مرض سوء الظن بالآخرين 

أحيانا تستفسر من أحدهم عن أشياء وأمور بشكل عفوي، وذلك في سياق حديثه معك، فيقوم بتأويل كلامك تأويلاً شريرا من تلقاء نفسه، ومن ثم يقوم ببناء حوائطا وجسوراً بينك وبينه، وقد يصل به الأمر لمقاطعتك ، ليس هذا فحسب بل يشيع عنك كلاما وأحاديثا ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما أملاها عليه شيطانه، التى هو إليه أقرب والعياذ بالله،

الغريب في هذا الأمر أنك حين استفسرت منه أو سألته، كان في نيتك الخير له، لكنه أساء الظن بك رغم عدم وجود شواهد لسوء الظن لديه!

وقد يمنعك المرض عن تلبية دعوة ما، وكنت قد عقدت العزم على حضورها حين تسلمت الدعوة، وتقدم اعتذارك مع تبيان السبب، لكن تجده لا يميل إلى تصديقك ويظن بك ظن السوء!
و الأمثلة على ذلك لاتُعد ولاتحصى،

وسوء الظن هو التهمة والتخوين للأَهلِ والأَقَارِب والناس دونما سند!
هنا نحن أمام إنسان ليس سوياً على الإطلاق، بل مريض.. لديه سلوك مرضي يحمل في صدره نَفَساً مريضة، لأنها بنت ظنها على أوهام وأخذت جانب الشر والقبح،
ولقد قال الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ )

ولم يقل ربنا جل جلاله إن كل الظن إثم، وإنما قال “إن بعض الظن”، أي أن هناك ظن مباحا وآخر حراماً، والحرام أو ظن السوء له شواهد ودلائل، كأن يجتمع رجل وامرأة في خلوه بعيداً عن أعين الناس، ومن يضع نفسه مكان المتهم يُساء الظن به….إلخ

وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)
أي الظن الذي لا سبب له ولا موجب له، بل يظن بغير تهمة وبغير سبب، هذا ظالم مخطي لا يجوز،
وروى عن عمر بن الخَطاب رضي اللّه عنه أَنه قَال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أَخيك المؤمن إلا خيرا وأَنت تجد لَها في الخير محملا،
وقال بكر بن عبدالله المُزني: من الكلام ما إن أصبتَ فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أثمتَ (سوء الظن بأخيك)
والشك وسوء الظن لايختلفان عن بعضهما البعض ، أو لنقل هما وجهان لعملة واحدة، يأتيان من شخصية تعاني من عقدة النقص كما تعاني أيضا من نقص الدين واليقين والأدب والتربية، والانشغال بالغير عن النفس، والتطلع للآخرين،
ولسوء الظن آثار سلبية، منها أنه سبب للوقوع في الشرك والبدعة والضلال، قال ابن القيم: الشرك مبني على سوء الظن بالله تعالى، لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقيص لعظمة الله.

سوء الظن أفة خطيرة انتشرت بين الناس، وتُحدث حولهم بيئة من التوتر وعدم الراحة والاستقرار والأمن، وأصبح وكأنه أمر مُسَلم لكثير  من الناس بشكل يدفعهم إلى التسرع في الحكم على الأشياء والتعامل مع “الظاهر” وكأنه حقيقة مؤكدة، بينما هو في واقع الأمر مجرد وهم وضعف إيمان،

ولعلاج سوء الظن نرجع إلى إرشاد رسول الله صل الله عليه وسلم، الذي يتجلى في قوله:  «ثَلَاثٌ لَازِمَاتٌ لِأُمَّتِي: الطِّيَرَةُ، وَالْحَسَدُ، وَسُوءُ الظَّنِّ».

فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يُذْهِبُهُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّنْ هُوَ فِيهِ؟
قَالَ: «إِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفَرِ اللهَ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ
وعلى كل من ابتُلي بهذا المرض الخبيث «سوء الظن» أن يراجع نفسه، وأن يبادر إلى معالجة هذا الداء؛ حتى يستريح منه نفسياً، واجتماعياً، وقبل ذلك إرضاء الله تعالى.

أسأل الله السلامة لي ولكم وللمسلمين اجمعين من العلل والأمراض النفسية والعضوية والمجتمعية، الظاهرة والباطنة، ما علمنا منها وما لم نعلم،

بواسطة
رزق البرمبالي - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق