لا ناسخ ولا منسوخ في القرآن الكريم!

خلا المصحف الشريف بين دفتيه ما شاع عنه في عرف العقل الجمعي الموروث القديم من مغالطات جعلها البعض سلاحاً لغرض مغروض أو منهم من جعلها سلاماً لغرض مفروض إما بجهل أو بقصد؛ وسارت الركبان بهذين السلاحين : سلام حسن المقصد وصفاء نية بالفهم عن الله من القرآن الكريم بما أتيح له من حظ في المعرفة؛ وسلاح قبيح المقصد وسوء نية بما فهم عن الله من القرآن الكريم وبما أتيح له من حظ مبخوس أو خلاق منقوص في المعرفة أيضاً؛ وعن هذا وذاك؛ نقول بطمئنان : خلا المصحف الشريف بين دفتيه من مفهوم ومصطلح الناسخ والمنسوخ تماماً؛ وفكرة النسخ والمنسوخ لا تليق بالجناب الإلهي العظيم حيث قال جل من قائل في سورة فصلت : { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم؛ وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ! تنزيل من حكيم حميد }؛ فتحدثت المتحدثة بحسن نية أو بسوئها عن آيات الله بالنسخ والمنسوخ وهو ما لا يوجد إطلاقاً في النصوص القرآنية التي بين أيدينا من المصحف الشريف ولن يكون .

فاليكن منذ اليوم مستقراً في ذهن العقل الجمعي البشري ممن يتناولون تفسير القرآن الكريم قديماً وحديثا ومستقبلا أو ممن يتمسكون بالفهم المركوز المغلوط آنف الذكر أن يغيروا ما بأنفسهم من خلل في الفهم ويوقنوا تمام الثقة بأن الله عز وجل لا يبدل القول لديه – ولا يليق به جل شأنه وتبارك سلطانه – أن يغير فاصلة قرآنية فيرفعها ويأتي بغيرها للتعديل؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً؛ فحان حين تغيير من فكر موؤف بآفة الظن والحدس والتخمين والعلم الفطير بلا رجعة إن شاء الله؛ إلى علم محقوق مثبوت منصوص لا تعديل فيه ولا تغيير ولا تبديل إن شاء الله .

اعتمدت الناس المشغولة بالدراسات الإسلامية عامة والمنشغلة بالشرح والتفسير للقرآن بصفة خاصة على فكرة النسخ في القرآن الكريم على هذه الآية الكريمة : { ما ننسخ من آية أو ننسها؛ نأت بخير منها أو مثلها ! ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } سورة البقرة ؛ لورود كلمة ” آية ” فيها؛ فظنوها الفاصلة القرآنية اللفظية من الجملة ( آية؛ وما هي بآية في حين أنها آية ) وزاد بعضهم إمعانا في تأكيد من ذهب منهم بثبوت الناسخ والمنسوخ على كلمة ” ننسها ” ثم عموم الآية وهذا خطأ كبير ! وإن الآية أعلاه ؛ اشتملت على كلمة ” آية ” الوارد ذكرها فيها وهي التي أشكلت على العقل الجمعي الموروث فقالت بما قالته؛ والصواب إن شاء الله : تعني كلمة ” آية ” ( حدث / قضية ) ولا تعني : فاصلة قرآنية كما الفهم العام من أنها ” آية / فاصلة قرآنية ” أو حكم أو ما شابه فاستعيض عنها بأخرى أو بآية أخرى حلت محل القديمة فرفعت / نسخت / تلك وأثبتت / الناسخة / هذه فترتب على الجديدة والقديمة [ الناسخة والمنسوخة ] حكماً مدنياً أو شرعياً أو فقهيا أو ما شابه وصار معمولا بالمنسوخة والناسخة في آن واحد؛ فقال بعضهم : بقيت تلاوته ونسخ حكمها أو العكس؛ وكلاهما خطأ جليل يستوجب المراجعة الدقيقة في الفهم عن الله من القرآن الكريم بصورة تليق به بلا ريب .

الآية الكريمة : { ما ننسخ من آية }؛ تحدثت في السياق العام التاريخي لبنى إسرائيل قوم موسى؛ عليه السلام؛ و ” الحدث / القضية ” الذي – التي – كان في عصره هو قضية عبادة العجل فكان آية يعني : حدثاً جليلا وقضية إجتماعية في حركة حياتهم العادية ؛ ولم تكن فاصلة قرآنية كما توهما الأكثرية من الناس ؛ إقرأ قوله تعالى : { ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } نفس المصدر؛ فانتهت دورته التاريخية بلا رجعة فيه؛ قال تعالى : { واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم! قل : بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين } نفس المصدر؛ وفي موضع آخر قال تعالى : { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ! لنحرقنه؛ ثم : لننسفنه في اليم نسفا * إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً } سورة طه؛ ولك أن تراجع الآيات قبل الآية : { ما ننسخ من آية أو ننسها } المصدر السابق؛ فتجد تتابع سياق الأحداث مع الآيات مترابطا ومتناسقا نسقا حكيماً وليس كما شيع عنه وعن الآية ومعناها الفطير القديم الموروث الهلبسيس الحنبريت؛ فتأمل أصلحك الله.

الخير الذي نسخ ” شر ” حدث قضية عبادة العجل من بني إسرائيل قوم موسى؛ عليه السلام؛ هو : إفراد العبودية لله تعالى لجماعة منهم بعد النسف والتحريق والإشراب للعجل ؛ ومثلها يعني إعادة دورة إفراد التوحيد والعبودية لله لحركة حياة جديدة تحمل ذات السمات ولا تطابقها – تشبهها ولا تشبهها؛ البداية تشبه النهاية ولا تشبهها؛ كما يقول العارفون بالله – فكانت في محمد؛ عليه الصلاة والسلام؛ والمجتمع العربي القرشي الجاهلي؛ ففي الخيرية ونسخها؛ نسف العجل نسفا وحرق إحراقا وأشرب إشرابا ؛ وكسرت أصنام قريش تكسيرا؛ فيما بعد؛ وفي المثلية أفردت العبودية لله من بني إسرائيل سابقاً ؛ وفيهما كما كان معا ؛ محمد؛ عليه السلام؛ مفردا وموحدا هو وأمته لله عز وجل لاحقاً ؛ إقرأ إن شئت قوله تعالى من تمام الآيات بسورة البقرة : { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض؟! وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل؟! ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل } والشاهد في هذه الآية الكريمة قوله تعالى : { أم تريدون أن تسألوا رسولكم } فقد سأل بنو إسرائيل رسولهم أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.

هذا ! والنسأ من النسيان؛ ومنهم من أرداها لمعنى الإرجاء يعني التأخير؛ والمعنيان صحيحان في مقصود سياق الآية الكريمة التي هي محل كلمتنا هذه ( ما ننسخ من آية أو ننسها )؛ كذلك كلمة النسخ؛ فهي تحمل معنيين متضادين في آن واحد؛ فتفيد المحو وتفيد الإثبات؛ وكما تفيد النقل والتكرار تفيد أيضاً الإحقاق والإقرار؛ إقرأ قوله تعالى في سورة الجاثية : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ! إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون }؛ فجاء التوهم من ههنا / راجع أول المقال والفهم المغلوط عنها / ؛ وقد كان وحدث ما حدث من إعادة الدورة الزمكانية بمحمد؛ عليه السلام؛ المرجوءة في قابل الوقت والمدخرة لوقت موقوت وهي أخير من الدورة التاريخية الزمكانية لبنى إسرائيل في حكم الوقت لشمولية دعوة محمد؛ عليه السلام؛ للناس كافة إذ كانت دعوة موسى؛ عليه السلام؛ لقوم مخصوصين كما هو معروف.

لا يحق لأي أحد كان إن يصرف معنى “ننسخ من آية ” لغير ما ذكرنا؛ ولم أقل أنا بهذا المعنى اعتباطا؛ لا ولا كرامة ! بل هو من صميم الآية الكريمة بلا ريب ولمن يقرأ هذه الكلمة عليه بمراجعتها أكثر من مليون مرة وسيجد صحة ما ذكرنا إن شاء الله من سياق الآيات بدون تقطيع لها أو تجزيء .

نكرر القول : لا يوجد ناسخ ولا منسوخ في القرآن الكريم البتة! وعلى الذين يريدون الحق فهذا هو الحق لا غير ورب الكعبة؛ ومن أراد غيره ليتكسب في الدين ويتقول على الله ما لم يقل به ( تقول الأكثرية من العقل الجمعي الإسلاموي الموروث ببقاء الحكم من النص المنسوخ ولا تبقى تلاوته أو العكس أي : ثبوته حكماً لا نصا صريحاً في القرآن؛ وهذه هي الآفة الموؤفة التي توارثناها على مر السنين؛ فأؤكد هنا أنه : لا حكماً هناك يبقى ولا نصا يكون؛ فما ثبت بين دفتي المصحف الشريف هو الحق المحقوق الذي أراده الله عز وجل وأثبته في كتابه إلى أن تقوم الساعة؛ وكل ما جاء في العلم الموروث الثقافي للعقل الإسلاموي التاريخي من هذه المغالطة التي شوهت الإسلام وشوهت النص الحكيم؛ خطأ جليل آن له أن يقف عند هذا الحد من الخطأ والذيوع المغلوط المأفون وأن يعرف العقل البشري الحادث فهماً دقيقاً من دقائق الدين في القرآن الكريم منذ اليوم بلا نهاية بما قد بيناه آنفا إن شاء الله ) فقد احتمل بهتانا وإثما مبيناً وعلى الله قصد السبيل .

بواسطة
بدر الدين العتاق - مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق