لماذا ياسين العمري وليس عمر العسري أبو عمار أو مصطفى الهلالي؟؟؟

أنتج العقل الجمعي الأمازيغي طيلة قرون من التجربة الإنسانية لهذه المجموعة البشرية رصيدا هائلا من الأمثال والحكم والعبارات المسكوكة تعكس جزءا غير يسير من ذهنيتنا وطريقة تفكيرنا وتدبرنا للأمور، من هذه العبارات قولنا “ءاهْيَّاضْ نْ أوضْوَّارْ ءورْ ءارْ ءيسّْهْضارْ” ومقابله في العربية “مطرب الحي لا يطرب”، وقولنا “ءولّي ءورْ ءاا شْتَّانْتْ توگا ن ييمي ن تْگْمّي” ومعناه أن الأغنام عادة لا تلتفت للأعشاب التي توجد بجوار البيت. وأسباب استدعاء هاتين العبارتين هو صفة من صفات الأمازيغ المغاربة التي سببت الكثير من مآسيهم عبر التاريخ وهي انبهارهم بالأجنبي.

فالمغربي يفضل مَن وما قدم من الخارج على الوطني والمواطن، ويفضل القادم من خارج المنطقة على المنتسب لها، والقادم من خارج القبيلة على ابنها، والقادم من خارج الدوار على ابنه، وغير المنتسب للعائلة على المنتسب لها، وغير المنتسب للأسرة على ابنها…، فالمغربي والمغربية منبهران بالأجنبي عنهم أيا كان ومهما دنت قيمته عن ابن البلد، وهو ما يفسر كرم الضيافة الاستعراضي الذي أصبحنا نتفاخر به أمام العالم، ويفسر تهافثنا على القادم من الخارج أيا كان، واحتقارنا ذواتنا وكل ما له صلة بنا، ومنه ثقافتنا ولغتنا وقضايانا ومصالحنا مقابل تبني قضايا الناس وتمجيد ما يقومون به وينتجونه ولو دنت قيمته عما نقدمه من تضحيات ويبدع لدينا وينتج من الخيرات.

لماذا ياسين العمري وليس عمر العسري أبو عمار أو مصطفى الهلالي؟؟؟
الأمازيغ وعقدة البراني/ الأجنبي/ الغريب

إن مظاهر انبهارنا بالأجنبي أكثر من أن تعد أو تحصى، ومنه تخصيص كل بيت مغربي لغرفة أو جناح أو منزل مستقل، حسب السياقات والظروف، للضيوف، حيز مكاني يعتبر أفضل ما في البيت كله، تصرف عليه الأموال الطائلة لتنميقه وتزويقه وأفرشته وأكسسواراته، علما أن لا أحد من سكانه يمكنه ولوجه إلا الضيوف، وقد لا يلجه أحد طيلة السنة، ومن مظاهر الانبهار بالأجنبي أن ما يقدم له من الأكل والشراب يعتبر خيالا علميا بالنسبة لأفراد العائلة، ويمكن أن تضحي العائلة بكل ما تملك فقط لحفظ ماء الوجه أمام البراني ف”أمان لي س تسيردت ءودم نك ءوفن ويلي تسويت” أي أن المرء يجدر به أن يعتني بمظهره ولو اقتضى الأمر التضحية بصحته.

ومن تلك المظاهر تجمهر المغاربة حول كل ما يأتي من الخارج، أيا كان وفي كل المجالات، فديال برا أو ديال الخارج عبارة تكفي ليشتري المغربي أي شيء، أيا كانت قيمته ومهما تدنت عن المنتوج المحلي، مقابل تبخيس منتوج الدار، ومن المفارقات أن عددا من الماركات تصنع في المغرب وتصدر لتعود للمغربي ويشتريها بثمن ديال برا، فقط لكونه يظن أنهاmade in bRRa .

ومما يستغرب أن الفنان الأجنبي ، وفقط لأنه أجنبي، يمكن أن يتلقى أجرا يضاعف ما يتلقاه نظيره المغربي عشرات المرات، والفنان المغربي الذي يتخصص في ما يسمى الأغنية المغربية العصرية يتلقى ما لا يتلقاه نظيره في الأغنية الشعبية بالدارجة المغربية، ويفوق أجر هذا الأخير أجور الناطقين بمختلف التنويعات الأمازيغية، وهو ما يحدث في كل المهرجانات، حيث يتلقى فنان دارجوفوني عشرات الملايين وتتلقى فرقة للروايس تضم عشرين رايسا بضعة ملاليم يقتسمونها على الرصيف.
ومن مظاهر الانبهار بالأجنبي ما سجلته المغربيات منذ نهاية الثمانينيات من سعي للاقتران بالأجنبي، واساسا الخليجيين في البداية، ثم الأوربيين فالآسيويين وفي النهاية، أي اليوم أفارقة جنوب الصحراء، فهي تفضل الأجنبي من أي جنسية وأيا كان على ابن بلدها أيا كان، وهي الظاهرة التي أنتجت مآسي خطيرة لا يتسع المجال هنا لذكرها.

إن هذه العقلية نفسها، أي الانبهار بكل ما هو قادم من الخارج، هي التي جعلت المغاربة يهجرون تدينهم الوسطي الذي نجحوا في تشكيله واعتماده طيلة قرون، ومساجد دواويرهم وأزقتهم، وينبذون فقهاءهم وعلماء دينهم الكبار، أيا كان مستواهم العلمي والمعرفي والأخلاقي والدعوي، ويرتموا في أحضان نكرات أسسوا أسماءهم من على شاشات القنوات المعلومة ووسائط التواصل الاجتماعي، ففي كل حي ودوار مسجد، وبين المسجد والمسجد مسجد، وبين الصومعة والصومعة صومعة، وفي كل مسجد فقيه وطلبة، وفي كل قرية من قرى الجنوب الناطق بتشلحيت مدرسة عتيقة تضم مئات الطلبة يترأسها فقيه من كبار الفقهاء ورجال دين كبار كان الناس يستفتونهم ويجلسون إليهم خاشعين منصتين، لينقلب كل شيء فجأة، لأن طبع المغربي يغلب تطبعه، وابنهاره بكل شيء قادم من الخارج، من خارج الدوار والقرية والقبيلة والمنطقة والوطن، لا يعلى عليه، فانبهروا بشيوخ قنوات البترودولار الذين لا علم لهم، واصبحوا يقلدونهم، وهجروا مساجدهم وفقهاءهم وعلماءهم، بل أصبحوا يعتبرونهم عنوانا للخطإ والدنس والزلل، فهم قبوريون وشركيون ومبتدعة، لا سيما عندما ظهر وسط هذه المناطق شيوخها الذين شرعوا في مخاطبة الناس بلسانهم الأمازيغي ومنهم أبو عمار والهلالي…
سيختار أبو عمار من قبل من انتقوه بعناية فائقة، وكما صرح بذلك بعظمة لسانه، بعد أن ثبت لديهم إتقانه لأمازيغية تشلحيت وبراعته في فنون القول بها وأهليته للتبشير بالدين الجديد وسط الناطقين بتشلحيت بلسانهم، سيبعث للتغلغل وسط من لا يتقنون إلا إياها ونشر السلفية وسطهم، سيتوالى ظهور نظراء له، ليحتلوا ابتداء من أواسط العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين واجهات الأفراح والأتراح، ويتوسطوا الجموع، وتسير بذكرهم الركبان وتتداول أقوالهم وخرجاتهم على الألسن، فهجر الناس كل مؤسساتهم الدينية القديمة وارتموا في حضن السلفية، انتفخت أوداج الشيوخ الناطقين بتشلحيت فأساؤوا استخدام الفرصة، فسقط أبو عمار في المحظور، فتدنت أسهمه في السوق، وانفض من حوله الناس، خصوصا بعد أن احتدم النقاش بينه وبين من يشاركونه نفس الإناء بعد فتحه عشرات الجبهات وتطاوله على مختلف فئات المجتمع الذي ينتمي إليه أي الناطقين بتشلحيت، فأضحى رقما يجدر بمن بعثوه التخلص منه واستبداله بلاعب أكثر منه كفاءة.

ولأن بضاعة ابي عمار لم تعد تحظى بالقبول، ولأن المغربي لا ينقطع انبهاره بالبراني، عن دواره، عن قبيلته، عن منطقته، سيلجأ سلفيو الجنوب للنقر على وتر الآخر المختلف، فمخاطبة الأمازيغ البسطاء بلغتهم لا يجعلهم يخضعون بسهولة، بل سرعان ما ينفضون من حول من يخاطبهم بلسانهم ويشبههم، ببساطة لأنهم يحتقرون ذواتهم وكل ما يمت إليهم بصلة، فأعاد الممسكون بخيوط اللعبة عقارب الساعة إلى الوراء، واستدعوا من سيخاطب هؤلاء بغير لغتهم، ليفغروا أفواههم أمام سلطة السجع والقافية والإيقاع، أو يستسلمون للنوم أمام خطاب لا يفهمون منه شيئا كما فعلوا مع سي إبراهيم تشنيارت وهو يخاطبهم بالعربية الفصحى في البداية في رواية محمد أكوناض تاوارگيت د ءيميك، قبل أن يحاربوه ومعهم السلطة وهو يقرر مخاطبتهم بلغتهم الأم؛ فالعربية تمارس على البسطاء سلطة وعنفا أكبر بكثير من أي سلطة أو عنف ماديين، وتترك أثرا تعجز عن تركه أكثر الأسلحة والإيديولوجيات فتكا، وهي الكفيلة بإعادة القطيع إلى حظيرة السلفية، أي المهمة التي فشل أبو عمار والهلالي في القيام بها.

فهل سينجح العمري، القادم من خارج الدشيرة والجهة ومن خارج المناطق الناطقة بتشلحيت، في إعادة قطيع، لم ينجح أبو عمار والهيلالي في الاحتفاظ به، إلى حظيرة السلفية؟

بواسطة
الطيب أمگرود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق