثارتها المحكمة وسألت الشاهد عنها .. وموقف علماء الإسلام منها .
1- التترس
هذه مسألة افتراضية موجودة ببعض كتب التراث استغلها دعاة الإسلام السياسى لتبرير أعمال التفجير والاغتيالات وقتل الآمنين سواء مسلمين أو غير المسلمين بدم بارد !
فعندما يقررون اغتيال أحد المسئولين ” المسلمين ” فى البلدان العربية بعد تكفيره واتهامه بالردة سيترتب على اغتيال هذا المسئول قتل العشرات وإصابة المئات من الأبرياء سواء من المرافقين له أو المتواجدين بمقر الحادث قدرا !!
فيكون تبريرهم لتلك الأفعال الإجرامية كما هو ثابت ببياناتهم ومنشوراتهم أن قتل البرآء فى هذه الحالة جائز بإتفاق العلماء وورد بكتب الفقه تحت اسم ” التترس ” !!
وأن هؤلاء الأبرياء ” سيبعثون على نياتهم ” كما جاء بفتاوى ابن تيمية .
وهذا حدث فى كثير من العمليات الإرهابية وكلنا يتذكر مقتل الطفلة البرئية شيماء فى محاولة اغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق دكتور عاطف صدقى أو تفجيرات مجمع المحيا بالرياض الذى قتل فيه سبعة عشر شخصا وأصيب مائة وثلاثة وعشرون آخرون من بينهم خمسة وثلاثون طفلا أو تفجيرات الدار البيضاء بالمغرب وغير ذلك كثير .
وهذا قمة التدليس والتزييف باسم الدين والدين منهم براء .
فمسألة التترس كما وردت بكتب الفقه مسألة اجتهادية افترضها علماء الأصول عندما تكلموا عن المصالح المرسلة .
ولها صورة واضحة محددة ومن أجازها – حيث إنها مسألة خلافية – جعل لها شروطا محددة بأن تكون المصلحة ضرورية وقطعية وكلية .
ولكن دعاة القتل والتفجير جعلوها :
– مسألة متفق ومجمع عليها بين الفقهاء.
– ثم جعلوها أصلا من أصول الجهاد.
– ولم يلتزموا بصورتها المحددة بكتب الفقه من أنها تكون فى حالة حرب والتحام مع العدو فى ساحة المعركة وقيام العدو باستخدام أسرى المسلمين مثلا كدروع بشرية للاحتماء بهم .
– ولم يلتزموا بالضوابط والشروط التى حددها من أجازها من الفقهاء
– بل جريمتهم الكبرى أنهم تركوا آيات القرآن البينات وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم الواضحات وكذا أقوال الفقهاء فى حرمة القتل والاغتيالات ولجئوا لمسألة افتراضية خلافية وبعد ذلك يدعون السلفية وإلتزامهم بالقرآن والسنة.
علاوة على استنادهم لروايات ضعيفة لتبرير جرائمهم الإرهابية مع أنهم فى النوافل والفضائل يتشددون فى التأكد من صحة الأحاديث , وهذا يؤكد استهتارهم بالدماء مع تشديد القرآن والسنة على عظيم حرمتها .
لذلك تعالوا معنا نعرف ما هو التترس ؟ ورأى علماء الإسلام حول ةهذه المسألة ؟!
وهل ما استند إليه دعاة القتل والتفجير صحيح أم لا ؟!
أولا : تعريف التترس :
لغة : هو التستر بالترس والاحتماء والتوقى به
والترس هو قطعة من المعدن مستديرة أو بيضاوية الشكل يحملها المحارب بإحدى يديه ليتقى بها ضربات الخصم . 1)
اصطلاحا : هو تستر العدو فى الحرب بأسارى المسلمين أو بمن لا يجوز محاربتهم من غير المسلمين مثل المعاهدين أو النساء والأطفال واستخدامهم كدورع بشرية للاحتماء بها لمنع المسلمين من مهاجمتهم

ثانيا : فتاوى التفجير والاغتيالات :
1- أيمن الظواهرى :
يقول : ” إن كان من برئ قد قتل فى عمليات المجاهدين , فهو إما خطأ غير مقصود أو اضطرارا كما فى حالات التترس ” . 2)
2- رفاعى أحمد طه :
يقول : ” ولذلك فإنى أميل إلى القول القائل بجواز قتل المسلمين المتترس بهم , وإن كان فيهم النساء والأطفال , من أجل إقامة دين الله عز وجل , وهو قول أكثر أهل العلم ” 3)
3- أبو قتادة الفلسطينى :
يقول : ” إذا تترس أحد بالنساء والأطفال ممن لا يجوز قتلهم جاز رميهم … وأن يرمى المرتدون بآلات متفجرة تقتلهم هم ونساؤهم وأطفالهم فهذه حالة ذكرت فى كتب أهل العلم بالجواز ” . 4)
ثالثا : رد علماء الإسلام :
1-الدكتور محمد سعيد رمضان البوطى
يقول : ” هذه المسألة يذكرها علماء الأصول فى باب التعارض والترجيح وربما ذكرها بعضهم فى باب الاستصلاح ويذكرها الفقهاء فى باب الجهاد .
ولعل الإمام الغزالى أول من ذكر هذا المثال , ثم درج بقية علماء الأصول على منواله ثم ذكرها الفقهاء فى تطبيقاتهم الفقهية .
وقد أطال الإمام الغزالى فى بيان الشروط التى لابد منها لجواز اقتحام الترس وقتل أفراده المسلمين فى هذا المثال وهى الضرورة والقطعية والكلية .
أما الضرورة : فتتمثل فى ضرورة رد كيد هؤلاء الأعداء
وأما القطعية : فتتمثل فى أن نقطع بأنا لو اقتحمنا هؤلاء المسلمين الذى تترس بهم الأعداء بقتلهم , لتغلبنا عليهم ولقضينا على كيدهم .
وأما الكلية : فتتمثل فى أن يكون الفتك الذى نقاومه من الأعداء متجها إلى المسلمين بأسرهم , لا إلى فئة أو جماعة أو أهل بلدة منهم .
فلو فقد واحد من هذه الشروط الثلاثة لم يجز قتل أى من المسلمين الذين يتترس الأعداء بهم .
وذلك بأن فقدت الضرورة ومثال ذلك : أن نتجه نحن بالهجوم عليهم فإن هذه المصلحة قد تكون تحسينية أو حاجية ولكنها ليست ضرورية .
أو بأن فقد شرط القطعية وذلك كأن يساورنا الشك فى انتصارنا عليهم ورد هجومهم حتى مع اقتحام الترس وقتل أفراده .
أو بأن فقد شرط الكلية وذلك كأن نعلم أن الضرر الذى سيأتى من هجوم هؤلاء الأعداء محصور فى قرية أو بلدة أو فئة من المسلمين .
فهذه هى القاعدة التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار كلما رأى المسلمون أنفسهم أمام هذا الحرج الذى قد يوقعهم الأعداء فيه .
فهل ينطبق ما يجرى اليوم على أيدى بعض الإسلاميين من نشر أسباب الذعر والقتل بين البرآء الآمنيين على مثال التترس وقاعدته العلمية التى أوضحناها ؟
فالتترس يفترض فيه أن يكون المتترسون كفارا مهاجمين .
والواقع الذى يقاس عليه إنما يتمثل فى هجوم أو خروج الإسلاميين على حكام مسلمين كما قد أوضحنا .
والتترس يفترض فيه أن اقتحام ترس المسلمين بقتلهم سيتسبب عنه بيقين دحر الهجوم العدوانى المتجه إلى المسلمين , وهذا معنى كون هذا الاقتحام ينطوى على مصلحة قطعية
والواقع الذى يمارسه هؤلاء الناس إرباك الحكام المسلمين بتعريض المسلمين البرآء للقتل بقطع النظر عن النتائج التى لا يمكن إلا أن تكون لصالح غير المسلمين .
والتترس يفترض فيه أن يكون الضرر الذى سيحيق بالمسلمين بسبب الإمساك عن إيذاء المسلمين الذين يتترس بهم الأعداء ضررا كليا عاما لا ينحصر فى فئة أو بلدة .
والواقع الذى يمارسه هؤلاء الناس بتعريض البرآء للقتل هو الذى يتسبب عنه الضرر الذى لابد أن يحيق بجماعة المسلمين بشكل كلى أو جزئى , على حين أنهم لو أمسكوا عن تعريض إخوانهم هؤلاء للقتل لابتعد بذلك الخطر والفساد عن المجتمع الإسلامى وجماعة المسلمين ومعنى هذا أن الشرط الذى لابد من وجوده فى مثال التترس يوجد نقيضه فى الواقع الذى نعانيه ونعالجه الآن .
إذن فمسألة التترس هذه لا علاقة لها قط بالواقع الذى يجرى على أيدى بعض الإسلاميين اليوم , وليس بينهما أى شبه يقتضى القياس بل بينهما من التخالف ما يكاد يصل إلى درجة التناقض .
ولكم وددت أن يختار هؤلاء الناس أحد طريقين لا ثالث لهما فى ميزان المنطق وحكمه : إما الإلتزام بدين الله عز وجل عن طريق الإلتزام بأحكام الشريعة وضوابطها وهذا يستوجب منهم دراسة هادفة مستوعبة دقيقة للفقه الإسلامى بدلا من التعامل الغوغائى مع عناوين المسائل دون فهم لمضموناتها ودقائقها .
وإما الركون إلى ما تمليه عليهم الأمزجة والأهواء , ولواعج الثأر للنفس , وهذا يقتضيهم أن لا يتحدوثوا عن الفقه وشئ من أحكامه , بل عليهم فى هذه الحال أن لا يستروا رغائبهم ولواعجهم النفسية هذه بشئ من شعارات الإسلام ومبادئه ومظهر التحرق على مصيره .
إن الذى ينشر أسباب الرعب وعوامل القتل بين المسلمين البرآء باسم الجهاد فى سبيل الله أو الانتصار لدين الله .
لابد إذن أن يعلن عن موقفه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه : ” من خرج من أمتى على أمتى يضرب برها وفاجرها , لا يتحاشى مؤمنها ولا يفى بذى عهدها فليس منى ” رواه مسلم .
أجل … لابد أن يوضح لنا كيف يكون الرجل خادما لدين الله منضبطا بأوامر الله وحدوده , ثم يكون مع ذلك ممن يخالف أمر رسول الله فيخرج على أمته يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ؟!
كيف يكون الواحد من هؤلاء مجاهدا فى سبيل شرع الله عن طريق تحطيمه العملى المعلن لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! ” 5)
2-الدكتور محمد سعيد رسلان
يقول : ” هذه المسألة هى أكبر شبهات خوارج عصرنا , هذه المسألة حجة عليهم لا لهم لو أنهم فهموها فهما صحيحا .
لأن المسلم المنصف يلحظ الفرق العظيم والبون الشاسع بين المسألة التى أوردها أهل العلم وبين أفعال هؤلاء الخوارج من خوارج عصرنا .
وهذا الفرق من أوجه :
– مسألة التترس المذكورة فى كتب الفقهاء يقصد بها التترس الذى يؤدى إلى تعطيل الجهاد وله حالتان :
١- إما أن يتترس الكفار بمسلمين عندما يحاصر المسلمون بلدا للكفار
٢- أو أن يهجم الكفار على بلاد المسلمين وقد وضع الكفار أمام مقدمة جيشهم أسرى المسلمين .
وعلى هذا تدور عبارات الفقهاء رحمهم الله وهذا ما يقصده الفقهاء رحمهم الله تعالى , أما ما يفعله خوارج عصرنا فأنهم يأتون إلى أناس عزل آمنين ليسوا بمقاتلة والمسلمون الذين فى أوساطهم ليسوا بأسرى وإنما هم حراس أمن أو عمالة , فإذا فهم ذلك علم أن مسألة التترس التى يقول بها أهل العلم فى واد واستدلال القوم فى واد آخر .
وحتى تعلم صحة هذا الاستدلال تأمل العبارات التى ذكرها العلماء رحمهم الله .
والمستدل بكلام العلماء على جواز قتل المسلمين , لا يخرج عن أمرين :
– إما أن يكون جاهلا
– وإما أن يكون صاحب هوى , نعوذ بالله سبحانه وتعالى من الهوى .
وأنت تسأل كل من يرجو لقاء الله تبارك وتعالى والدار الآخرة .
لو أن مسألة التترس خالفت نصا من كتاب الله ؟!
فهل تقدم المسألة الإفتراضية أم الآية المحكمة ؟!
قال الله جل وعلا : ” هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله فى رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ” الفتح 25
ماذا قال أهل التفسير فى هذه الآية ؟!
مع أن تفسيرها ظاهر للعربى سليم الفطرة والفهم .
قال العلامة السعدى فى تفسير هذه الآية : ” ذكر الله سبحانه وتعالى أمورا مهيجة على قتال المشركين فى مكة هى كفرهم بالله ورسوله وصدهم رسول الله ومن معه من المؤمنين أن يأتوا البيت الحرام زائرين ومعظمين له بالحج والعمرة , وهم الذين صدوا الهدى أن يصل إلى محل ذبحه وهو مكة .
ثم قال : وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم ولكن ثمة مانع وهو وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين وليسوا متميزين بمكان يمكن ألا ينالهم أذى , لولا هؤلاء الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات أن يصيبهم الأذى والمكروه لأذن بقتال المشركين فى مكة .
ثم ربط الله نزول العذاب على أهل مكة بمفارقة هؤلاء يعنى أهل الإيمان , لو تزيلوا يعنى لو فارقوا .
يا أهل الإيمان والقرآن :
الله جل وعلا يأخر فتح مكة سنين عديدة خشية أن يصاب هؤلاء المؤمنين بأذى !!!
وهؤلاء يسفكون دماء الأمة ويقتلون عشرات المسلمين للوصول إلى ثلاثة أو أربعة أفراد من جنسية معينة .
ومن العجائب أن صاحب المهذب رحمه الله قال : ” وإن تترسوا – أى الكفار من أهل الحرب – بأهل ذمة أو بمن بيننا وبينهم أمان , فإن الحكم فيهم كالحكم إذا تترسوا بالمسلمين , لأنه يحرم قتلهم كما يحرم قتل المسلمين ” .
وقد قيد أهل العلم مسألة التترس بحالة الضرورة واختلفوا فى حد الضرورة على أقوال منها :
– أن يحيط العدو ببلاد المسلمين كما فى أحكام القرآن للجصاص
– أو أن يكون المسلمون فى حالة التحام مع العدو فى القتال كما فى المهذب للشيرازى
– أو أن يترتب على عدم القتال ما يخشى على المسلمين من استئصالهم أو هزيمة تصيبهم أو كثرة قتلاهم أو أى ضرر يلحق بهم كما فى فتح القدير.
يا أهل الغيرة على الإسلام هل هذه القيود العظيمة التى وضعها أهل العلم تنطبق على حوداث المجمعات السكنية كما وقع فى الرياض والخبر ؟!!
قال تعالى : ” فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ” .
وهذه المسألة ليس فيها إجماع .
جاء بالمنهاج للنووى وفى شرحه ” مغنى المحتاج ” ما نصه :
” القول الأول : جاز رميهم – أى الكفار – إذا تترسوا بالمسلمين أو المعصومين من غيرهم بحيث لو كففنا عنهم ظفروا بنا على الأصح .
والقول الثانى : المنع إذا لم يتأت رمى الكفار إلا برمى مسلم أو ذمى أو مستأمن قوله رحمه الله ” على الأصح ” يبين لك أنه ليس فى المسألة إجماع .
وهناك كلام نفيس للإمام القرطبى رحمه الله قال : قد تجوز مسألة التترس ولا يكون فيه اختلاف إن شاء الله , إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية ” .
وملخص ما سبق أن مسألة التترس :
– مسألة فقهية افتراضية اجتهادية
– والمسألة ليس فيها إجماع
– وهناك فروق عظيمة بين مسألة التترس التى قال بها أهل العلم وبين حوادث التفجير والنسف فى بلاد المسلمين , وإذا سلمنا بعدم وجود فوارق فنقول وضع أهل العلم قيودا لتلك المسألة فهل طبقت تلك القيود ؟!
– ونقول لو أن المسألة الأصلية وهى التترس لا يوجد فوارق كما مر والقيود موجودة فإن أهل السنة يخالفونهم فى أصل المسألة وهو عصمة دماء أهل القبلة وعصمة دماء أهل الذمة .
فالسؤال : كيف ينقب فى كتب الفقه وتنخل نخلا حتى يعثر على هذه المسألة الافتراضية للاستدلال بها على الجواز ؟!
ثم تخفى هذه الآية المحكمة أو تترك عمدا ؟!
فإن كانت الأولى فهى مصيبة كبرى ورزية عظمى , فلا ينبغى أن يفتى أحد فى المسائل العويصة من الدين سوى الراسخين فى العلم .
فإن داء أهل القبلة عند الشارع عظيمة .
وإن كانت الثانية : وهى أن تركها وقع عمدا , فالمصيبة أعظم وأشنع .
فليعد أؤلئك الذين أفتوا وجوزوا وبرروا وشجعوا جوابا , فإن فى الطريق نساء رملن بسبب تلك التفجيرات وأطفالا يتموا وأموالا بددت وعند الله الموعد وبين يديه اللقاء , ويوم القيامة تجتمع الخصوم ” . 6)
رابعا : رواية ضرب النبى صلى الله عليه وسلم للطائف بالمنجنيق مكذوبة :
جاء فى كتب التراث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق سبعة عشرة يوما .
وهذه الرواية هى عمدة من يقولون بمسألة التترس .
فهل هذه الرواية ثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم ؟!
بمعايير علماء الحديث هذه الرواية ضعيفة السند .
علاوة على أنها تخالف الثابت من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم الذى رفض – كما جاء فى الصحيحين – أن يأمر ملك الجبال بالإطباق على الطائف عندما أساءوا إليه فى بداية الدعوة .
قائلا : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا.
وهذا هو الثابت من عفوه وكرمه صلى الله عليه وسلم .
فماذا يقول علماء السند حول هذه الأثر ؟!
1- الإمام محمد بن إسماعيل الصنعانى :
يقول : ” أخرجه أبو داود فى المراسيل ورجاله ثقات , ووصله العقيلى بإسناد ضعيف عن على رضى الله عنه وأخرجه الترمذى عن ثور رواية عن مكحول ولم يذكر مكحول فكان من قسم المعضل ” 7)
علاوة على أن رواية الترمذى على إعضالها فإن فيها راو ضعيف هو عمر بن هارون قال فيه الحافظ ابن حجر العسقلانى فى التقريب : متروك .
2- الشيخ متولى البراجيلى :
يقول : ” يوجد فى كتب السير والمغازى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بضرب حصن الطائف بالمنجنيق وهو عبارة عن رافعة تحمل حجارة وكرات من النار وتضرب مثل طريقة المدفع حديثا فتصل إلى الحصون المرتفعة .
ولكن فى الحقيقة من ناحية السند هذه القصة لم تصح رغم شهرتها ونحن قلنا قبل ذلك ليس معنى شهرة الأمر أو الأثر أو الحديث أن ذلك دليلا على صحته لا .
والأسانيد التى وردت بها أسانيد غير صحيحة , بل إن حديث أنس رضى الله عنه عند مسلم لم يذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بنصب المنجنيق ولا بضرب المنجنيق .
بل إن البيهقى روى هذه الرواية التى بها نصب المنجنيق وضرب المنجنيق وذكر عن أبى قلابة أنه أنكر ذلك وأن ذلك لم يحدث .
إذن مسألة ضرب حصن الطائف بالمنجنيق رغم شهرتها , لكن أهل العلم قالوا : إن هذه القصة ليست متصلة ولم تصح ولم يصح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بنصب المنجنيق ” 8)
وبعد ….
يتبين لنا مدى التدليس والكذب الذى يقع فيه الإرهابيون عندما يبررون جرائمهم الإرهابية ومن قتل وتفجير واغتيالات للبرآء بدعوى أن هذا يقع تحت باب التترس الموجود فى كتب الفقه .

الهوامش :
1- المعجم الوسيط , مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1960م
2- ” مجموع أبحاث ورسائل وتوجيهات ” الدكتور أيمن الظواهرى ص 459
نشر نخبة الإعلام الجهادى ط 1 سنة2010م ضمن إسطوانة حقيبة المجاهد , الإصدار الثالث .
3- ” إماطة اللثام عن بعض أحكام ذروة سنام الإسلام ” ص 245 منبر التوحيد والجهاد
4- مجلة الأنصار العدد 90 بتاريخ 29شوال 1415ه
5- كتاب ” الجهاد فى الإسلام … كيف نفهمه ؟ وكيف نمارسه ؟ ” للدكتور محمد سعيد رمضان البوطى , دار الفكر دمشق سورية ط 2 سنة 1997م ص 162-167
6- سلسلة ” القصة الكاملة لخوارج عصرنا ” نشر على اليوتيوب
بتاريخ 25-9-2015م .
7- سبل السلام ج 4 ص 111
8- مقطع فيديو على اليوتيوب بتاريخ 11-11-2015م

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق