قسوة القلوب
لما طغت المادة وأهواء الدنيا على بعضنا ,قست القلوب وهذه من أعظم العقوبات التى يبتلي بها العبد,فإذا قسى القلب مات فيه الشعور بالندم وتأنيب الضمير, فيظلم ويجرح من أمامه دون أدني إحساس,وتخرج الكلمة منه كالسيف الذى يمزق أو كالرصاصة التى تقتل من أمامها.
كذلك مما يجعل القلب قاسياً بعد الإنسان عن الله تعالي,فالبعد يجعل القلب قاسياً كالحجارة, قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة: 74] وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى قسوة القلب، وتشبيه بالحجارة.
فمتى تقرب العبد من محبوبه سبحانه وتعالى منحه لين القلب ونوره ,وبث فيه نور الرحمة,وهذا يتأتى بالمجاهدة وكثرة الذكر والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع, { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ }(سورة العنكبوت:69)
والخلاص من هذه القسوة يكون بكثرة الذكر,لأنه جلاء ونور لها,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تُكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوةٌ للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي ) .رواه الترمذى .فذكر المحبوب ينير القلوب ويجعل فيها الرحمة والخشوع,حينها تتحقق جوارحه عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”(رواه الترمذي وصححه )
ومن الأسباب أيضاً كثرة الضحك ,فكثرة الضحك دون سبب تميت القلب,قال صلى الله عليه وسلم (لا تُكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تُميت القلب ) سنن ابن ماجه .والعلاج فى كثرة قراءة القراّن وتدبره وتذكر الموت ومجالسة الصالحين وغيرها من الأعمال التى تساعد العبد فى امتلاء القلب بأنوار الرحمة والطمئنينة,قال تعالى:” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”(سورة الرعد:28)
والعلم الحديث شهد لهذه العظمة الربانية بأنها الدواء الشافى لكل ما يعترى الإنسان من المخاوف والقلق والإكتئاب والأمراض النفسية الأخرى.
ومن الأسباب أيضاً:تملك الدنيا من صاحبها ,فإذا نظرت لكل ما نعشه من اّلام فى مجتمعاتنا تجد سببها الأساسى حب الدنيا وتملكها من القلوب,وقد حذرنا النبى صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر قائلاً: “إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه مسلم.ويقول العارف بالله بشر الحافى محذرًا من خطورة الأقبال على الدنيا:”من طلب الدنيا فليتهيأ للذل” أى لا يكون همك الدنيا أولا ًوأخيراً ,حتى لا تنسى ربك ,فإذا جعلت همك كله رضا الله تعالي تكفل بما أهمك,فإذا وجدت الله ماذا فقدت؟ وإذا فقدت الله ماذا وجدت؟.
ومن أهم الأسباب أيضا التربية الخاطئة , فكم من مرب يربى أولاده على قطع صلة الأرحام من أجل الدنيا الفانية ,وكم تغافل الاّباء عن غرس المحبة بين الأبناء ,فغرس المحبة بين الأبناء من الأسس الضرورية لعلاج قسوة القلوب ,لأنهم إذا انغمسوا فى أنوار الحب والمحبة تشع قلوبهم بكل طيب وبكل جميل,فمن أحب لا يعرف معنى الكره والشحناء والبغضاء,ووقتها تراهم مشاعل نور لمجتمعهم ووطنهم قلباً روحاً جسداً.
ونحن نعلم أن الأسباب كثيرة فى ذلك ,لأن كل خلق يخالف الفطرة يعد سبباً من أسباب قسوة القلوب,والذى أود أن أشير إليه هو أننا بلا شك نعيش أزمات كثيرة وأكثرها انتشاراً أزمة قسوة القلوب والعياذ بالله ,والعلاج كله يمكن فى تغذية القلوب بكلام الله تعالي والإكثار من الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم واّله ودوام مدارسة العلم لتعم البركة والرحمة, ومصاحبة الصالحين فى كل زمان ومكان لأن مجالستهم تغير من حياة الإنسان تماماً إلى الأفضل والأحسن ,فإذا كانت النتيجة هكذا من مجالستهم ,فما بالك بمن جالس الله تعالى ,نال كل فضل وكرم وإحسان رباني يغنيه عن الدنيا وما فيها , والأمر الاّخر مصاحبة أنفاس النبى صلي الله عليه وسلم بكثرة القراءة فى شمائله وتطبيقها.
تلك هى بعض المنجيات من قسوة القلوب, ليعود الخير,وتعود الرحمة, والطمأنينة والسعادة التى افتقدناها كثيرًا فى حياتنا.
كتبه
الدكتور: محمد حسن معاذ القاضي
دكتوراه فى العلوم الإسلامية – فلسفة إسلامية –